الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

نزيه هاجر يبدع تشكيلية بالشمع في معرض فني

المصدر: "النهار" - طرابلس
رولا حميد
نزيه هاجر يبدع تشكيلية بالشمع في معرض فني
نزيه هاجر يبدع تشكيلية بالشمع في معرض فني
A+ A-

صنف جديد من الفن التشكيلي ينضم إلى سلسلة الفنون التشكيلية المعروفة، وهو فن النحت التشكيلي بالشمع الذي قدم باكورته الفنان نزيه هاجر في معرضه الأول "رؤى" باستضافة "بيت الفن" في الميناء بطرابلس. 

ضم المعرض زهاء ٣٨ قطعة من المنحوتات، غير المنحوتة، لكنها تتشكل بتقنية انسيابية بالشمع الذائب وفق رؤية مسبقة لدى الفنان، فتتخذ شكلها النهائي بتسوية بين تصوره للقطعة، وبين الارادة الحرة للشمع في التحرك بعاملي حالة الذوبان والجاذبية.

ويعلق هاجر على هذه التسوية بينه وبين الشمع بالقول: "عندما أترك الشمع ينساب بحرية ليتخذ شكله الحر، من دون تدخل مني، وكأنه يعوض على دواخلنا المقموعة، والمكبوتة وأشعر بانسيابه تحرراً داخلياً من مشاعر القمع الذي يحمله كل منا منذ ولادته انعكاساً لواقعه الاجتماعي، والثقافي، والإيديولوجي".

والفنان يتدخل في اختيار الألوان، والتلاعب بتناغمها في القطعة الواحدة، وفي العطور التي يضيفها إلى القطعة ليضفي عليها رونقاً يضاف إلى الرؤية اللونية والتشكيلية، والمذاق الفني، والشم.

غالبية الزوار أبدوا الدهشة لما رأوا من معروضات، جلّها من أنصاب تجريدية، وجد كل مشاهد فيها شيئا مختلفاً، ووصفها البعض بأنها لوحة بأربعة أوجه، وفي كل وجه منها معنى وتشكيل مختلف عن الأوجه الأخرى.

بعض الأعمال أقل تجريدية، وأكثر تعبيراً، وثمة عمل من هذا النوع استحوذ على إجماع المشاهدين وهو قلب نصف محترق، وفي قفص، وكأن كل مشاهد وجد فيه شيئاً من معاناته مع الحياة وصعوباتها، ومع الأسر بأشكاله وتعابيره المتعددة. لكن الفنان هاجر حاول تلطيف الصورة بزرع أوراق ورد حمراء حول القلب، تعيد له أمله باللقاء والتواصل الأرحب، والأسهل مع الآخرين.

من الأعمال التعبيرية، وجه أسمر تتدلى من عينيه سبحتان، وجد فيها البعض دموع المرحلة وحزناً على حال من الأحوال التي نعيش.

قلب سليم قربه شفرة سكين محاطة بهالة من الخيوط الحمر، كأنها عبارة عن تهديد الحب بالجريمة.

أما الأنصاب، فقد ارتفعت على مرتكزات متباسقة شكلت قاعدتها الأعلى والأكبر حجما منها، مغطاة بقماش أسود وحّد مشهد المعرض، على حال من الساحرية، وصفها الفنان جان رطل بـ"أنها تشكيل جمع بين الجنائزية والمتحفية".

كل نصب له معان مختلفة. فهذا نصب لقنينة نبيذ متفجر من القنينة ليخرج قمقماً يجمع بياض الرغوة مع أحرار النبيذ بطريقة توحي بأنثى تحمل الكأس بيد، وتعتمر قبعة، أوحت لأحد الحاضرين براقصة الفلامنغو.

نصب أحمر قانٍ كالدم، مع بقع مكعبة سوداء، أجمع بعض الحاضرين على وصفه بالقتل، أو الاغتيال بالرصاص المكعب.

في زاوية نصب فيه تنوع لوني واسع، أشبه بثياب الزنوج، تضيف على أفريقيته غير المقصودة خيوط طويلة مجدولة كأنها خصلات الشعر الرقيقة والمتكررة بكثافة، التي تعتمدها الزنجيات بتقليد أفريقي خاص.

هناك قطعة أشبه براقص متبعٍ طابع رقص فرقة "كركلا"، على ما عبر عنه المهندس المدني كامل هاجر، معلقاً على نصب آخر أنه ثلج تتفجر منه شجرة حيث لا توجد حياة في أعالي الجبال، لكن إرادة الحياة أقوى من أي عنصر آخر، بحسب المهندس هاجر، بينما وجدت السيدة ليلى حبيب في الكتلة البيضاء ما يشبه السجن الذي يخرج منه بقوة شخص لم يعد يحتمل الأسر والقمع في قلب الكتلة.

عن المعرض

عمران ياسين، فنان تشكيلي، وهو رئيس فرع لبنان لـ"المنتدى الدولي للثقافة والفنون"، قال: "لفتتني في هذا المعرض، الأعمال الجديدة غير المتوافرة سابقاً في مجال الفن. الفنانون يعتمدون على الحفر، أو الصب، لكن الفنان هاجر يعتمد على أعمال تشكيلية، ويشعر الإنسان أن كل قطعة هي لوحة تشكيلية أكثر مما هي شمع، قريبة إلى المنحوتة، لكنه يتعاطى مع الشمع بطاقة جديدة، ويخلط الألوان بطريقة مبتكرة، ومتناسقة بطريقة احترافية، ويخرج بمنحوتة بحجم كبير، غير الأحجام الصغيرة التي تعودناها، مع حفريات صغيرة عليها وما شابه".

أضاف ياسين: "أعماله فيها جهد كبير، ولها نمط معين، وطريقة جديدة غير موجودة سابقا، وأهنئه عليها، وأحببت العمل، وهذه الطريقة مميزة عما اعتدناه من فنون. ولم أكن متوقعاً أن أرى ما رأيت".

المخرج المسرحي جان رطل قال: "المعرض فيه تنوع مفاهيمي، يبدأ بطابع الديكور، ويعبر في الرمزية، والتعبيرية، وهو عرض جديد من نوعه، مستدام لا يموت، رغم أن مادة الشمع في التاريخ حملت معنى الذوبان. والشمع كما يبدو في المعرض، يتخذ مساراً عفوياً، انسيابياً، ليتشكل بشكل تجريدي مطلق. ويمكن القول إنه تجريد بالشمع".

رطل أضاف: "لاحظت فيه حسّاً جنائزياً قريباً من العرض المتحفي، أقرب إلى الرهبة المستلهمة من النظرة الأولى للعرض، أقرب من أي شيء آخر. وفي المعرض حرفية عالية، مدهشة بتطرف التزامها بالشمع، حيث أخذ الفنان المادة من عالم إلى عالم آخر بطريقة جعل الشمع في حال من التعجب الدائم".

وختم بقوله: "أختصر الانطباع بأن المعرض لعبة جمالية متواصلة تحت هذه الجنائزية المتحفية، وربما أن الحامل (قاعدة الارتكاز) الأكبر من المحمول (الأعمال) هو الذي أضفى هذا الانطباع عن العمل".

الفنان هاجر قال: "الشمع مادة طيّعة، جميلة الملمس، تقرّب منها المتعامل بها، لذلك شعرت وأنا أتعامل مع المادة بنوع من تواصل مشاعر بيني وبينها، ما خلق حميمية ما، تبعث جراء ذلك حالة عاطفية جدلية تجعلني متفاعلاً معه، واستطيع عبر هذا التفاعل أن أعبر عن نفسي، بطريقة مختلفة وفق تغير الظروف التي أعيش لحظاتها بصورة قد تكون متناقضة بين عمل وآخر انعكاساً للتناقضات والصراعات التي يواجهها الإنسان في حياته".

وقال: "تختلف طرق التعبير لدى الإنسان من شخص إلى آخر، ومن جهتي كان أسلوبي الخاص بالتعبير هو الشمع الذي توصلت إليه بالفطرة والمصادفة، وعبر تفاعلي مع المادة عبر سياق زمني متمدد جمع بين الإحساس والخبرة في جو من التعبير بطريقة خاصة ومتجددة، وقد يجد فيه الإنسان ذاته بغير ما وجدت فيه ذاتي، ومن هنا أحببت أن أطلق عليه تسمية "رؤى".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم