الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

مطران اللاتين سيزار آسيان و"الخيارات المسيحيّة"... "لنَعِش الإنجيل حتّى في السّياسة"

المصدر: النهار
هالة حمصي
هالة حمصي
مطران اللاتين سيزار آسيان و"الخيارات المسيحيّة"... "لنَعِش الإنجيل حتّى في السّياسة"
مطران اللاتين سيزار آسيان و"الخيارات المسيحيّة"... "لنَعِش الإنجيل حتّى في السّياسة"
A+ A-

ليست مسألة تفاؤل او تشاؤم، بل "رسالة" بالنسبة الى مطران اللاتين في لبنان سيزار آسيان. و"الرسالة تُبنى على الله وحده". وفقا له. خريطة الطريق التي يحدّد خطوطها واطرها واشاراتها، في اول ساعات السنة الجديدة، سنة 2018، واضحة جدا، حاسمة للمستقبل. "خياراتنا كمسيحيين اليوم لا يمكن ان تُبنى الا انطلاقا من انجيل يسوع المسيح، حتى في السياسة"، يؤكد في حديث الى "النهار". الوضع المصيري، الانزلاق المتواصل للبنان "نحو الخلف" يستوجبان كلّ الاصرار. "علينا ان نعيش الانجيل في السياسة، وعلى كل المستويات".


يفتح "سيّدنا" ملفات كثيرة، صعبة. قيمة الانسان، رسالة المسيحيين في لبنان والشرق، التعايش الاسلامي-المسيحي، عودة المسيحيين الى اراضيهم، ويبشر بـ"المحبة الحقيقية التي يعلمنا اياها يسوع المسيح". النَفَس انجيلي، وكلامٌ على المسؤوليّات، واسئلة برسم السياسيين. "اذا عدنا ووضعنا كلنا الانسان والوطن في اولوياتنا، نستطيع ان نتقدم الى الامام"، على ما يقول. انتقادات تتعالى ضد الكنيسة بسبب الاقساط وغيرها؟ يسرع الى التنبيه الى "وجوب التمييز بين ما يُحكى وما هو حقيقة"، و"الكنيسة تشتغل كثيرا". وكم يسوءه "استخدام الدين في امور شخصية"، وان يأخذ بعضهم محل الله". وتبقى القدس قرّة العين. "القدس للجميع. انها ملك الله".    


بين عيدين كبيرين، يتكلم المطران آسيان. وتبدأ السنة الجديدة برسالة يوجهها الى المسيحيين: "المسيحيون في لبنان والشرق يعيشون اوضاعا مختلفة حاليا. من المهم ان يرجع المسيحيون الذين لا يزالون مهجرين في لبنان الى بيوتهم. من ترك الجبل، يجب ان يعود الى الجبل، ومن ترك الجنوب، يجب ان يعود الى الجنوب... كي يستعيد المسيحيون اراضيهم مجددا. اؤمن باننا لم نولد في اراض معينة مصادفة. اذا ارادنا الله في هذا الشرق، فذلك لكي نعيش فيه الوفاق والعيش المشترك مع الآخرين. علينا الحفاظ على هذا العيش. هذه رسالة لنا. كذلك، ادعو كل المسيحيين الذين هُجِّروا من بلدانهم العربية الى ان يعودوا الى اراضيهم. نضع ايماننا في الرب والدعوة التي هي لنا، كي يبقى هذا الشرق المختلط بين المسيحيين والمسلمين، يقدم رسالة الى العالم ان اهله قادرون على العيش معا، والسير معا الى الامام.  

"فقدنا الانسان"  

*رغم كل ما شهده الشرق ولا يزال يشهده من اضطهاد للمسيحيين وقتلهم وتهجيرهم، هل تبقى متفائلا بان العيش المشترك الاسلامي- المسيحي ممكن؟

-لست متفائلا، بل هي رسالة. والرسالة لا تُبنى على التفاؤل او التشاؤم الانساني، بل على الرب، على الله وحده. عندما نفكر بدعوة الانسان عادة او نعطيه قيمة، غالبا ما نقيّمه على الصعيد الفكري او الذكاء. لكننا نعرف، بناء على خبرتنا المسيحية والانسانية، ان الشخص المجروح في ذكائه يعلمنا امورا لا احد آخر غيره يستطيع ان يعملنا اياها. وهذا يعني ان كرامة الانسان لا تأتي من امكاناته او تفاؤله او قدراته، بل مما خلقه. ومن خلقه هو الرب. الله هو الوحيد الذي يعطي حياة الانسان المعنى. والمعنى يكون بقدر كبر الله، وليس بقدر صغر الانسان. نظرة الله علينا كبيرة. فاذا كان مات على الصليب من اجلنا، فهذا يعني انه يرى في كل منا اكثر من شخص خاطىء ومحدود. يا ليتنا ننظر الى بعضنا البعض من خلال نظرته الى كل منا.


*تدعو المسيحيين الى العودة الى اراضيهم في البلدان العربية التي هُجِّروا منها في الاعوام الاخيرة، علما ان احصاءات حديثة تبين تراجعا مؤثرا في اعدادهم. هل تخشى على مستقبل المسيحيين في لبنان والشرق؟  

-لم تكن يوما المسيحية في العدد. انها في النوعية والشهادة التي يؤديها المسيحيون للرب، بالامانة للانجيل. والدعوة التي لدى المسيحيين اللبنانيين هي ان يعودوا الى الانجيل، الى الرب الذي هو الخير، ووحده الخير، والخير الاسمى. اعني بذلك ان خياراتنا كمسيحيين اليوم لا يمكن ان تُبنى، حتى في السياسة، الا انطلاقا من انجيل يسوع المسيح. لا اعتقد ان هناك محبة حقيقية تناقض المحبة التي يعلمنا اياها يسوع المسيح، اي احترام كل انسان، الاستعداد للمغفرة واعادة البناء مجددا، احترام الرجاء الموجود في قلب كل انسان... هناك قيم معينة نريدها كلنا. لذلك لم يعد يمكن ان تكون الحسابات قائمة على الاستقواء على الآخر، بل يجب ان تقوم على محبته. والمحبة كما علّمنا اياها يسوع المسيح، والتي فيها بذل للذات.

جرّبنا كل الخيارات. ونعرف ان المصلحة الشخصية تتحقق، في السياسية وفي مختلف المجالات، من خلال الدوس على الآخرين. وهذا الشيء لا يجوز. يجب ان نعيش الانجيل في السياسة وعلى كل المستويات. الانجيل ليس بعيدا من حياتنا اليومية. اي شخص يفتش اليوم عن السلطة او المال يعيش حياة طبيعية؟ "معليش"، نرى سياسيين كبارا "يركضون ع اليمين وع الشمال"، كل الوقت، كي يزيدوا مالهم؟ سلطتهم؟ قدرتهم على خدمة الوطن؟ لو خدمنا الوطن، لرأينا نتائج تحققت. انتهت الحرب في لبنان العام 1990، ولا كهرباء حتى اليوم. لماذا؟ لماذا تتخذ اليوم قرارات بالاستمرار في تلويث البيئة. صفقات؟ حسنا، ولكن من يدفع ثمنها؟ لماذا نشهد ارتفاعا في الاصابات بالسرطان، لا سيما بين الاولاد؟ الى اين نحن سائرون؟  


*اذا بقيت الامور على حالها، الى اين نتجه؟  

-المشكلة هي انه لم تعد لدينا مرجعية. لقد فقدنا الانسان، فقدنا قيمته. لقد حجّمناها في قيمة ليست له، بالمال الذي يملكه، بالسلطة التي يتمتع بها. لكنها ليست قيمته الحقيقية. الدولة ملزَمة ان تساعد كل المؤسسات الخيرية التى تعنى بالاهتمام بالانسان، لا سيما الايتام والمرضى... لكنها تتأخر سنة، سنتين، 4 سنوات، في تسديد المستحقات المالية المتوجبة عليها. كيف يمكن اذًا هذه المؤسسات ان تهتم بالانسان؟ واذا كانت الدولة تتأخر كل هذه المدة لتسديد مستحقاتها، فهذا يعني ان الانسان ليس مهما جدا لها. لذلك، اذا عدنا ووضعنا كلنا الانسان والوطن في اولوياتنا، نستطيع ان نتقدم الى الامام. وهذا الامر لا يتوقف على رجال السياسة وحدهم. على كل منا ان يختار اليوم قيم المحبة التي تضع الانسان في جوهر الحياة، والخدمة التي نريد تأديتها. والا فلن نصل الى اي مكان. على كل منا ان يبدأ بهذا التغيير.

هناك خيارات علينا اتخاذها. ويطلب منا الله ان نتحمل مسؤوليتها. انه حاضر دائما، كي نبني مجددا. لم يترك الانسان مرة. "عمانوئيل" معناه ان الله ارتبط بنا. اصبح اسمه، هويته "الله معنا"، ولا يتركنا في اي لحظة. انه حاضر عندما نرجع الى الخير. وبهذا الخير، يرافق كل منا.

"لا سعادة خارج المحبة" 

*ماذا يقول الله للبنانيين اليوم؟

-يقول لكل منا: ارجع الى الخير، الى الانسان، الى محبة اخيك الانسان، الى وضعه في جوهر حياتك. وكن مستعدا لعيش المحبة. ارجع واكتشفها. اذا كانت المحبة المحور الوحيد الذي يعطي الانسان السعادة، فلماذا نضع المال والسلطة في جوهر حياتنا؟ من يفتش عن المال والسلطة، سيبقى يفتش عنهما، لانه لا يجد السعادة في حياته. السعادة لا يمكن ان تكون خارج المحبة. يشدد البابا فرنسيس، وانا اضم صوتي اليه، على ان الاولاد مهمون جدا. ممنوع ان نتلاعب بهم وبحياتهم وتربيتهم، او ان يتم استخدامهم لامور ليست في خيرهم. العام الماضي، تكلم البابا عن معاناة 75 مليون طفل في العالم، من جراء الحروب والفقر. الاولاد غرس الله ومستقبل الانسانية. واذا كان هناك 75 مليون طفل مشرد او مهمل او فقير او مجنّد، فما الذي يمنع ان يصبح في العالم 75 مليون ارهابي؟

*البابا فرنسيس عيّنك في 2 آب 2016، نائباً رسولياً للاّتين في لبنان. ماذا يعني لك هذا التعيين؟

-انها مسؤولية كبيرة جدا. اعرف انني لست على قدر حجمها. لكن اذا كان الله اختارني لهذه المهمة، اعرف انه سيدبر الامور معي. المهم ان ابقى اختاره هو في حياتي، وان ارجع اليه في كل ما اريد ان احققه. لست راعيا باسمي. انا راع باسم الكنيسة، باسم الرب. وانا موجود فقط، لان هناك مؤمنين، ويطلب مني الرب ان اهتم بهم.


*احيانا يوجع القطيع رأس الراعي.  

-"مش مشكلة اذا كان القطيع بيعذب. شغلتو انو يعذب"، ونتقدس ايضا من خلال هذا العذاب. انا استمد وجودي من القطيع الذي ارعاه. اذا لم يكن هناك مؤمنون اهتم بهم، فلا لزوم اذًا لان اكون راعيا. وهذا يعني اننا كلنا واحد. من دونهم لا استطيع ان اعيش. وهم، من دون الراعي، يتشرذمون ويضيعون، ولا يعود هناك مرجع لنكتشف معا الرب في حياتنا. هذا هو التحدي الكبير.

الشعار الذي اتخذته لاسقفيتي: الانجيل والمحبة. الانجيل، لانه الكلمة الاولى والاخيرة، لنعيش الخير مع بعضنا البعض، ونكون على مثال يسوع المسيح، وايضا نكون يسوع المسيح على وجه الارض. والمحبة التي هي محبة الرب، تعني ان اعرف، بالعبادة للرب من خلال الاسرار والصلاة، انه الاول والاخير في حياتي. والمحبة ايضا هي محبة القريب.


"ليس كلّ المتداول صحيحا" 

*تتعالى من وقت الى آخر انتقادات للكنيسة، منها شعور عديدين بان الكنيسة بعيدة عن شعبها وهمومه. وقد سمعنا بعضها خصوصا على خلفية ارتفاع اقساط المدارس. كيف تجيب على هذه الانتقادات؟

-علينا ان نتنبه الى ما يُقال ويحصل. ليست كل المعلومات التي يتم تداولها صحيحة. منذ اصبحت مطرانا، سمحت لي الظروف ان ارافق مطارنة آخرين، وان ارى مقدار الألم الذي يشعرون به من اجل ردم الهوة التي وُجدت بينهم وبين الناس. لكن الهوة موجودة مع اشخاص غير ملتزمين الكنيسة. ومن يتكلمون هم من الخارج، من دون ان يلمسوا بالفعل ما تحاول الكنيسة ان تقوم به. ثانيا، بات الدين يُستخدم لاغراض غير دينية. وبالتالي علينا ان نميّز بين ما يحكى، وما هو حقيقة.

بالنسبة الى موضوع المدارس، الكنيسة تشتغل. ووفقا لقول الرب "لا تدع يسارك تعرف ما تقوم به يمينك"، تشتغل الكنيسة كثيرا، ولن نقول ما تقوم به ومقداره. لا شأن لاحد بذلك. نشتغل، وسنكمل بقدر ما نستطيع. علينا ان نعرف ان الكنيسة هي الراعي والقطيع معا، ولا تكون بواحد من دون الآخر. لذلك سيأتي وقت- وعلى العلمانيين ان يساعدونا - كي نرى معا الطريق، ونكمل معا رسالتنا في هذا البلد.

 القدس للجميع 

*الرسالة تواجه ايضا تحديات، خصوصا في ظل مخاوف من التطرف الاسلامي والمتشددين الاسلاميين. ماذا تقول للمسلمين؟

-اقول لهم: عودوا واقرأوا في داخلكم. في آخر الامر، لا شيء غير المحبة تجعلنا نعيش بالفرح الحقيقي مع بعضنا البعض. فلنتوقف عن الهرب من ذلك. امر آخر. لا اعتقد ان المسلمين هم الذين يهاجمون الاقباط الارثوذكس (في مصر) ويقتلونهم او يريدون القيام بحروب. يجب التوقف عن استخدام الدين في امور شخصية. من اراد ان يكون مسلما، فليكن مسلما وفقا للقرآن، وتعاليم الازهر، وايضا المرجعيات الشيعية، وفقا لمرجعية محددة. المشكلة الكبيرة هي اننا فقدنا جميعا مرجعياتنا. هذا يريد ان يفتح الانجيل "ع حسابو"، وذاك يريد ان يفتح القرآن "ع حسابو". وآخر يريد ان يفتح باب السماء ويقفل باب جهنم كما يريد. لا احد هو الله، ولنتوقف عن ان نأخذ محله. "داعش" وضع نفسه محل الله، لانه قرر ما هو القرآن. لم يختره الله ليقرر. هناك اشخاص مؤتنمون على ذلك، ويفسرون القرآن. كذلك الامر بالنسبة الى المسيحيين. علينا فقط العودة الى الحقيقة والمحبة في حياتنا.


*ماذا عن القدس؟  

-القدس ليست ملكا لاحد. هذا رأيي الشخصي. وقد اصدر رؤساء الطوائف في لبنان بيانا بهذا الشأن، والتزمه. اذا كان الله اعطى القدس الديانات الثلاث، فانها تبقى ملكه. ويجب ان تكون بيتا مفتوحا امام هذه الديانات السموية من دون اي استثناء. فلا تُستخدم للقيام بالحرب، والقول بانها عاصمة اسرائيل، او عاصمة فلسطين، او هي للعرب. انها لله. وحان الوقت لنرد اليه ما هو له. نرد اليه ما هو له عندما تعود القدس منطقة سلام بالفعل، منفتحة على كل الابناء الذين يقصدونها، ايا يكونوا، وتكون ابوابها مفتوحة لهم، من دون تأشيرة دخول. القدس للجميع.

[email protected]


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم