الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

"النأي بالنفس" وكلام التسوية الجديدة... كيف ننسحب من العاصفة الإقليمية؟

المصدر: "النهار"
ابراهيم حيدر
ابراهيم حيدر
"النأي بالنفس" وكلام التسوية الجديدة... كيف ننسحب من العاصفة الإقليمية؟
"النأي بالنفس" وكلام التسوية الجديدة... كيف ننسحب من العاصفة الإقليمية؟
A+ A-

ارتسمت ملامح صورة جديدة في الوضع اللبناني عنوانها "النأي بالنفس". وعلى هذه القاعدة استعاد الوضع الداخلي هدوءاً استثنائياً كان افتقده خلال الأسابيع الماضية، وما تخللها من استقالة الرئيس سعد الحريري من الرياض الى "التريث" الذي أعلنه بعد عودته الى لبنان في عيد الاستقلال، ومنها دعوته الى النأي والحفاظ على استقرار البلد والالتفاف حول الدولة. وها هو الحريري يستعيد حيويته السياسية بعد سحب فتيل الانفجار بدعم دولي حسم في تسوية الأزمة الداخلية والإقليمية، علماً أن لبنان بأكمله التف حول الحريري خلال الأزمة وساهم هذا الموقف بتسوية الوضع الاستثنائي الذي مر به، وإن كانت الأمور لا تزال مفتوحة على الكثير من الاحتمالات في المرحلة المقبلة، طالما أن شعار "النأي بالنفس" لا ترجمة حرفية له في ضوء العواصف التي تشهدها المنطقة. 

وبينما تجزم مصادر سياسية بأن المرحلة التي نعيشها اليوم في البلد ستمتد إلى مرحلة الانتخابات، مستندة في ذلك إلى الغطاء الدولي للاستقرار في البلد، فإن "التريث" برأيها كان المخرج اللائق للأزمة، وهو يعني استمرار الحريري في رئاسة الحكومة، وتسيير أمور الحكم من دون أن تكون هناك جلسات حكومية متتالية، على الأقل في المدى القريب، وإلى حين نضوج عناوين واضحة وصريحة لمبدأ "النأي بالنفس"، خصوصاً مبادرة يقدم من خلالها "حزب الله" على اعلان قرارات ملموسة لوجوده في الداخل السوري، وانسحابه رسمياً من ملفات اقليمية، وهو أمر لن يحصل وفق المصادر بين ليلة وضحاها، فضلاً عن أن أي قرار بهذا الشأن مرتبط بالاستراتيجية الإيرانية وخططها في المنطقة.

في المرحلة الفاصلة لإنضاج تسوية، سيعيش البلد في ظل تجاذب بين مشاريع اقليمية، لا تستبعد المصادر أن تهتز تسوية "التريث" لكنها لن تصل الى مرحلة الانفجار، أي الى استقالة كاملة للحريري، أقله في مرحلة يحتاج فيها الجميع الى الهدوء واستعادة النفس لترتيب الأوضاع للمرحلة المقبلة. لذا، يتحضر الجميع لبدء مشاورات بين الداخل والخارج لإخراج تسوية العودة نهائياً عن الاستقالة، وتجاوز "التريث"، علماً أن الحريري لم يقدم استقالته لرئيس الجمهورية ميشال عون بل عرضها فكان مخرج التريث، وهي وضعية يعمل الرئيس عون لإنهاء إشكاليتها من خلال مشاورات سيطلقها شبيهة بالمشاروات التي رافقت اعلان استقالة الحريري من الرياض. ووفق المعلومات سيعود رئيس الجمهورية الى ما تضمنه خطاب القسم، أي خطاب التسوية التي جاءت به الى موقع الرئاسة، وينطلق من عناوينه بالتواصل مع مختلف الأطراف المتناقضة في مواقفها قبل التسوية الأولى ولا تزال، بهدف معالجة الأمر أقله حتى الانتخابات في الربيع المقبل.

لكن الأمور ليست نفسها قبل التسوية الرئاسية، إذ أن رئيس الجمهورية يعلم أنه يحكم بين مجموعة تناقضات، وإلى أن يصبح الحكم ينبغي حل المعضلات الاساسية التي لا تضعه في خانة فريق على حساب آخر، وهو الذي أكد "أننا تمكنّا من تجاوز الازمة واستطعنا اعادة الامور الى طبيعتها في فترة قصيرة نتيجة الوحدة الوطنية"، وبينما دعا أمام وفد أندية الليونز "الى عدم الخوف، فما من ازمات الا وستحل وفق مصلحة لبنان، ولن يؤثر علينا احد في كل ما يتعلق بسيادتنا واستقلالنا طالما نحن نغلّب مصلحة لبنان على ما عداها من مصالح"، كان أكثر تفاؤلاً بالقول، "اطمئنوا لقد بات لدينا وطن يتعامل مع غيره من الدول، من باب المساواة والندية وليس من باب الخضوع". ومن هذه النقطة تلفت المصادر إلى أن المرحلة المقبلة قد تكون عاصفة في أكثر من محور في المنطقة، إذ لا يمكن الإستكانة الى ما تحقق أخيراً من إجماع وطني حول الحريري، على رغم أن التحالفات الداخلية آيلة الى التغيير، ما يستلزم العمل على سحب كل ما من شأنه ان يعيد الأمور الى ما قبل الاستقالة، علماً أن رئيس الجمهورية لا يستطيع وحده حل المشكلات القائمة، وهو لا يزال مقيداً بالتسوية الأولى، لذا آن الأوان للانطلاق نحو مبادرة سياسية جديدة تؤسس للخروج من المحاور الإقليمية وإثبات النأي بالنفس فعلاً قبل أن تعاود المنطقة الاشتعال وتهتز معها التسوية الجديدة التي انطلقت بالتريث وأعادت قلب الأوراق والتحالفات.

وتعتبر المصادر السياسية أن المسؤولية في إعادة ترتيب الوضع الداخلي سيتحملها "حزب الله" و"تيار المستقبل". الأول عليه أن يبادر الى سحب الذرائع بالعودة الى الحضن اللبناني، والثاني عليه تلقف أي مبادرة إيجابية لإخراجها من التجاذب الاقليمي والعربي. ولدى الطرفين مشكلات لا يمكن حلها بسهولة، فكيف بالخروج من دائرة المحاور التي أعطت "حزب الله" موقعاً اقليمياً وعززت قوته في أكثر من مكان. لذا ليس سهلاً التفاؤل بأن البلد سيخرج من عنق الزجاجة الى حل نهائي لمشكلاته، طالما أن التسويات المرحلية تستحيل ثوابت الى حين تبدل الأوضاع. لكن يبقى خيار التريث فرصة للنأي بالنفس وفق ما ينقل عن المسؤولين، لكن كيف يصرف ذلك اذا كنا لا نستطيع أن نختبئ من كل ما يحصل حولنا في المنطقة، فنغرق ونصطف محاور واتجاهات وانقسامات ونحن نرفع النأي شعارنا!

[email protected]

twitter: @ihaidar62

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم