الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

رجل الاستقلال الذي كان يخطف الأطفال

المصدر: "صيحات"
محمود فقيه
محمود فقيه mahmoudfaqih
رجل الاستقلال الذي كان يخطف الأطفال
رجل الاستقلال الذي كان يخطف الأطفال
A+ A-

في ليلة من ليالي عام 1922 لم يكن ليل بيروت على ما يرام. في تلك الليلة اختفى الأطفال الجوالون الذين يبيعون العلكة والورود واكياس الورق من محيط ساحة البرج وسط المدينة الصاخبة ومن أسواقها. عشرات الأطفال لم يعرف أحد مصيرهم.

لم يلتفت أحد إلى هذه العملية حين جرت في وضح النهار، فمن يكترث لاطفال يفترشون الطرقات؟ انكشف الأمر حين أتى ذوو الصغار لاصطحابهم إلى المنزل ولم يجدوهم ليكتشفوا أن أحد رجال الاستقلال اختطف هؤلاء الصغار. 

والحقيقة هي أن خاطف الأطفال كان وزير الدفاع الوطني ونائب بيروت رشيد بيضون، يومها انتفض بيضون على الإقطاع الذي لم يقدم لمناصريه مدرسة كي يتعلموا فيها لأن الـ "بيك الصغير" يتعلم لأجلهم.

يروي لنا مدير مكتب الجمعية الخيرية الاسلامية العاملية محمد موسى حمادة تفاصيل هذه الحادثة التي جرت قبل أن يتم انتخاب بيضون نائباً عن جنوب لبنان عام 1937.

حين أتى أهل المخطوفين إليه كان رده قاسياً وهو الذي لم يُرزق بأطفال قائلاً لهم:" هؤلاء أطفالي وليسوا أطفالكم". سائلاً إياهم عما يجنوه هؤلاء الصغار يومياً وحدد لهم يوم السبت ليعطي كل عائلة مجموع ما كان يؤمنه طفلهم شرط ألا يغيب الطالب عن مدرسته. 

جرت الحادثة قبل سنة من تأسيس الحلم الذي طمح إليه والذي تجلى بتأسيس الكلية العاملية عام 1923، طموح لم يقف عند هذا الحد بل تلاه افتتاح 44 مدرسة بين الجنوب والبقاع وجبل لبنان سبق ذلك إنشاء وزارة المعارف في الجمهورية اللبنانية والتي باتت اليوم تعرف بوزارة التربية. 

اختار رشيد بيضون أن يؤسس مدرسة جديدة تكون التبعية فيها للعلم والمعرفة لا للإقطاع العائلي والجهل، وكلّل سياسته بتأسيس أول "حزب شيعي" في التاريخ الحديث تحت مسمى حزب الطلائع.

سياسة بيضون لم تلائم أركان السلطة التي رأت في نهجه تهديداً لشعبيتها، فكانت سياسته آنذاك كفيلة في أن تخرجه من الندوة البرلمانية عام 1968. 

يحمل بيضون على صدره وسام الاستحقاق اللبناني الذهبي، وسام التربية الوطنية من الدرجة الأولى، وسام النضال الوطني ووسام جوقة الأرز من رتبة ضابط إضافة إلى وسام الافتخار التونسي من رتبة كومندور.

كان من الاسماء التي وقعت على العلم اللبناني عام 1943 وكان على رأس من ناضلوا لنيل الاستقلال من الانتداب الفرنسي مستخدماً شتى أنواع الوسائل، وأبزرها كان سلاح نشر العلم والمعرفة والوعي الاجتماعي. لا يبعد ضريح رشيد بيضون عن ضريح رئيس الوزراء السابق صائب سلام في باحة جامع الخاشقجي كما انه على مقربة من تمثال الرئيس بشارة الخوري لكونه اختار أن يدفن في باحة الكلية التي أحب في محلة رأس النبع في العاصمة بيروت.

وعلى مر السنين لم يبادر أحد من المعنيين في الدولة اللبنانية بإبداء اي اهتمام به بمناسبة الاستقلال. يذكرون الجميع بأكاليل تذكارية ولا يذكرونه، ربما لأنه يختلف عن الجميع. هذا هو رشيد بيضون رجل الاستقلال الذي كان يخطف الأطفال ليعلمهم.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم