الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

اللوفر خطّ أحمر!

المصدر: "النهار"
كاتيا الطويل- باريس
اللوفر خطّ أحمر!
اللوفر خطّ أحمر!
A+ A-

فليزعل مَن يزعل. وليرضَ مَن يرضَ. 

عيبٌ أن يزور أحد باريس من دون أن يمضي نهاراً أو نصف نهار في اللوفر. ليس من أجل السياحة فحسب، إنما خصوصاً، ولا سيما، من أجل أن ينفتح باب الخلود له على مصاريعه.

اللوفر تاج باريس وروحها وابتساماتها والقلب الذي يمنحها ألقها.

ليس بالكرواسان وحده يحيا الإنسان في باريس. باللوفر أيضًا يحيا ويعانق الله ويسجد أمام عظمته.

مَن يجد في هذا المقال تهجّمًا على الحرّيّة الشخصيّة والفكريّة والسياحيّة فليتوقّف الآن عن القراءة لأنّ الوضع سيسوء أكثر بعد.

هل من الممكن أن يزور أحد باريس من دون أن يدخل لوفرها؟

عقلي البسيط لا يمكنه أن يتحمل هذا الاحتمال. هل من الممكن أن يدخل سائح اللوفر لرؤية الجوكوند وحدها؟ بالله عليكم، هل من الممكن أن تُغتفر هذه الخطيئة في الآخرة؟ كأنّني أقول إنّ سائحًا ذهب إلى روما ولم يزر الفاتيكان! كأنّني أقول إنّ أبا نؤاس أحبّ الخمرة إنّما لم يدخل خمّارة في حياته! أو كأنّني أقول إنّ نزار قبّاني كتب العشق إنّما لم يعرف امرأة في حياته! لا يمكن! لا يمكن أن يسير أحد في شوارع باريس من دون أن يناديه اللوفر. لا يمكن أن يحبّ المرء باريس من دون أن يعشق لوفرها! Impossible.

أيّها السيّاح الأعزّاء إنّني أرجوكم، بل "أبوس الأرض تحت أقدامكم"، لا تأتوا إلى باريس من دون أن تمضوا ولو ثلاث ساعات في اللوفر. لا تأتوا إلى باريس من دون أن تقفوا على مائدة كبارها وجوهر روحها. أرجوكم أعطوا ما لقيصر لقيصر وما للّوفر للّوفر! "إقبلوها منّي". بكلّ محبّة وتواضع وعناد، لا تأتوا إلى باريس من دون أن تصلّوا في اللوفر!




رائعة دا فينشي "على رأسي". لا أملك شيئًا ضدّ الموناليزا الحبيبة! على العكس. أنا أحترمها وأفتخر بما قدّمته للمرأة العربيّة والغربيّة والقطبيّة.

إنّما ماذا عن عشاء قانا المسكين القابع على الحائط المقابل لها تمامًا؟

ماذا عن جداريّة فيرونيز Véronèse التي بالكاد ينظر إليها أحد!

ماذا عن لوحات دا فينشي الأخرى كلوحة المرأة المجهولة الهويّة La belle ferronière؟ "طيّب". فلننسَ دا فينشي!

ماذا عن رائعة جاك دافيد لويس في نابوليون وزوجته جوزفين Le Sacre de Napoléon؟

ماذا عن لوحة دولاكروا التي تقطع الأنفاس، La Liberté guidant le peuple؟

يعني هل من المعقول أن يكون أوجين العزيز قد رسم لوحته هذه عبثًا؟ هل من المعقول أن تختبئ هذه الرائعة خلف عيني الموناليزا لمجرّد أنّها الموناليزا؟

ماذا عن Le Radeau de La Méduse؟ أضاع جيريكو سنوات من حياته ليرسم هذه اللوحة التي درسنا معانيها وألوانها في الصفوف الثانويّة، ألا تستحقّ دقائق من وقتنا نتوقّف فيها أمامها بدهشة وصمت؟

حسنًا، ماذا عن الرائع جورج دولاتور مع لوحاته الأنيقة الغامضة المعتمة؟

ماذا عن الرجل الذي يلعب الورق وهو "يزعبر" ويحمل ورقة الأصّ خلف ظهره في لوحة Le Tricheur à l'as de carreau؟

ماذا عن ميكال أنجلو أو فيرمير برائعته La Dentellière؟ ماذا عن الوجوه والعيون والألوان؟ ماذا عن رافايل وبوسّان ولوحته الأخيرة قبل وفاتهLes Saisons ؟

كيف نهمل جان أوغوست دومينيك إنغر برائعته La Grande Baigneuse؟

ورامبرانت الذي يعود بنا إلى العهد القديم مع الملك داود وعشيقته التي رآها تستحمّ وعشِقَها وأرسل زوجها إلى الجبهة ليتمكّن منها Bethsabée au bain tenant la lettre de David؟

ماذا عن أولئك؟ ماذا عن التماثيل والتحف وكلّ ما يذكّر الإنسان بالإله الصغير المختبئ داخله؟

كثر غيرهم ستفرغ جعبتي من الكلمات قبل أن أتمكّن من وصف روائعهم. كثر معلّقون بهدوء على جدران اللوفر يراقبون الجوكوند بحسرة وهم عاجزون عن إخبار السيّاح بهواتفهم الذكيّة المستعجلة إنّهم هم أيضًا يستحقّون صورة وابتسامة ولحظات تقدير وإعجاب.



لا أتفلسف. ولا أعظ

أنا طالبة تعيش في باريس. أنا طالبة "لاجئة" إلى أرض الفنّ والثقافة، أقرأ وأسمع وأراقب وأتعلّم على قدر ما تتيحه لي عظامي المصطكّة من البرد.

أنا فعلاً "لاجئة" غريبة أتمنّى لو تتبنّاني باريس وتحضنني وتمنحني شيئًا من أسرارها. لكنّ اللوفر خطّ أحمر. أرجوكم، لا تنسوا اللوفر! اللوفر هو الدفء والشمس والرقّة في أرض يعشّش فيها الصقيع. هو الحياة في الفنّ. هو الخلود للّذين أبدعوا وتوهّجوا وتركوا لنا فراغًا لا نملك أن نملأه. اللوفر هو بطاقة العظماء إلى الألوهة، وعبء علينا نحن الذين نحلم أن نكون مثلهم.

لا تنسوا اللوفر! "أمانة"!







حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم