الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"ني هاو" هنا بيجينغ: الإعلام اللبناني في قصر "يانغ غوانغ" و"طريق الحرير" تمر من بيروت

المصدر: "النهار"
محمد نمر
"ني هاو" هنا بيجينغ: الإعلام اللبناني في قصر "يانغ غوانغ" و"طريق الحرير" تمر من بيروت
"ني هاو" هنا بيجينغ: الإعلام اللبناني في قصر "يانغ غوانغ" و"طريق الحرير" تمر من بيروت
A+ A-

في الجهة الأخرى من الكرة الأرضية عالم آخر. الرحلة من بيروت إلى بيجينغ تستغرق أكثر من 18 ساعة. "ني هاو" أول كلمة يستقبلك بها الصينيون وتعني "مرحبا" بالعربية. كلمة ستسمعها في كل زاوية وعند كل محطة تطؤها قدماك. في دولة الحرير ومنبع نهر القوافل التجارية التي سلكت "طريق الحرير" هناك من يتحدث العربية الفصحى بطلاقة، أعداد متقنيها بالآلاف، يسمعون فيروز ويقرأون جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة، ولكل صيني يدرس الأدب العربي اسماً عربياً يعطيه إياه أستاذه ليستخدمه بين العرب. وفي المطار استقبلنا "رفعت وهاشم" الصينيان. 

هنا بيجينغ... ربما من المجحف تصنيف الصين كدولة نامية، ومن يزورها ويطّلع على حالها وعدد سكانها وأسلوب إدارة هذه "الإمبراطورية" لن يتردد في القول إنها دولة عظمى. أكثر من مليار و370 مليون نسمة على أرض تعتبر الرابعة بعد كندا وروسيا  والولايات المتحدة الاميركية من ناحية المساحة. يعيش الجميع في سلام. وعلى الرغم من تعدد الديانات والاختلاف في الرأي وتعدد الأحزاب، فإن الشعار الذي يحمله هؤلاء "الصين إلى الأمام".

حرية للصينيين على مواقعهم

أول ما استغربه اللبنانيون في الصين هو إقفال مواقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك، وتويتر، واتساب، غوغل ويوتيوب وغيرها). اللبناني يتنفس هذه المواقع، سأل أحدهم: هل يعتبر قمعاً أو ديكتاتورية أو غياب الحرية؟ لا، لا تنطبق هذه الأوصاف على حقيقة هذا القرار. فطريق العولمة والغزو الثقافي مقطوع، وللصين مواقعها الخاصة، كـ "WECHAT" الذي يغنيهم عن كل هذه المواقع أو " Weibo". كل ما في الأمر: للصين الحق بأن يكون لها فايسبوكها، والحفاظ على إرثها الثقافي ومن حقها أن تستثمر في منتوج صيني بدلاً من اعطاء أكثر من مليار حساب لمصلحة شركة "فايسبوك". وبكل الأحوال لا شيء مستحيلاً على اللبنانيين حتى لو في الصحراء.


اسألوا مجموعة من الاعلاميين والصحافيين اللبنانيين عن الصين. ستأتي اجابتهم بناء على تجربة 10 أيام أمضوها في بيجينغ ومقاطعة خبي، شاركوا خلالها في دورة تدريبية أقامها مركز التدريب التابع للمصلحة الصينية للنشر والتوزيع باللغات الاجنبية، بتكليف من وزارة التجارة الصينية. وجسد الوفد الاعلامي برئاسة رئيس ديوان "إذاعة لبنان" وليد فليطي صورة طبق الأصل عن لبنان المنوع. غالبية وسائل الإعلام الرسمية والخاصة كانت حاضرة ومنها صحيفة "النهار". والافتتاح في قصر "يانغ غوانغ" في فندق XIJIAO في بيجينغ، في حضور نائب رئيس مركز التدريب وانغ فانغ بي ومديرة المركز تشاو ليجن.

 تحدث فليطي "القيادي الذي لا ينام" باسم وزير الاعلام ملحم رياشي قائلاً: "ان جمهورية الصين الشعبية دولة عظمى بتاريخها وحاضرها ومستقبلها ومكانتها بين دول العالم، وعظيمة بسرعة تطورها وإنجازاتها وانفتاحها الذي ليس له حدود. ولبنان، بالرغم من صغر حجمه، هو بلد مميز في محيطه الشرق أوسطي، ويحظى باهتمام جميع دول العالم، وهو بلد مميز بانفتاحه وثقافته وحضارته وإبداعاته على الصعيد الفردي، بلد العلم والمعرفة"، مشيراً إلى أن "ما يجمع البلدين هو التاريخ، ولكل منهما تاريخ عمره من عمر البشرية، والعلاقات الصينية- اللبنانية تزداد صلابة وتشكل نموذجاً فريداً ومميزاً للتعاون بين الدول من دون التطلع الى احجامها".

"4 تحت الصفر... حار جداً"

صباح الخير، هنا بيجينغ، الحرارة 4 درجات تحت الصفر، لكن الصقيع لا يمنع الصينيين من التنقل على الدراجات الهوائية والنارية. للوهلة الأولى يلفتك العدد الهائل للدراجات الهوائية المركونة على أرصفة الطرق. الشكل الهندسي للطرق يسهّل للصينيين التنقل بهذه الدراجات وبكبسة زر عبر تطبيق على الهاتف الذكي يمكنهم استئجار الدراجة والتنقل بها، و"التو توك" متوافر إلى جانب التاكسي والباصات والقطار السريع.

أما الطعام فهو، بعكس حال الطقس، حار جداً اعتاده اللبنانيون خلال فترة قصيرة، لكن اشتياقهم إلى الصحن الشرقي دفع المنظمين إلى تنويع المائدة. في اليوم التالي، انطلقت المحاضرات بـ "الأحوال الأساسية للصين". أحسن الصينيون باختيار "هادية" لتكون الوجه المحاضر الأول أمام اللبنانيين. "هادية" هو الاسم العربي للأستاذة في جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية تسو لان فانغ، وبعدها استكملت المحاضرات مع دكاترة واختصاصيين وصحافيين وخبراء.  

كان واضحاً تركيز الصينيين على مبادرة "الحزام والطريق" التي تضع لبنان على لائحة اهتمامات الصين، وهي خطة سيكون لها الأثر الجيو- استراتيجي على الدول التي تمر فيها ومنها بيروت. أما من الناحية الثقافية فأثبت المحاضرون متابعتهم للأدب العربي ولا سيما اللبناني، سواء جبران أو نعيمة أو سماعهم فيروز. ويرون في تجربة دبلجة مسلسلي "حياة سعيدة" إلى المصرية (تم بثه في الجزائر) ومسلسل "دو ود" (تم بثه في اليمن) نجاحاً في نقل الثقافة الصينية إلى العالم العربي.

إعلامياً ألقت المحاضرات الضوء على أهمية التعاون الاعلامي الصيني- اللبناني، واطلع اللبنانيون على وضع الاعلام الصيني بتفاصيله. أما المتعة فكانت في الزيارات الميدانية إلى وكالات أنباء صينية وصحف ومجلات ووسائل إعلام تلفزيونية واذاعية في بيجينغ ومقاطعة خبي، لتكون حصة الأسد لمصلحة "سور الصين العظيم".

كما زاروا في مقاطعة خبي القرية القديمة وهي عبارة عن نموذج للعمران الصيني الأصيل، أنشئت لتصوير مسلسل صيني وتحولت القرية إلى معلم سياحي ضمن بقعة تاريخية مبهرة. والمتحف الذي يتضمن تحفاً يعود عمرها إلى 2000 سنة. ومنها بزة دفن ليو شنغ ابن الإمبراطور هان جينغ دي. وصور المقابر الصينية ومقتنيات وضعت في المقبرة كان يستخدمها الصينيون للأكل والصيد والشرب والطب وغيرها من الحاجيات الحياتية المبهرة في زخرفتها وصناعتها.

"الحزام والطريق" 

هذه المبادرة من أكثر سياسات الرئيس الصيني شي جينبينغ اهتماماً، ومن شأنها مساعدة الدول التي تضم المبادرة في تحقيق أهداف تنموية مستدامة. "الحزام والطريق" هو اختصار لـ "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير البرية العريقة، وطريق الحرير البحرية للقرن الـ21". طرحها جين بينغ عام 2013. هدفها إحياء التعاون والتبادلات على طول "طريق الحرير" الشهير الذي أنعش التجارة بين آسيا والعالم.

مكتشفو الحرير أرسوا مبادرتهم على قواعد نهر القوافل الذي اشتهر منذ ألفي سنة باسم "طريق الحرير" التي امتدت من الصين عبر آسيا الوسطى إلى شواطىء المتوسط لتمتد بعدها بحراً إلى أوروبا.

هذه المبادرة تدفع الصين إلى البحث عن استقرار الدول التي تمر فيها هذه الطريق، ومن ضمنها لبنان، لكن الطريق لا تزال مقطوعة في بعض الدول التي تشهد نزاعات وحروب. وتتضمن المبادرة تشييد شبكات من سكك الحديد وأنابيب نفط وغاز وخطوط كهرباء وإنترنت وبنى تحتية بحرية تسهل التبادلات التجارية براً وبحراً بين أكثر من 70 دولة. لتكون الخلاصة أن "طريق الحرير" تمر من لبنان.

وليس صعباً على الصينيين انجاز هذه المبادرات، فهذه الدولة لا تقف مكتوفة أمام الإنجازات، بل اتجهت إلى تصنيع حاجياتها وأسلحتها وأدواتها التجارية والتقنية، لديها طائراتها ومنها "الشبح"، وحاملة طائراتها، وغزت الفضاء الخارجي... فماذا عن حال الإعلام؟

الإعلام في الصين

يعيش قطاع الإعلام الصيني التحديات اللبنانية نفسها، أبرزها الناتجة من الإعلام الجديد، إذ سجل المراقبون تقلصاً شديداً في عدد الجمهور المتلقي لوسائل الإعلام التقليدية وتوجهها نحو الإعلام الجديد، كما أحصي نحو 700 مليون مستخدم للانترنت في الصين وهي في طريقها إلى 5 جي.

أول الحلول كان بتوفير موقع إلكتروني لكل مؤسسة اعلامية. في الصين 1915 صحيفة، 219 منها تنشر على مستوى الدولة بأكملها، 799 تنشر على مستوى المقاطعات، و878 على مستوى المدن. في السنة الواحدة هناك أكثر من 48 مليار منشور من وسائل الإعلام المطبوعة. أما المنشورات الدورية فبلغ عددها عام 2015 نحو 9 آلاف و877 منشوراً. عدد مؤسسات التلفزيون والإذاعة 2568 مؤسسة. 

وخلال الزيارات الميدانية، تظهر لك حداثة الإعلام في الصين، فغالبية الصحف بات لديها موقعها وتلفزيونها الالكتروني، كما جال الإعلاميون في أهم استوديو تلفزيوني في الصين وفيه أكثر التقنيات حداثة، من ناحية الصورة والصوت والإخراج. إنها الصين وليس غريباً عنها هذا الحال. وكان لافتاً اهتمام المعنيين في المؤسسات بوضع العلم اللبناني إلى جانب العلم الصيني عند مداخل مؤسستهم كمبادرة ترحيبية باللبنانيين الذين شعروا بجدية الصينيين في مشروعهم.

ولكل رحلة نهاية، حيث كان الختام في بيجينغ بكلمة لفليطي الذي شدد على أن "الاعلام هو الأكثر تأثيراً في حياة الشعوب ومن شأنه تمتين العلاقات الثقافية والاجتماعية والسياحية والاقتصادية وايصال صورة جميلة عن البلدين ولبنان بلد الثقافة والحضارات"، أما تشاو لي جيون فأكدت "دور الإعلام في تطور العلاقات الودية بين الصين ولبنان"، متمنية أن تكون الدورة "منصة للاتصال والتبادل وجسر تعاون لتعزيز التفاهم بين البلدين". ولفتت إلى "استعداد الحكومة الصينية للمشاركة مع لبنان في إنجازاتها التنموية وخبراتها"، قائلةً: "لبنان أصبح هدفنا المهم للنشر وهو جمهورنا الحالي والمستقبلي". وبعدها وزعت الشهادات والهدايا على المشاركين.

يوميات الأيام العشرة في الصين لا تكفي للحديث عن حضارة عمرها آلاف السنين، ولا يمكن اختصارها بمقال بل تحتاج إلى مطولات... "谢谢" شكراً صينية للصينيين.

صور من أماكن زارها الوفد اللبناني كسور الصين العظيم والمتحف والقرية القديمة والوسائل الاعلامية.



























الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم