الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

تعيش وحيدة مع آلامها وفقرها... تيريز عبود: ما أتمناه في الأعياد هو الشفاء

المصدر: "النهار"
طرابلس – رولا حميد
تعيش وحيدة مع آلامها وفقرها... تيريز عبود: ما أتمناه في الأعياد هو الشفاء
تعيش وحيدة مع آلامها وفقرها... تيريز عبود: ما أتمناه في الأعياد هو الشفاء
A+ A-

نحن في موسم أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة، والعالم يعج بالفرح، والزينة، والأنوار الزاهية، يحضرون الحلويات، ويوزعون الألعاب، كل يمارس العيد على طريقته، يزينون منازلهم بشجرة الميلاد وتوابعها، وبالأنوار المتلألئة، تغمرهم الفرحة بميلاد السيد المسيح، وبقدوم عام جديد، قلوبهم ملأى بتراتيل الحب، والتهليل لكل جديد.


لكن كم من أناس مغمورين خلف بؤسهم، ومساكنهم المتواضعة، يعيشون ظروفاً صعبة حرمتهم نعمة الأعياد والفرح. هم منسيون لا يجدون من يسأل عنهم، أو يدخل السرورإلى نفوسهم. من هؤلاء تيريز عبود، المرأة السبعينية التي تعيش وحيدة في منطقة باب الرمل الشعبية في طرابلس، على بعد أمتار من المقبرة الأكبر والأشهر في عاصمة الشمال، وهي لا تأبه للمقبرة، ولا تخاف من إقامتها قربها، تذكرها بالموت في كل لحظة، لأن الحياة التي تعيش ليست أفضل كثيراً من الموت. 



تيريز تقول: "أنا من بلدة حصرون – قضاء بشري، يتيمة الأبوين منذ زمن بعيد جداً، وقضيت عمري وصباي من دون أن أتزوج بسبب انصرافيإلى العناية بأهلي. وبعد رحيلهما، بتُّ أعيش هنا وحيدة. أحياناً يزورني ابن شقيقي. لم يبق من عائلتي إلا اختي وشقيقي، ولا أستطيع رؤيتهما، فهما يعيشان بعيداً في البلدة، وهما لا يستطيعان القدوم لزيارتي لأنهما مقعدان".


قدمت تيريزإلى طرابلس مطلع الثمانينيات، أي منذ حوالى 35 سنة، حيث اشتغلت في تنظيف عيادة أحد الأطباء. قضت قسماً كبيراً من عمرها تعمل في العيادة، لكن الطبيب تقدم في السن، وتقاعد، وأغلق عيادته، فاصبحت تيريز وحيدة بلا عمل، وبلا ضمان، وبلا معيل، وتقول: "هذه حالي، كجذع شجرة مقطوع، نادراً ما أزور حصرون لملاقاة من تبقى من أهلي وأقاربي، لأن صحتي لم تعد تسمح بذلك". 



تيريز تسكن بيتاً متواضعاً إلى أبعد الحدود، يشبه الكهف، يدخل زائره من الباب الرئيسي إلى المطبخ الصغير الممتلئ بالاغراض، وبكرسيين، وإلى جانبه مرحاض ضيق، يتوسطهما درج يصعب إلا على من كان قوياً جسدياً تسلقه للوصول إلى الغرفة في الطابق العلوي. وتقول: "اقضي معظم وقتي هنا، ولا أصعد إلى الغرفة إلا عند النوم فقط. رجلاي تؤلمانني، وأجد صعوبة بالغة في صعود الادراج، حتى الغرفة التي أنام فيها ليست صالحة بتاتاً، إذ يدلف ماء المطر من شقوق السطح إلى الداخل، وليس من حل لهذه المشكلة المكلفة".


في ذلك الحي البائس لا مكان للعصبية الدينية أو الوطنية، حيث يعيش المسلم والمسيحي، اللبناني والسوري والفلسطيني سوياً، يجمعهم الفقر والحرمان في بيوت قديمة متهالكة تكاد تنهار على رؤوس ساكنيها. 



ولا تجد تيريز من يؤنس وحدتها سوى جارتها. تقول تيريز"نعيش سويا الهموم المشتركة، والتعاسة، نؤنس بعضنا لعلنا نتغلب على الزمن القهّار، كما أن جاري عطف علي وزودني بالكهرباء (الاشتراك الخاص)، فانا لا استطيع الاشتراك في المولد، ومن أين لي ذلك، وأنا اعمل حالياً في تنظيف أحد المكاتب لقاء 150 الف ليرة شهرياً، ادفع منها 100 الف بدل إيجار البيت، وأعيش من الخمسين ألفاً الباقية "على قد الحال".


وإذا ما كانت تتلقى اية مساعدة من جمعية أو مؤسسة ما، تقول بحسرة: "مؤخراً قيل لي إن إحدى الكنائس تقدم مساعدات فقصدتها، وكان الجواب: "خلصنا ما عاد في شي". 


وتتابع متحدثة عن معاناتها من آلام عديدة، أهمها، وأكثرها إلحاحاً "زرع ركبة، لكنها تكلف 20 مليون ليرة، كما أحتاج إلى بعض الفراش. ومنذ مدة، أجريت لي عملية ماء زرقاء في عيني، وما زلت بحاجة إلى عملية في العين الثانية، وأنا انتظر تأمين تكاليف هذه العملية، بالإضافة إلى تكاليف معالجة مشاكل في الكلية". 



وتقول والدموع في عينيها: "في عيد الميلاد، لم أعد أحلم بشجرة تفرحني كما عندما كنت شابة. حاجاتي الحالية تتجاوز الشجرة والزينة والهدايا والمأكولات الشهية، والأولوية لحالتي الصحية التي لا أستطيع تأمين المال للعناية بها. في هذا الموسم الذي كنا ننتظر قدومه من عام إلى عام بشغف، اكتفيت بالمشاركة في الصلاة، وكل ما أتمناه في الميلاد، في مولد رسول الرحمة، السيد المسيح، هو الشفاء من أمراضي، وأوجاعي التي أعاني منها منذ زمن بعيد، فالصحة أهم شيء".


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم