الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

الخلفية الاقتصادية للصراع القطري - الإماراتي

المصدر: "النهار"
د.أيمن عمر*
الخلفية الاقتصادية للصراع القطري - الإماراتي
الخلفية الاقتصادية للصراع القطري - الإماراتي
A+ A-

في 5 حزيران الماضي، قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر بدعوى "محاربة الإرهاب"، ما تسبّب بأزمة إنسانية واجتماعية في منطقة الخليج. وقد كتبت وكالة الأنباء الدولية الأميركية المتخصصة بالأخبار الاقتصادية "Bloomberg" أن تخلي السعودية عن قطر ليس وليد اللحظة، بل بدأ منذ عام 1995، نتيجة نزاع طويل على الغاز الطبيعي المسيّل، بما أن الدوحة أكبر مصدّر له في العالم. ووفقاً لـ"بلومبرغ"، فإن نقمة المملكة بدأت نحو شبه الجزيرة الصحراوية الصغيرة بعد تصدير أول شحنة من الغاز الطبيعي المسيّل من أكبر خزان غاز في العالم (حقل الشمال البحري، الذي يحوي تقريبا معظم الغاز القطري)، ويمثل 20% من احتياط الغاز العالمي، والذي تتقاسمه مع إيران، المنافس المكروه من السعودية. وقد زاد في الآونة الأخيرة، الطلب على الغاز الطبيعي المسيّل لإنتاج الكهرباء والطاقة في دول الخليج، فتعيّن عليها اللجوء إلى استيراد الغاز الطبيعي المسيّل، بدلاً من استخراجه، لصعوبة الأمر والكلفة الباهظة للتنقيب عنه، وهذا صبّ في مصلحة قطر كونه يعتبر أقل كلفة استخراج في العالم. 

فما هي الأسباب الاقتصادية وراء افتعال هذه الأزمة؟

التنافس الاقتصادي

تمدّ قطر الإمارات بنحو ملياري قدم مكعب من الغاز يومياً بسعر رخيص، ومعظم تلك الكمية تلبي نحو 30% من حاجات الإمارات من الطاقة. ويعدّ اقتصاد دولتي الإمارات العربية المتحدة وقطر الأقوى خليجياً وعربياً، ويحقق نسب نمو تعدّ الأعلى عالمياً؛ بسبب التنوع وارتفاع نسبة التنافسية. فقد أحرزت هاتان الدولتان الخليجيتان تقدماً كبيراً في مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2017 الذي يضم 180 دولة، الصادر عن مؤسسة (The Heritage Foundation) لتصبح الإمارات وقطر ضمن الـ30 الكبار عالمياً. دولة الإمارات تقدّمت في المؤشر من المركز 25 في 2016 إلى المركز 8 في 2017، الأمر الذي أهّلها لتحلّ في خانة الاقتصادات الأكثر حرية. في حين تقدمت دولة قطر 5 مراكز على المؤشر لتتقدم من المركز34 عالمياً في 2016 إلى المركز 29 في تصنيف 2017، وتنضم الى قائمة الـ30 الكبار عالمياً في الحرية الاقتصادية. ووفقاً لتصنيف شبكة "سي إن إن CNN" الأميركية لتوقعات الأداء الاقتصادي العالمي لعام 2016، وتقرير لصندوق النقد الدولي عن الاقتصاد القطري، صدر في نيسان الماضي، جاءت دولة قطر في المركز الثاني بمعدل نمو بلغ 7.1%. وقد نجحت قطر في أن تصبح الاقتصاد الأكثر تنافسية في العالم العربي مُتخطّية الإمارات، حسب تقرير التنافسية العالمي لعام 2016.

حرب الموانئ

تقع مدينة دبي على الساحل الجنوبي الشرقي للخليج، وقد وضعت استثمارها في البنية التحتية للتغلب على قلة مواردها الطبيعية، فأصبحت مركزاً عالمياً للأعمال والتجارة والسياحة. وتلعب الموانئ المدعّمة بمنشآت لوجيستية هائلة إلى جانب المنطقة الحرة دورًا محوريّاً في اقتصاد إمارة دبي بشكل خاص، والإمارات بشكل عام.

- بين ميناء جبل علي وميناء حمد: يبلغ عدد الموانئ التي تعمل في دول مجلس التعاون الخليجي ما يقرب من 37 ميناء. مع ذلك، فإن أكثر من ثلث الطاقة الاستيعابية ينحصر في ميناء جبل علي في دبي لوحده، وحوالى 95% في 10 موانئ خليجية فقط .هذا، ويعتبر ميناء جبل علي في دبي أكبر ميناء بحري في منطقة الشرق الأوسط والتاسع عالميّاً. ويمكن الإشارة هنا إلى أن ميناء جبل علي والمنطقة الحرة يسهمان بنحو ربع الناتج المحلي لدبي. لكن هذا الوضع المهيمن لميناء جبل علي في دبي قد يتزعزع في المديين المتوسط والطويل نتيجة المنافسة بين موانئ المنطقة. وتأتي هذه المنافسة بالدرجة الأولى من ميناء حمد الدولي حيث يحتل حاليّاً المرتبة الثامنة خليجياً من حيث الطاقة الاستيعابية لمناولة الحاويات النمطية. لكن تصنيف الميناء قد يصعد بقوة إلى المركز الثاني أو الثالث (يعتمد ذلك على زيادة الطاقة الاستيعابية لميناء الملك عبد الله في السعودية) خلال 3-4 سنوات المقبلة، بعد اكتمال المرحلة الثانية وارتفاع طاقته الاستيعابية إلى نحو 7.5 ملايين حاوية. هذا الوضع، في حال حصوله، من المتوقع أن يعيد ترتيب خريطة الملاحة في الشرق الأوسط، وقد يؤسِّس مستقبلًا لاشتعال منافسة قوية بين موانئ دول الخليج.

- ميناء غوادر( Gwadar)الباكستاني: يعتقد العديد من المحللين الاقتصاديين أن ميناء غوادر في باكستان هو دبي أخرى ناشئة على خريطة العالم، والأمر المقلق هنا هو أنَّ القوة الاقتصادية تعني تهديد التأثير الاستراتيجي لدبي في المنطقة، وقد تسبّبت هذه القضية المثيرة للجدل - في الآونة الأخيرة - في حربٍ اقتصادية صامتة في خليج عمان بين مجموعتين من البلدان؛هم باكستان والصين وقطر من جانب، والهند والإمارات العربية المتحدة من جانب آخر. يعدّ ميناء غوادر منافساً خطيراً لدبي، كما يعتبر الميناء موقعاً إستراتيجياً يمنح الصين ووسط آسيا إمكانية الوصول إلى منطقة الخليج والشرق الأوسط، ولا ريب أنه سوف يصبح البوابة الرئيسية البحرية لآسيا الوسطى. وسيجعل بلا تأكيد الأمر أسهل في إرسال المنتجات من شينغيانغ ودول آسيا الوسطى إلى مناطق أخرى. ويدرك المسؤولون القطريون أهمية غوادر كمتغير كبير في اللعبة في المنطقة، ويعتزمون استثمار 15% من قيمة "الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني"، وهو عبارة عن مجموعة من مشاريع البنية التحتية قيد الإنشاء حالياً في جميع أنحاء باكستان، الأمر الذي يضيف إلى الضغط على دبي والإمارات، ويزيد من الخصومة بين قطر والإمارات.

- ميناء (Port Sudan) بورتسودان السوداني: أعلن وزير النقل السوداني مكاوي عوض أمام جلسة لبرلمان البلاد خلال الشهر الجاري، أن الخرطوم اتفقت مع قطر على إنشاء ميناء في مدينة "بورتسودان" ليكون أكبر ميناء للحاويات على ساحل البحر الأحمر. وبناءً عليه يمكن وصف الخطوة القطرية لإنشاء أكبر ميناء للحاويات "بورتسودان"، بأنها تشكل تحدياً كبيراً للإمارات، فالميناء السوداني الجديد حال إنشائه سيكون مركزاً اقتصادياً حيوياً مهماً يؤثر على ميناء "جبل علي" في دبي، وبقية الموانئ التي تسيطر عليها أبو ظبي في القرن الأفريقي.وإضافة الى التنافس الاقتصادي، فإن الميناء الجديد سيعزز نفوذ قطر على ساحل البحر الأحمر، ما يعني تحقيق تفوق سياسي جديد للدوحة على حساب الدول المحاصرة لها والتي لطالما سعت الى عزلها عن العالم. يشار إلى أن حجم الاستثمارات القطرية في السودان بلغ أكثر من 3.8 مليارات دولار، بحسب وزارة الاستثمار السودانية. وإن كان ميناء "بورتسودان" سيقلص من النفوذ الإماراتي في القرن الأفريقي، فإنه يعزز من قوة الدوحة في أفريقيا بشكل عام من باب التطوير وتعزيز العلاقات، ويعتبر ورقة سياسية واقتصادية رابحة جديدة في المعركة بين قطر ودول الحصار الأربع.

*باحث في الشؤون السياسية والاقتصادية

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم