الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"بيري" إبنة أختي "الدلّوعة" تُهيمن على حياتنا وعُشقنا لها يُعطي أبعاداً جديدة للجُرصة!

هنادي الديري
هنادي الديري https://twitter.com/Hanadieldiri
"بيري" إبنة أختي "الدلّوعة" تُهيمن على حياتنا وعُشقنا لها يُعطي أبعاداً جديدة للجُرصة!
"بيري" إبنة أختي "الدلّوعة" تُهيمن على حياتنا وعُشقنا لها يُعطي أبعاداً جديدة للجُرصة!
A+ A-

كانت صغيرة وخائفة، لا تَفهم "شو عم بيصير معها"، والقَفص "الساحِق" يُطوّقها من كل جانب. وهي صغيرة وخائفة تمضي أيامها ولياليها داخل هذا القفص الذي بالكاد تستطيع أن تقف فيه، وصاحب المحل يُطعمها مرّة في اليوم ولا يُخرجها من هذا السجن الخانِق "تما تتعوّد". وهي صغيرة لا يتعدى عمرها الـ 3 أشهر وعظامها جاحظة من جسدها النحيل. 

والقَفص الضيّق منزلها منذ أن وُلدت وأخذوها بعيداً من والدتها. وهي صغيرة وخائفة، لا تفهم "شو عم بيصير معها".




كان صوت أخي هادي يَختنق عندما إتصل بي هاتفاً بصوتٍ أجش، "دخيلك يا أختي، خدوا هالكلبة الصغيرة لعندكن على البيت، راح أفرط أدّ ما حالتها معتّرة!".

كنّا في العائلة قد أقسمنا بعد وفاة كلبنا المُدلّل "بلافي" الذي عشقناه حتى "الجُرصة"، بأن ما من كلب سيدخل منزلنا أو قلوبنا، وإعتاد زوّار منزلنا في الأشرفيّة أن يُشاهدوا، منذ أن نَفَق قبل أعوام قليلة، صور هذا الكلب النَبيل الذي كنّا نُطلق عليه لقب، "العجوز الأعزب"، "مدروزة" في كل الغُرف.

وفي الحيّ الذي نقطنه، "نشرونا" الجيران عندما إستقبلنا التعازي أثر وفاته، (موتة طبيعيّة!)، وبعد 16 عاماً من العشق المجنون، طوال 3 أيام! أصبحنا "مَتلة" وأمست مسألة عاديّة أن يَهمس البعض، ولفترة طويلة بعد هذه الحادثة "الفضيحة" على مَسمع منّا، "هول بيت الديري فتحوا تعازي وقت مات كلبن!".

 وأقسمنا مذذاك بأننا "راح نضبضب حالنا" ونمتنع عن الوقوع في الحُب المَرَضي بحيوان آخر بعد "بلافي" الذي كنّا أيضاً نُلقّبه بـ"أبو الزوز" و"بوفايتي" وألقاب أخرى سأمتنع عن كتابتها إحتراماً للرأي العام!

وفي لحظة "تخلّي" عابرة، قلت لهادي، "أوكاي جيبا نحن منتبنّاها"، وأعترف بأنني أصبتُ بهلع عندما وافقت، وأثر رد فعل عاطفيّ، على هذه المغامرة التي تحوّلت بعد 5 أشهر إلى قصّة حُب "فَشَر" تلك التي دوّنها الخالد شاكسبير عن "روميو وجولييت".

أطلقنا عليها إسم "ستروبيري" (Strawberry)، وصرنا نُناديها "بيري" Berry. والدتي كرهتها للوهلة الأولى وقالت لها بلهجة "مسمّة"، "شوفي يا حبيبتي، ما حدن بياخد محل بلافي!"، ووالدي هدّدنا بأنه سيترك المنزل (ونحن شجعّناه على الإلتزام بهذا القرار التاريخيّ!)، وأنا شخصيّاً كدتُ أن أصاب بنوبة قلبيّة لأنني، وفي سن الـ45، سعيدة بحريّتي، و"بيكفيني" تعلّق والدتي "القاتولي" بي!

ولكن هذه الصغيرة لم تنتبه إلى البلبلة التي سبّبتها لنا ذات يوم صيفيّ تغيّرت فيه حياتنا إلى الأبد، وما أن أخرجها شقيقي هادي من القفص، هرولت بشكل هستيري في كل أرجاء المنزل، وتعاملت منذ لحظتها الأولى في منزلنا وكأن كل الغرف هي حمّامها الخاص، وسُرعان ما تبيّن لنا بأن "الآنسة بيري" وهو لقبها الحالي، كلبة سعيدة، "ما في شي بيوقف بوجّها".

وفجأة تبدّلت حياتنا، ووقعنا، في لحظة إنخطاف من الواضح أنها لن تكون عابرة، تحت سحر هذه "الدلّوعة" التي هيمنت على حياتنا. وها نحن اليوم، وبعد 5 أشهر من اللقاء الأول، نعيش أبعاداً في أحاسيسنا لم نكن نتخيّل بأنها موجودة.

وعُدنا إلى "جرصتنا" القديمة التي كنا نأمل بأن تنتهي مع رحيل "أبو الزوز"، العجوب الأعزب الذي كان يخاف من القطط وعاش معها علاقة مُتأرجحة حتى آخر يوم من حياته الزاخرة بالمأكولات على أنواعها: من السمك إلى الكبّة النيّة، مروراً بالكنافة والبوظة المشكّلة!

"الآنسة بيري" اليوم، سيّدة المنزل، وكلّنا "بأمرها"، ووالدتي تخاف عليها من الهواء، ووالدي (ولسوء الحظ!) بدّل رأيه عن هجر المنزل، ويعيش من أجل حفيدته الجديدة التي أعترف بأنها سرقت كل الأضواء، وجعلتنا رهن نزواتها (وهي كثيرة).

وصحيح أنني أردّد لها باستمرار بأنني خالتها ولست والدتها لأنني لا أريد الأطفال، وشقيقتي داناي هي في الواقع والدتها، بيد أنها تتجاهلني كلياً، وتجلس على وجهي عندما يحلو لها ذلك، وتوقظني في منتصف الليل عندما تُريد أن تنام بالقرب منّي في السرير، وتسرق وسادتي وتدفعني جانباً لكي ترتاح في نومتها. وتُعبّر عن غضبها الكبير عندما "انقل" إنتباهي إلى أمور غيرها. وأتصرّف بهمجيّة مُقلقة عندما ألمح قطة على الطريق "ولو عَ بعد 200 متر" خوفاً من ان تكون علاقة "بيري" مع القطط شبيهة بعلاقة "بوفايتي" معها.

وأنا أعاملها وكأنها في الواقع الطفلة التي لم أنجبها، وأشتري لها عشرات الألعاب، وقد حوّلت غرف المنزل إلى ملاذها الزاهي والمليء بالفرح، وأحملها من المنزل إلى السيّارة عندما أريد أن "أكزدرها" لكي لا تنزعج بالمشي، وقد تسبّبت لي بآلام مُبرحة في الظهر أثر هذه الجريمة التي أقترفها بحق نفسي.

وأتشاجر أنا ووالدي عندما يُريد كلانا أن يفرض رأيه المصيريّ بشأن أمور "الآنسة بيري" الصغيرة وتعلو أصواتنا، ووالدي يُناديها أحياناً عن طريق الخطأ "بوفايتي"، ووالدتي تهزّ رأسها بما يُشبه اليأس وهي تهمس، "مفكّر بيّك أنّو بيري هي في الواقع بلافي!".



 وعندما تجبرنا إلتزامات الحياة على مغادرة المنزل، نُضيء لها الغرف كاملة ونُشعل التلفزيون والراديو في آن، بحيث يُخيل للجيران بأن نُقيم مهرجانات "على حيلها" في البيت.

المهم أن تكون "بيري"، "بلبولة"، "بلابيلو"، بيري بيلي" مرتاحة ومزاجها رايق.

واليوم، أمسى الجيران الذين خيُّل إليهم بأن "مُسلسل الجرصة" إنتهى مع رحيل "بوفايتي"، يهمسون ما ان أمرّ بالقرب منهم، "شفتي يا ماما شو بيصير بالبنت وقت ما بتتزوّج؟ لحقّي حالك يا بنتي ونفقي!".  [email protected] 



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم