الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

عبور حافة الهاوية: منعنا اسرائيل من الرد على صدام

المصدر: "النهار"
Bookmark
عبور حافة الهاوية: منعنا اسرائيل من الرد على صدام
عبور حافة الهاوية: منعنا اسرائيل من الرد على صدام
A+ A-
يروي وزير الخارجية الاميركي السابق جيمس بايكر في هذه الحلقة التاسعة عشرة من مذكراته، والتي تنشرها "النهار"، اللحظات الحرجة التي عاشها قبيل اندلاع "عاصفة الصحراء" والصعوبة القصوى التي واجهتها الادارة الاميركية لحمل الحكومة الاسرائيلية برئاسة اسحق شامير على الامتناع عن الرد بعد تعرض المدن الاسرائيلية لصواريخ "سكود" العراقية. وهذه الحلقة تشكل الجزء الاول من الفصل الحادي والعشرين في كتاب بايكر. "هذه أصعب لحظة بلغناها". شامير رئيس وزراء اسرائيل لنائب وزير الخارجية ايغلبرغر، معلقا على هجمات صواريخ "سكود" العراقية على المدن الاسرائيلية في 23 كانون الاول 1991. "انها لأوقات بالغة التوتر". بسميرتنيخ وزير الخارجية السوفياتي لوزير الخارجية بايكر، في 24 كانون الاول 1994.    في صباح السادس عشر من كانون الثاني تلقيت مكالمة هاتفية من الرئيس كان يتساءل: "هل في استطاعتك المجيء لتناول الغداء معي؟ اود ان نتحادث". كنا وحدنا في غرفة الطعام الخاصة في مسكن "البيت الابيض". وقد سبق ان كانت لنا جلسات كهذه مئات المرات خلال العقود الثلاثة الاخيرة. ولكنني احسست ان ثمة توترا داخليا لم يسبق ان لاحظته في صوت رجل مرح ومنفتح كجورج بوش. فقبل انقضاء النهار تكون الولايات المتحدة في حال حرب. لقد اصدر للتو قرارات تقضي بارسال مئات الجنود ومشاة البحرية والطيارين الى حتفهم، وفي لحظة الحقيقة في فترة رئاسة بوش كلها، وهي التي ربما كانت اللحظة الاهم في سياق الرحلة التي قمنا بها معا في تشرين الثاني 1978 كنت اعلم انه كان يبحث عن شيء يعيد الطمأنينة الى نفسه. كان عاطفيا الى حد كبير، كان واثقا جدا من القرارات الحازمة التي اتخذها، كما شعر انه حصل على مشورة طيبة من ديك تشيني وجنرالاته، فضلا عن انه كان مقتنعا بأن قوات عملية عاصفة الصحراء كانت مسلحة تسليحا جيدا ومدربة ومعنوياتها عالية. من الناحية الموضوعية لم يكن ثمة احتمال لأن نخسر الحرب بل لعلها ستنتهي خلال اسابيع، بحد ادنى من الخسائر. وعندما كان طيارا شابا في سلاح البحرية في المحيط الهادىء مر بتجربة القتال عن كثب. كان يعلم ان الحرب نادرا ما تجري وفق الكتب المدرسية وخطط القتال الموضوعة. وكما كان كولن باول يذكرنا في اكثر من مناسبة فان الحرب مليئة دوما بالمفاجآت. لقد كان صوت الرئيس ينم عن قلق ملح حيال العواقب الرهيبة التي يمكن ان نشهدها قريبا. قال: "اعلم ان هذا ما علينا ان نفعله، وأعلم اننا انجزنا ذلك على النحو الافضل. لقد استنفدنا كل فرصة متاحة، ولا يمكن ان يكون ما يشير به عليّ العسكريون سيئا الى هذا الحد لا يمكن ان يكونوا مخطئين كثيرا في ما يتعلق بتقديراتهم لنسبة الخسائر". اذا كانت التقديرات العسكرية دقيقة فان المعركة المقبلة ستسفر عن نتائج طيبة. واذا كانت التقديرات خاطئة كما حدث في فيتنام، فان الخسائر في الارواح ستكون اكبر عددا والنتيجة اقل مدعاة للطمأنينة، وكان كلانا يعلم ان هناك اشياء كثيرة معرضة للخطر في ما يتعلق بالعواقب المحتملة التي يمكن ان تتعرض لها البلاد، وكذلك حياة الجنود الاميركيين وعائلاتهم. واعترف انني شعرت بالقلق الملح نفسه الذي شعر به حيال ما يمكن ان تسفر عنه الحرب. قلت: "طبعا هذه اصعب مسألة على رئيس ان يواجهها. ولكنك اتخذت القرارات الصحيحة، واتبعت لتحقيقها النهج الصحيح، ولا بد ان تتكلل بالنجاح". قدرت ان انجاز الجزء الاصعب من عملي قد تحقق، والآن سيكون من المهم بطبيعة الحال، المحافظة على تماسك التحالف السياسي الذي انشأناه. واما السوفيات فمن المؤكد انهم سيحاولون تقديم مبادرة ديبلوماسية، ومثل هذه الجهود يمكن ان تهدد تماسك التحالف، فضلا عن انها يجب ان تحبط بأدب ولكن بشدة ايضا. لقد أحسست بالارتياح ازاء ما فعله الرئيس وادارته من حيث تشكيل التحالف الدولي والتوصل الى اجماع داخلي يقدم الدعم والتأييد لسياساتنا. غير ان ديبلوماسية الاكراه التي اتبعناها فشلت في اخراج العراق من الكويت، كما ان عمل الدولة بدأ ينسحب من المركز الى الهامش. وبؤرة الازمة اصبحت مركزة الان على ساحة المعركة ووزارة الدفاع (البنتاغون). كنت مخطئا. فجأة وجدتني عائدا القهقرى الى قلب المعمعة. فكما وعد طارق عزيز في جنيف، سارع العراق الى قصف اسرائيل في محاولة لاستفزاز حكومة شامير بحيث تقوم بالرد، وكان هذا التصعيد الكارثي كفيلا تحطيم تحالفنا السياسي والعسكري. وعندما كانت صواريخ "سكود" تنهمر فوق المدن الاسرائيلية، اصبح علينا تحمل العبء السياسي الاضافي من اجل الحؤول دون دخول اسرائيل الحرب، وقد قضيت الايام الاولى من الحرب الجوية، مكرسا معظم طاقتي لمحاولة اقناع اسرائيل بأن تفعل ما لم يسبق ان فعلته من قبل، وهو الاحجام عن الانتقام من المعتدي. واما الجهود التي بذلتها من اجل ابعاد السوفيات عن ارتكاب حماقة جديدة فقد كانت اقل نجاحا. كما ان بيانا مشتركا مع وزير الخارجية الجديد انفجرت قضيته اواخر كانون الثاني لم يلبث ان تسبب في اثارة مشكلة كبرى مع البيت الابيض. بدأت الحرب بعد تناول طعام الغداء مع الرئيس في 16 كانون الثاني عدت الى الوزارة من اجل الاستعداد لجولة اعلام مكثفة، وبينما انقضت الطائرات الاميركية وصواريخ "توماهوك" على العراق، التقيت على انفراد بكل من سفراء اسرائيل والكويت والعربية السعودية والمانيا وسوريا واليابان،...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم