الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

بريد السماء الافتراضي تريستان تزارا: أنا الغرسون الأعظم أعجّل بطلبات زبائن المسلخ الوجودي المستفرد بجثة العالم في صحن الفلسفة الكبير

أسعد الجبوري
Bookmark
بريد السماء الافتراضي تريستان تزارا: أنا الغرسون الأعظم أعجّل بطلبات زبائن المسلخ الوجودي المستفرد بجثة العالم في صحن الفلسفة الكبير
بريد السماء الافتراضي تريستان تزارا: أنا الغرسون الأعظم أعجّل بطلبات زبائن المسلخ الوجودي المستفرد بجثة العالم في صحن الفلسفة الكبير
A+ A-
ليس هناك شاعر أمعن في التجريب والانقلاب على محتوياته اللغوية مثل الشاعر الروماني تريستان تزارا (١٦ نيسان ١٨٩٦ - ٢٥ كانون الأول ١٩٦٣). خرج من تحت الطبقة الصخرية للشعر، ليجعل كلماته انبعاثاً بخارياً يشق المدى، ويجتاح مختلف الاتجاهات التي تؤسس للغة متحررة من كل القوالب التقليدية القديمة. إنه دادا. مُستثمرُ اللغة في فضاءات الفوضى، وقائد اوركسترا العبث الذي كان لها في المرصاد. جدّد في القصيدة الأوروبية، عندما بلغت مرحلة السكون والحجر والموت العسكري. كنا ننتظره على بوابة الجحيم، فيما جاءنا هو طائراً بجناحين من الريش الأصفر المرصع ببقع سوداء غير منضبطة الأشكال والأحجام. نظر مليّاً قبل أن يمد لنا يده مصافحاً، ثم برزت على وجهه ابتسامة غامضة، لا تدل على شيء سوى الجزع. آنذاك، حاولنا الاستنكار بشدّة، لولا أنه أمر الفتاة التي كانت معه، بفتح جناحه الخاص بفندق "مسدس البلاستيك" والاحتفال باستقبالنا من أجل هذا الحوار. فبادرناه:* كانت دادا (الحركة الدادائية) من مواليد الحرب العالمية الأول. أليس كذلك؟- أجل. أنزلوها نطفةً في عنق مدفع، لتولد خارج رحم الطبيعة في ما بعد.* النطفةُ تلك، أهي ذكرٌ أم أنثى؟- دادا جرثومةٌ ليس إلا. * تعني أنها لم تكن مدرسةً؟- في البدء، كانت دادا حضانةً تقريبيةً لمختلف لغات الآداب والفنون، ومن ثم تحوّلت قناعاً مضادّا للغازات السّامة. * أدفاعاً عن الكائنات الحيّة، أم عن اللغة فقط؟- فكرتُ أولاً في تقطيعِ أوصال اللغة المنطقية، وجعل الفوضى حبلاً بديلاً للربط بين الكلمات التي كنت أبني بها النصوص الشعرية على الرصيف العام.* أنت قلت: "دادا لا تعني شيئا"...- وهي كذلك. دادا جثة العدم الحرّ.* هل ثمة، كما تعتقد، وجود لعدمٍ آخر، عدمٍ مثقلٍ بأنظمة وقوانين؟- لقد أنجب الفراغُ دادا من الفراغ الوجودي للبشرية التي كانت تعيش داخل مجموعة من الأفران الحربية. كنت أحسّ أن النار هي أول درس لدادا التي كانت بلا مدرسة ولا كتب ولا تعليم ولا أساتذة. دادا أنجبت نفسها قبل مناهج الجثث بزمن قياسي طويل. * أندره بروتون هل اغتال دادا، ليلتهم جثتها في مطعم السوريالية على حد اعتقادك؟- كان بروتون عدواً لطيفاً وجميلاً كدبٍّ قطبي، إلا أنه سريع الانقضاض وشرس لأسباب مختلفة، منها فشله في النوم في حضن ليون تروتسكي طويلاً، بعدما وجد في ذلك المكان الكثير من الأشواك، فعاد شبه طريد من الماركسية التروتسكية، ليفتح في التاريخ مجرى السوريالية، بعدما تآمر على الدادائية، فالتهمتها بالعظم واللحم والجلد كذلك. * كتب عنك الناقدان رونيه لاكوت وجورج هالداس قائلين: "لقد ولد الأدب الفتي الحالي في عز الحرب، مثلما ولدت الدادائية، إلا أن منظورات العام 1944 مختلفة تماماً عن منظورات العام 1916، إلى حدّ ان هذا الفرق يمكن أن يجعل الدادائية عصيّة الفهم بالنسبة لأكثر شعراء ما بعد المقاومة فتوةً، المدهوشين قليلاً أمام شعورهم بأنهم يدينون إلى هذا الحد لأولئك العدميين الغابرين". ما الذي حاولا تأكيده بالضبط من وجهة نظرك؟- ربما حاولا التوكيد أن الدجاجة التي أكلت عام 1916 كانت من الكاتو. وهي من غير لحم نعجة 1944 التي تم للطهاة استخدام لحمها كسندويش مرتديلا للجيوش. * أليس في مقدور دجاجة أو نعجة إعلان الاحتجاج ضد الحرب، سواء العالمية الأولى أم الثانية أم الخامسة؟- أجل. يمكن للحيوانات أن تفعل ذلك أفضل من المخلوقات البشرية الباردة المُحَطمة.* هل يمكن التعويل على التمرد كوحدة قياس لاستعمالات دادا الشعرية؟- التمردُ جمرةٌ لا تفارق دفاتر دادا. * وهل من هذا الباب أعطى دادا السورياليةَ الدروسَ والعظات، لتختارَ أنتَ المقبرة للاختفاء، يا تريستان؟- الزمن الكبير في قبر ضيق. هكذا كان الأمر.* هل من أجل توسيع تلك...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم