الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

مهرجان القاهرة: هوس "النجم" والسجادة الحمراء انتصرت على السينما!

المصدر: "النهار"
مهرجان القاهرة: هوس "النجم" والسجادة الحمراء انتصرت على السينما!
مهرجان القاهرة: هوس "النجم" والسجادة الحمراء انتصرت على السينما!
A+ A-

 تأتي لن تأتي… تلك هي المسألة التي انشغل بها جزء من الصحافة المصرية في الأيام السابقة لانعقاد الدورة الجديدة من مهرجان القاهرة السينمائي (٢١ - ٣٠ الجاري) التي بدأت أمس الأول. الحديث عن الممثلة البريطانية كايت وينسلت التي اضطلعت بدور البطولة إلى جانب إدريس البا في "الجبل بيننا" للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد في ثاني تجربة أميركية له، وهو فيلم افتتاح التظاهرة المصرية العريقة. ثم، تحدثت معلومات عن قدوم ممثلين أميركيين آخرين إلى القاهرة، هما شون بن وبن أفلك. لكن ليست هناك أي معلومة مؤكدة عن مجيء أيٍّ كان حتى لحظة نشر هذه السطور، على رغم ان بعض الصحف قالت ان شون بن أبدى موافقة مبدئية على الحضور، واضعاً عدداً من الشروط، منها طائرة خاصة في تصرفه، ونزوله في جناح خاص بأهم فندق في مصر. ويتردد أيضاً ان إدارة المهرجان حاولت دعوة آل باتشينو، إلا أنه وضع شروطاً تعجيزية، حيث طلب طائرة خاصة تنقله من أميركا إلى القاهرة. وقد لا تكون محاولة استقطاب أسماء كبيرة إلى المهرجان لأسباب سينمائية. ما كتبته صحيفة "مصراوي" يذهب في هذا الإتجاه: "وجودهم ]النجوم[ في مصر خلال هذه الفترة سيساهم بشكل كبير في إلقاء الضوء على حال الأمن والاستقرار التي تعيشها البلاد حالياً، مما سيساهم بشكل إيجابي في الترويج السياحي للدولة". 

في أي حال، المهرجان افتُتح، وفي ليلة الافتتاح كان معظم مَن تنعتهم الصحافة المصرية بـ"النجوم" هم مصريون: حسين فهمي (رئيس لجنة التحكيم الدولية)، يسرا (رئيسة شرف المهرجان)، نبيلة عبيد، عزت العلايلي، لبلبة، ليلى علوي، محمود حميدة، إلهام شاهين، أحمد حلمي، منى زكي، الخ. هذا كله جعل الافتتاح مصرياً قحّاً. أضف الى ذلك: تكريم الكوميدي سمير غانم في دورة مهداة إلى شادية. لكن بُعد المكان الذي احتضن الحفل (مركز المنارة للمعارض والمؤتمرات الدولية - التجمع الخامس)، عن وسط المدينة، والزحمة التي علق فيها الناس للوصول، بالإضافة للتأخير (٣ ساعات) في بدء الحفل، هذا كله نسف كلّ الجهود، فغادر الحضور الصالة ما إن بدأ عرض فيلم أبو أسعد للحقاق بمأدبة العشاء. أما الفيلم، فأوقفه المخرج بعد نحو ربع ساعة على انطلاقه، بسبب وجود عدد قليل جداً من المشاهدين داخل الصالة وبدء العمّال بتفكيك الديكور وإحداث ضجيج ومغادرة الجميع إلى العشاء. لحظة محرجة (كي لا نقول أكثر) للمخرج وللمهرجان!

على الرغم من زيادة موازنة المهرجان غداة اختتام الدورة الأولى من مهرجان الجونة (أيلول الماضي)، فدعوات أسماء بارزة في عالم السينما تحتاج إلى توافر عناصر كثيرة: أولاً تقاطع مصالح بين المدعو والداعي، ثانياً امكان الإستضافة بأفضل الشروط، وثالثاً توافر الوقت المطلوب للتنظيم. لكن هذا كله غائب في مهرجان القاهرة الذي يحاول في الحقيقة الصمود في وجه الأحوال السياسية والإجتماعية والإقتصادية والرقابية المتردية التي تمر فيها مصر حالياً. حد ان أيادي القائمين عليه تبدو مكبّلة وإرادتهم مخطوفة بعض الشيء (يتم تنظيمه في إشراف الدولة بشكل كامل)، وهذا تجلى بوضوح في العام الماضي بعد منع فيلم "آخر أيام المدينة” لتامر السعيد، والنقاش الذي تلاه حول الأسباب الحقيقية التي جعلت إدارة "القاهرة" تحذف الفيلم من البرنامج وتحمّل المخرج مسؤولية ذلك الحذف، بعدما كانت اختارته في المسابقة الرسمية. هذا، بالإضافة إلى الأزمة التي ظهرت، وهي لا تزال صامتة حتى الآن، نتيجة انعقاد "الجونة" في منتجع رجل الأعمال الملياردير نجيب ساويرس. فهذا الحدث الوليد أظهر مدى "تحجر" مهرجان القاهرة وإهتراء كيانه على الأصعدة كافة. لا القاهرة فحسب، بل المهرجانات المصرية جميعها المرتبطة بالدولة والبيروقراطية الحكومية التي تجعلها ترزح تحت ارتباطات لا يمكن الفكاك عنها بسهولة. فهناك واقع جديد، على المهرجان ان يتعامل معه بحذر وحكمة لعله يستطيع القفز فوق كلّ الأشياء التي تعوق العمل الصحّ والسليم.

دائماً ضمن التحديات التي يواجهها المهرجان، ولكن هذه المرة في إطار تنظيمي بحت، برزت مشكلة عدم إستضافة المسرح الكبير في دار الأوبرا المصرية لأفلام المسابقة الرسمية، لتكون العروض موزعة في أرجاء المدينة وفي صالات ليست دائماً مجهزة بأفضل الشروط التقنية. المهرجان يُقام حالياً في ١١ صالة موزعة في المدينة: ٥ في الأوبرا، و٣ في "أوديون" وصالة واحدة في كلّ من "نايل سيتي"و"سينما الزمالك" وفي "مول العرب".

مشكلة أخرى ظهرت هذه السنة وهي عدم وجود أي فيلم مصري في المسابقة، الأمر الذي لم يحصل قطّ منذ تأسيس المهرجان قبل أربعة عقود. مرة أخرى، انعقاد "الجونة" قبل شهرين من القاهرة جاء بنتيجة سلبية في هذا المجال تحديداً، كونه سحب البساط من تحت أقدام "القاهرة" عبر إقتناص فيلمين مصريين عُرضا في المسابقة: "فوتو كوبي" لتامر عشري و"شيخ جاكسون" لعمر سلامة. لا يمكن تجاهل أزمة الإنتاج في مصر اليوم عند الحديث عن هذا التراجع الكمّي والكيفي، ولكن أيضاً جو التضييق السائد على الحريات. مهما يكن، فإن مهرجاناً مصرياً بلا فيلم مصري داخل المسابقة، أمر محرج بعض الشيء (ولو انه ليس بتلك الكارثية التي يصوّرها البعض) لبلد لطالما اعتز بصناعته السينمائية حدّ ان المقولة الأشهر للكثير من النقّاد المصريين عن مهرجانات الخليج كانت: لا يُمكن تنظيم مهرجان سينمائي في بلد لا توجد فيه صناعة سينمائية. اليوم، لسخرية القدر، ثمة ١٣ فيلماً إماراتياً في مهرجان دبي المقبل ولا يوجد فيلم مصري روائي طويل واحد في مسابقة القاهرة، مع التذكير بأن "دبي" خطف ثلاثة أفلام مصرية من "القاهرة"، كان من الممكن ان تُعرض على أرضها: "زهرة الصبير" لهالة القوصي (مسابقة) و"طلاق صناعي" لخالد دياب و"بلاش تبوسني" لأحمد عامر. للتعويض، تم ابتكار قسم "السينما المصرية الجديدة ٢٠١٦ - ٢٠١٧ تُعرض في إطاره ٨ أفلام مصرية أُنتجت في السنتين الماضيتين: "جان دارك مصرية" لإيمان كامل، "علي معزة وإبراهيم" لشريف البنداري، "يوم للستات" لكاملة أبو ذكري، "الأصليين" لمروان حامد، "شيخ جاكسون"لعمر سلامة، "فوتو كوبي" لتامر عشري، "مولانا" لمجدي أحمد علي و"أخضر يابس" لمحمد حامد.

في ضوء هذا كله، يُمكن السؤال: أي دور للمهرجان في خلق وعي مدني في ظلّ ما تعيشه مصر اليوم من قمع للحريات؟ فقبل أيام قليلة فقط تم التحقيق مع مطربة لتعليق كتبته عن تلوّث مياه النيل، كما تم استدعاء الممثل أحمد الفيشاوي بتهمة إزدراء الأديان بعد دوره في "شيخ جاكسون"، وهذا كله يجعل البلاد تنزلق في جو هستيري حيث السلطة تصبح وصية على الفنّ والفنانين.

أسئلة أخرى باتت مشروعة في زمن المتغيرات على المهرجان أن يتكفل بالرد عليها: إلى مَن يتوجه “القاهرة”، ما هي أولوياته، أي نوع مهرجان تحتاج اليه هذه المدينة العريقة؟ ففي ضوء النجاح الكبير الذي حققته "بانوراما الفيلم الأوروبي” التي تُقام قبل أسبوع من "القاهرة" وجذبت هذا العام ١٧ ألف مُشاهد، يجب إعادة النظر في الأمور كافة، ولا سيما في ضرورة التخلص من تلك الجهة الفرنسية التي تفرض على المهرجان شروطاً معينة للبقاء ضمن الدائرة الوهمية لمهرجانات الفئة "أ". فالقاهرة لا تحتاج لسوى مهرجان يكون سلة عروض لإشباع فضول مشاهدين في مدينة يبلغ عدد سكانها ١٠ ملايين نسمة. وما هو نجاح "بانوراما الفيلم الأوروبي" التي ليست أكثر من عرض لأحدث الأفلام الأوروبية المنتظرة المعروضة في المهرجانات الكبيرة بلا أي ادعاء أو تلوث بصري على السجادة الحمراء. وقد أثبت هذا النمط من التعامل مع السينما الذي لا يأبه للعروض العالمية الأولى والشعارات الوطنية الفضفاضة ولا يفرش الأموال تحت أقدام أشباه نجوم يحضرون ليوم واحد ويطلون بضع دقائق على الجمهور ثم يمضون بقية الوقت في غرفهم أو يتملقون الرسميين، فعاليته على مدار السنوات الأخيرة، ليست فقط في القاهرة بل في بيروت التي كانت أول عاصمة "عربية" تحتضن حدثاً مخصصاً للسينما الأوروبية، استقطب آلاف المشاهدن وصاغ ذائقة أكثر من جيل منذ بداية انطلاقه قبل نحو ربع قرن.

ربما آن الآوان ان يتخلص “القاهرة” من بعض الأوهام وتنظيم حدث ثقافي يجد حلاً وسطاً بين احتياجات الجمهور ومتطلباته من ميل، واصرار أصحاب القرار في محاربة طواحين الهواء من ميل آخر. يبدأ هذا عبر إلغاء المقدّمات الاحتفالية الكيتش والعمل على تقليص دور مجتمع الـ”بلينغ بلينغ” الذي غالباً ما يخطف “صورة” المهرجان، وإبقاء الأشياء في حدها الأدنى في الافتتاح والختام. هذا ما يفعله أهم المهرجانات في العالم بدءاً من كانّ. هذا يقطع الطريق أيضاً على محاولات الصحافة الصفراء في تقييم مهرجان ينطوي على أكثر من ٢٠٠ فيلم بناءً على سهرة إجتماعية، وعدم السماح للتفاصيل (على أهميتها) ان تفسد دورة كاملة بأفلامها وضيوفها.

مسابقة هذه السنة تضم ١٦ فيلماً، أحدها عربي فقط. من هذه الأفلام "فورتوناتا" للإيطالي سرجيو كاستيلليتو الذي فازت ممثلته جاسمين ترينكا بجائزة أفضل ممثلة ("قسم نظرة ما") في الدورة الأخيرة من مهرجان كانّ. فورتوناتا أمٌّ لفتاة نتيجة زواج فاشل. تعمل مصففة شعر وتنتقل من الضواحي إلى المدينة لتصفف شعر الثريات، وتكافح يومياً لتحقيق حلمها: فتح صالون خاص بها في محاولة لتحرير نفسها. هذه هي بإيجاز الحبكة التي يدور عليها الفيلم الإيطالي، وهو واحد من أجمل أفلام هذه الدورة. وإلى المسابقة الرسمية التي يرأس لجنة تحكيمها الممثل حسين فهمي (خيار غير موفق)، هناك تحية إلى أفلام مخرجات فرنسيات شاهدنا لهن أعمالاًمهمة منذ بداية العقد الحالي: "الرأس المرفوع" لإيمانويل بركو (فيلم إفتتاح دورة ٢٠١٥ من مهرجان كانّ)، "صبا" لسيلين شيامّا، "ساحل كينيدي" لدومينيك كابريرا، "كاميّ تعود إلى الماضي" لنويمي لفوفسكي، "أناس طائرون" لباسكال فيران و"مرحلة هلع" لجوستين ترييه. أما مسابقة "آفاق السينما العربية" للأفلام الروائية والتسجيلية، فتنطوي على ثمانية أفلام، أحدها "اصطياد أشباح"للفلسطيني رائد أنضوني الفائز بجائزة أفضل وثائقي في الدورة الأخيرة من مهرجان برلين السينمائي. وقد يحدث عرض فيلم "مطر حمص" للسوري جود سعيد (إنتاج المؤسسة العامة للسينما) جدلاً، وخصوصاً بعد مشاركته في قرطاج والهجمة التي حصلت عليه من بعض الصحف وعلى مواقع التواصل الإجتماعي. المحسوبون على المعارضة اعتبروا انه منح النظام السوري صك براءة وشوّه الحقائق التاريخية وانحاز إلى الجلاد ضد الضحية، وانتهت المسألة بما كتبته المخرجة المصرية كاملة أبو ذكري (عضوة لجنة التحكيم في قرطاج) على حسابها الفايسبوكي، اذ قالت لسعيد: "أرخص أنواع الفنّ هو فيلمك".

ختاماً، يتذكّر المهرجان في هذه الدورة بعض أبرز الذين رحلوا هذه السنة: الممثلة الفرنسية جانّ مورو والمخرج اللبناني جان شمعون والمخرج المصري محمد كامل القليوبي، والناقد سمير فريد، أحد رموز الصحافة السينمائية في العالم العربي الذي ترأس دورة ٢٠١٤ من مهرجان القاهرة، واعتُبرت واحدة من أنجح الدورات.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم