الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

صمود صدام أفسد البرنامج الأميركي وسيادة الديمقراطية هدف النظام العالمي الجديد

المصدر: "النهار"
Bookmark
صمود صدام أفسد البرنامج الأميركي وسيادة الديمقراطية هدف النظام العالمي الجديد
صمود صدام أفسد البرنامج الأميركي وسيادة الديمقراطية هدف النظام العالمي الجديد
A+ A-
بعد رفض الربط بين انهاء الغزو العراقي للكويت وفتح مفاوضات مع اسرائيل حول حقوق الفلسطينيين، يروي وزير الخارجية الاميركي جيمس بايكر في هذا الفصل من مذكراته كيف بوشر التمهيد للمفاوضات بين العرب واسرائيل في اطار مؤتمر مدريد والصعاب التي واجهها خصوصاً مع رئيس الحكومة الاسرائيلية آنذاك رئيس تكتل "ليكود" اسحاق شامير. وتنشر هذه المذكرات "النهار" و"الشرق الاوسط" في وقت واحد. وهذا هو الجزء الاول من الفصل الثالث والعشرين من الحلقة الثالثة والعشرين. "علينا الآن الشروع في النظر الى ابعد من النصر والحرب. علينا ان نكون على مستوى تحقيق السلام". (من خطاب الرئيس جورج بوش الموجه الى الامة - واشنطن 27/2/1991) كان المشهد لا يصدق... كأنه خارج من جحيم دانتي. عندما توجهت من الطائف الى مدينة الكويت عصر يوم 9 آذار 1991، اي بعد مرور اقل من اسبوعين على انتهاء "عاصفة الصحراء"، لم استطع ان اصدق ما رأيته من نوافذ طائرتنا التابعة لسلاح الجو. لقد تحولت السماء الزرقاء الباهرة رقعة من الظلام المسكون بكتل من السحاب المشبع بدخان الكبريت المتصاعد من اكثر من 600 بئر للنفط كانت القوات العراقية المنسحبة من الكويت قد اضرمت فيها النيران. ومن مسافة تزيد على مئة ميل كانت هذه الحرائق تشتعل على نحو تتعذر معه السيطرة عليها. وقد بدا بعض هذه الحرائق اشبه بقطع كبيرة من الريش الملتهب الذي كان يقذف بالحمم آلافا من الاميال عبر سماء نارية من المُهل (اي المعدن المُذاب) البرتقالي اللون، بينما كان بعضها الآخر يفور ويبقبق عبر صدوع صغيرة في الارض على مدى اميال لا تنتهي. وما ان هبطنا في مطار الكويت الدولي المحترق الذي كان مسرحا لقتال ضار بين قوات مشاة البحرية الاميركية والقوات العراقية، حتى اصبحت طائرتنا الفضية اللامعة ملطخة بطبقة سوداء من الزيت اللزج. عندما حدقت من نافذة مقصورتي وجدت ان من الصعوبة بمكان تصور حدوث مثل هذا العمل الوحشي من اعمال التدمير المتعمد. كما لم استطع ان امنع نفسي من التساؤل عن الطريقة التي يمكن بها ان يصدر احد اوامره بارتكاب فعل همجي كهذا لا علاقة له بالتمدن. واذكر انني سبق ان شاهدت آبار نفط مشتعلة في تكساس، ولكنها لا يمكن ان تقارن بهذا المشهد. لقد ذهلت ازاء هذا المنظر المرعب الى حد انني ابرقت الى الرئيس في ما بعد لاخبره بانني شاهدت للتو "خرابا هائلا وكارثة بيئية عظيمة الحجم. العراق يجب ان يدفع الثمن". قبل الهبوط دارت طائرتنا صوب الشمال، وعبر الطريق الرقم 6 الذي يصل بين مدينة الكويت والبصرة، حيث ظفر طيارو التحالف بالجنود العراقيين المتقهقرين في العراء، خلال اليوم الاخير من الحرب. ورأيت بعيني مئات الدبابات وقطع المدفعية وناقلات الجند المحترقة. وحتى السيارات الخاصة التي استولى عليها العراقيون كانت هناك. وعندما تسببت العربات المحترقة في اغلاق الطريق الاسفلتي، اندفع العراقيون نحو الصحراء بذعر وهياج حيث اصبحوا فريسة اسهل منالا. وعلى مسافة مئات الياردات من جانبي الطريق انتشر الحطام عبر الرمال على نحو اشبه بالقمع المقلوب. لا عجب اذاً انه سرعان ما اصبح هذا الطريق يعرف باسم "طريق الموت". ومع ذلك احسست بان هذا الرعب الرؤياوي الطابع والذي بلغ احجاما توراتية، كان يحجب صورة اشد ايجابا بكثير، صورة بذور الامل في منطقة قمعت فيها احلام السلام والوفاق بقسوة طوال قرون. وعلى رغم الدمار المنتشر تحت الممر الجوي الذي عبرناه، كنت اشعر بان غزو الكويت وتحريرها بواسطة قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، قد اسس لواقع دراماتيكي جديد في المنطقة. فالراديكالية العربية فقدت صدقيتها، واشتد نتيجة لذلك ساعد الدول العربية المعتدلة كمصر والمملكة العربية السعودية. كما استطاعت الولايات المتحدة، بالحاقها الهزيمة بالعراق، ان تكسب امتنان عرب الخليج العميق. واما الاتحاد السوفياتي الذي كان يمثل قوة لاثارة القلاقل في المنطقة، فقد اصبح الآن شريكا للديبلوماسية الاميركية، فضلا عن ان الصدقية الاميركية على هذا الصعيد بلغت مستوى اعلى من المستوى الذي بلغته في اي وقت مضى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. كان من الواضح بالنسبة الي ان حرب الخليج استطاعت ان تفتح نافذة لا مثيل لها على احتمالات التوصل الى سلام بين اسرائيل وجيرانها العرب. وكما كان دنيس روس شغوفا بان يردد فاننا "شهدنا زلزالا للتو. ان علينا ان نتحرك قبل ان تستقر الارض مرة اخرى وهذا ما سيحدث قبل ان يمر وقت طويل". واذا اخذنا في الاعتبار تاريخ ديبلوماسية الشرق الاوسط الذي يبعث على الالم، فانني اجد ان هذا التشبيه بالغ الدقة. لم اكن متأكدا على الاطلاق من اننا سنتمكن من اغتنام فرصة الانفراج النادرة تلك. فمشاعر الكراهية المتأصلة لا يمكن التغلب عليها بسهولة تماثل السهولة التي هزمت بها القوات العراقية. ومع هذا فقد احسست بقوة ان الجهود المطلوبة ينبغي بذلها، اذ ان الديبلوماسية الاميركية اوشكت ان تحقق نجاحا بين عامي 1989-1990 في ظروف اقل ملاءمة بكثير. كما ان نفوذنا اليوم اصبح اشد فاعلية من اي وقت مضى. بل لعل من المحقق انه لن يبلغ هذا المبلغ مرة اخرى. رؤية لما بعد الحرب في شهادة ادليت بها امام لجان الشؤون الخارجية في الكونغرس، خلال يومي 6 و7 من شهر شباط 1991، لمّحت الى بعض الافكار التي تراودني في ما يتعلق باحياء عملية السلام في مرحلة ما بعد الحرب. غير ان هذه اللجان، كذلك اجهزة الاعلام، لم تول هذا الجانب من ملاحظاتي سوى مقدار...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم