هل نجح جونسون في إقناع روحاني بحلحلة ملفّ راتكليف؟
"مجدية" و "صريحة". بهاتين الكلمتين اختصر المسؤولون البريطانيّون الزيارة التي أجراها وزير الخارجيّة بوريس #جونسون إلى #طهران يومي السبت والأحد حيث التقى بمسؤولين بارزين في مقدّمتهم الرئيس الإيرانيّ حسن #روحاني. وتباحث الرجلان في عدد من القضايا وعلى رأسها مسألة اعتقال المواطنة البريطانيّة الإيرانيّة الأصل نازانين زاغري راتكليفبتهمة المشاركة في مظاهرات العام 2009، وهو أمر تنفيه المتّهمة التي تتولّى إدارة مشروع مؤسّسة "تومسون رويترز" الخيريّة.
وأكّدت المتحدّثة باسم وزارة الخارجيّة البريطانيّة أنّ المحادثات مع روحاني ورئيس مجلس الشورى الإيرانيّ علي لاريجاني تطرّقت إلى "جميع القضايا الإقليميّة والثنائيّة، من بينها مسائل مصرفيّة ومخاوفنا حيال القضايا القنصليّة لمزدوجي الجنسيّة". لكنّ التلفزيون الإيرانيّ أشار إلى أنّ اللقاءات ركّزت على العلاقة الثنائيّة والاتفاق النوويّ والتطوّرات الإقليميّة، من دون التطرّق إلى قضيّة راتكليف التي أوقفت العام الماضي.
"أوّل هدير للحرّيّة"
وأبدى زوجها ريتشارد في رسالة للصحافيّين "تفاؤلاً أكبر من ذي قبل" بعد زيارة جونسون. وقال في حديث إلى وكالة الصحافة الفرنسيّة إنّه كان من المفترض أن تمثل زوجته يوم الأحد أمام القضاء الإيرانيّ للردّ على اتّهامات "بنشر دعاية" يمكن أن يُحكم عليها بالسجن لستة عشر عاماً بسببها. كما وصف تأجيل المحاكمة بأنها "أوّل هدير للحرّيّة". لكن بالرّغم من هذا التفاؤل لم يستبعد ريتشار إمكانيّة حدوث انتكاسات جديدة في الملفّ.
تصريحات محرجة
لقد كتب عدد من الصحافيّين البريطانيّين عن عدم بذل حكومة بلادهم الجهود الديبلوماسيّة الكافية من أجل حلّ قضيّة راتكليف. ليس هذا وحسب، بل أدلى جونسون بتصريحات محرجة لبريطانيا دفعت البعض إلى المطالبة باستقالته. ففي الشهر الماضي، قال جونسون إنّ راتكليف كانت تدرّب صحافيّين في إيران الأمر الذي دفع السلطات المحلّيّة إلى توجيه اتهامات ثانية لها حول "نشر دعاية" مناهضة للنظام، فيما نفت "تومسون رويترز" تلك الادّعاءات.وعاد وزير الخارجيّة ليقدّم اعتذاره عن هذا التعليق مؤكّداً أنّه "يسحب أي اقتراحات بأنّها كانت في مهمّة مهنيّة".
العلاقات الثنائيّة "أقلّ من المأمول"
ويمكن أن تكون المشاكل الداخليّة التي تسبّب بها جونسون لنفسه قد رافقته في زيارته إلى #طهران. فعندما يلتقي رأس الهرم الديبلوماسيّ بمسؤولين خارجيّين وهو يثير جدلاً واسعاً حول أهليّته لمنصبه في بلاده، سيكون لدى نظرائه العديد من الأسباب التي تجعلهم يمتنعون عن تقديم التنازلات. وهذا ما أثبتته الأجواء الإعلاميّة التي نقلت عن المسؤولين الإيرانيّين عدم رضاهم عن العلاقات الثنائيّة بين البلدين. فهي "لم ترتقِ إلى المستوى المأمول" كما قال روحاني أو تعاني من عدم حلّ المشاكل المصرفيّة للسفارة الإيرانيّة في لندن بحسب لاريجاني. وأشارت صحيفة "ذا دايلي تيليغراف" البريطانيّة إلى أنّ هنالك مبلغ 535 مليون دولار دفعته إيران في فترة ما قبل الثورة من أجل شراء دبّابات لم تلتزم لندن بتسليمها، لذلك تطالب السلطات الإيرانيّة البريطانيّين بإعادة هذا المبلغ.
أفكار انتحاريّة
وفي وقت كان من المرجّح أن يكون الإيرانيّون قد سعوا إلى ربط مصير راتكليف بالمصالح الاستراتيجيّة لبلادهم، خصوصاً أنّ هؤلاء على دراية بمحوريّة هذه القضيّة بالنسبة للحكومة والرأي العام البريطانيّين،لم تغب أجواء التفاؤل تماماً لدى بعض المراقبين. مراسل الشؤون الديبلوماسيّة لهيئة الإذاعة البريطانيّة "بي بي سي" جايمس روبن رأى أنّه بمجرّد حصول اجتماع بين جونسون وروحاني لمدّة ساعة هو أمر "إيجابيّ". ثمّ أضاف أنّ الطرفين لم يحاولا الربط بين المشاكل السياسيّة والماليّة التي تطبع علاقتهما بقضيّة راتكليف، مشيراً إلى أنّ وزارة الخارجيّة قالت إنّ الوفد البريطاني غادر إيران مع شعور بأنّ الطرفين "أرادا حلّ المسائل الصعبة في العلاقة". وطالب أهالي معتقلين آخرين من ذوي الجنسيّة البريطانيّة السلطات بعدم التحدّث عن قضيّة أبنائهم علناً، فيما نقلت "بي بي سي" عن الحملة المدافعة عن راتكليف شعور الأخيرة بنوبات ذعر وعدم قدرتها على النوم إضافة إلى مراودتها أفكاراً انتحاريّة.
نقاط قوّة جونسون
الأجواء الإيجابيّة الحذرة التي عكسها تحليل روبن، تطرّق إليها أيضاً باتريك وينتور، ناشر الشؤون الديبلوماسيّة في صحيفة "ذا غارديان" البريطانيّة. فهو تذكّر كيف وصف جونسون منذ فترة إيران بأنّها "واحدة من تلك الدمى الروسيّة" بمعنى أنّها دولة ظاهرها ديموقراطيّ مؤسّساتيّ وباطنها الجوهريّ ذو طابع "حرسيّ". وإذا قيست الأمور بتوصيف جونسون، فإنّ الأخير نفسه يكون قد فشل في الوصول إلى "صنّاع القرار الحقيقيّين" في مسألة راتكليف وهم قادة الحرس الثوريّ والمسؤولين المقرّبين منه. ومع ذلك، بدا للكاتب وجود نقاط قوّة لدى جونسون يمكن أن يكون قد استخدمها في زيارته الرسميّة. فهو شخصيّاً من أشدّ المؤيّدين للاتفاق النووي بغضّ النظر عن الضغوط التي تمارسها الولايات المتّحدة اليوم في هذا الإطار. ومن جهة ثانية، أعلنت بريطانيا رفضها لسياسة الرئيس الأميركي دونالد #ترامب حولالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
مواقف روحاني العلنية واضحة
ومع ذلك، يمكن ألّا تكون نقاط القوّة هذه قد وجدت لها تصريفاً في الداخل الإيرانيّ، خصوصاً في قضيّة راتكليف. فقد رأى توماس إردبرينك من صحيفة "نيويورك تايمس" الأميركيّة أنّ هنالك جهداً مركّزاً من قبل المتشدّدين لوضع ضغط على المواطنين الحاملين لجنسيّة أجنبيّة إضافة إلى جنسيّتهم الأم. فالمتشدّدون لا يثقون بالأجانب، وخصوصاً مزدوجي الجنسية حيث يشير محلّلون إلى أنّ بعض هؤلاء السجناء ذو قيمة بالنسبة إلى السلطات الإيرانية كورقة مساومات محتملة في عمليات تبادل مستقبلية. لكن إذا صحّت رؤية وينتور، فقد يصعب على جونسون أن يكون قد يحقّق خرقاً جدّيّاً في هذه القضيّة. وكان باري روزن، محتجز أميركي سابق في إيران، كتب العام الماضي في صحيفة "تيليغراف" أنّ رئيسة الوزراء تيريزا ماي سبق لها أن تطرّقت إلى هذه القضية في أول اتصال لها كرئيسة للحكومة مع #روحاني. لكن منذ ذلك الحين، لم يتفاءل روزن في سيرورة الأمور لأنّ روحاني لا يملك السلطة لمعالجة هذه القضايا كما كتب. غير أنّ روحاني نفسه أصرّ خلال مقابلة مع كريستيان أمانبور من شبكة "سي أن أن" الأميركيّة في أيلول الماضي، على أنّ السلطة القضائيّة في إيران مستقلّة وأنّ ما يهمّه شخصيّاً أن تتّخذ هذه السلطة قراراتها وفقاً لقواعد القانون والإنصاف. وأضاف أنّ هنالك مواطنين إيرانيّين مسجونون في الولايات المتّحدة ودول غربيّة أخرى بدوافع سياسيّة، لذلك، إذا كانت هناك رغبة بالنظر إلى قضايا السجناءوحقوق الإنسان، فيجب مقاربة الموضوع بطريقة متوازنة كما قال.
هل أسمع روحاني ضيفه هذه الكلمات؟ إذا كان الأمر كذلك، فهذا يعني أنّ حلّ القضيّة لن يكون متاحاً في المدى القريب، أو على الأقل كما يأمل أقرباؤها بحدود عيد الميلاد. وحتى لو وعد روحاني جونسون خيراً في هذه المسألة، تتبقّى معرفة الثمن الذي ستدفعه بريطانيا لقاء حلحلة الملفّ الأساسيّ في العلاقات الثنائيّة والذي تفصله بضعة أشهر فقط قبل أن يدخل سنته الثالثة...