رفض الاسد السماح بعبور صواريخ "توماهوك" و"كروز" الاجواء السورية

في الجزء الثاني من الفصل الحادي والعشرين من مذكرات وزير الخارجية الاميركي جيمس بايكر، تفاصيل كثيرة عن المحاولات التي بذلها الاتحاد السوفياتي السابق لاقناع الاميركيين بامكان وقف الهجمات الجوية على بغداد والقوات العراقية اذا ما انسحب العراقيون من الكويت. وهو وافق على بيان اميركي - سوفياتي كاد ان يخلق له أزمة مع الرئيس جورج بوش. وهذه الحلقة العشرون من المذكرات التي تنشرها "النهار". في الوقت الذي يساورنا الاعتقاد ان التهديد برد اسرائيلي قد اخذ يتلاشى، اصاب عدد آخر من صواريخ "سكود" مدينة تل ابيب في 22 كانون الثاني. واتصل ايغلبرغر بي ليبلغني خبرا مقلقا مفاده ان احد مساعدي شامير المقربين بعث برسالة عبر السفير الاميركي جاء فيها: "ما لم تعطونا شيئا كبيرا جدا وقيما، فاننا سنضطر الى الرد". وكرر الاسرائيليون مطاليبهم ان يحصلوا على ممر جوي بعرض خمسة اميال فوق السعودية، لكي يقوموا بعملية كوماندوس ضد منصات "سكود"، مع فترة ثلاث ساعات يتوقف خلالها سلاح الجو الاميركي عن النشاط في تلك المنطقة. فابلغ ايغلبرغر ان يحيط الاسرائيليين علما باننا لن نفعل شيئا يمكنهم من شن هجوم، وقد عزز هذا الرأي البنتاغون الذي شعر بالاهانة عندما اتهم ارينز علنا بان القوات الاميركية قد قصرت في تدمير منصات اطلاق "سكود". والحال ان جهودنا الرامية الى تدمير جميع منصات "سكود" كانت الجزء الوحيد في الحملة كلها الذي بالغت توقعات العسكريين بعض الشيء في تقديراتها في شأنه. وفي وقت لاحق من اليوم نفسه تلقيت طلبا عاجلا من البنتاغون، فقد اسقطت طائرة اميركية فوق غرب العراق. وكان السبيل المباشر الوحيد لعملية البحث عن الطيار وانقاذه التي تقوم بها طائرات الهليكوبتر، يتطلب الطيران فوق سوريا. اتصلت بالشرع وزير الخارجية وطلبت منه استئذان الرئيس الاسد بذلك لاسباب انسانية. فاجاب الشرع بان طلبا كهذا ينطوي على مضاعفات سياسية يجب اخذها في الاعتبار. فقلت له اننا لا نملك وقتا نهدره في تفاصيل من هذا النوع، يجب القيام بالمهمة خلال ساعة والا فان الطيار سيقبض عليه العراقيون. وبعد لحظات اتصل الشرع ليبلغني ان الاسد وافق على استثناء لمرة واحدة، شرط الا نعلن عن هذا التعاون، وان تحلق الطائرات دون اضواء. وقد تم انقاذ الطيار، ولكن الاسد احجم عن استجابة طلب ثان اراد البنتاغون مني القيام بملاحقته. ونتيجة لذلك لم نتمكن من ارسال صواريخ "توماهوك" من طراز "كروز" عبر المجال الجوي السوري. زادت هجمات "سكود" الجديدة من الضغط على شامير، وفي 23 كانون الثاني بعث برسالة الى الرئيس يطلب فيها من الولايات المتحدة رسميا ان تتنحى جانبا والسماح لاسرائيل بالرد. قال شامير انه مع احترامه للقوات الاميركية فاننا "نعتقد ان في مقدورنا بل ينبغي علينا ان نقوم بعملية تكون لديها فرصة انجاز المهمة وتحقيق اهدافها". في تلك المرحلة من مراحل الازمة كنا قد فعلنا الكثير من اجل اسرائيل، وكان الرئيس مستعدا لان يفعل المزيد. ولكننا شعرنا جميعا بان الوقت قد حان لكي تستجيب اسرائيل بدورها ما فعلناه. كذلك اوعز الى ايغلبرغر بان يبادر الى ابلاغ شامير ان الرئيس لا يمكن ان يوافق على وقف العمليات. ولكن اذا احجمت اسرائيل عن الرد فان الولايات المتحدة مستعدة لمضاعفة عدد بطاريات صواريخ "باتريوت" المرسلة الى اسرائيل مع ارسال طاقم من خبراء التسديد من اجل التوصل الى اقتراحات حول التصدي لصواريخ "سكود"، وكذلك تزويد الاسرائيليين معلومات استخبارية من قمر اتصالات جديد يجري اختباره في منطقة الخليج. لقد كنا نعتقد ان هذه خطوة معقولة في مصلحة اسرائيل. ومع ذلك كان شامير غير راض عما اعتبره ربطا غير مقبول تضمنه العرض الذي تقدمنا به. وقد وصف رئيس الوزراء الاسرائيلي الاقتراح المذكور بانه "غير انساني"، وقال انه لا يفهم كيف يمكن لصديق ان يتفوه بمثل هذه الكلمات. وكان مما ازعجه على وجه التحديد الشروط التي انطوى عليها العرض الخاص ببطاريات "باتريوت". كان شامير يصارع ضميره منذ هجمات "سكود" الاولى. وهو الان يشعر بان قدرته على الاحتمال قد استنفدت. قال لايغلبرغر: "هذه اصعب لحظة وصلنا اليها". وقال لي ايغلبرغر بدوره: "لقد تراجعنا مسافة طويلة عن جو الثقة الذي نجحنا في بنائه خلال الاسابيع الكثيرة". وبطريقته الايثارية المعهودة تبرع ايغلبرغر بقوله انه مستعد لتحمل السقطة. وطلب السماح له بالعودة الى شامير وابلاغه انه يشعر بالضيق اذ يعترف بانه تجاوز التعليمات الموجهة اليه عندما ربط بين المعونة الاميركية الاضافية والتزام عدم الهجوم على العراق. وقال ايغلبرغر انه بينما يرى ان تحجم الولايات المتحدة عن ايقاف العمليات وتتوقع من الاسرائيليين...