السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

طفل سوري يُعيل عائلته من خلال التسوّل ينتقل من الشارع إلى الشاشة الكبيرة!

المصدر: "النهار"
هنادي الديري
هنادي الديري https://twitter.com/Hanadieldiri
طفل سوري يُعيل عائلته من خلال التسوّل ينتقل من الشارع إلى الشاشة الكبيرة!
طفل سوري يُعيل عائلته من خلال التسوّل ينتقل من الشارع إلى الشاشة الكبيرة!
A+ A-

إختار أن تكون نهاية هذا الفيلم الروائي القصير مأسويّة لأنه إعتبرها الوسيلة الفضلى لتصل الرسالة الإنسانيّة مُباشرةً إلى قلوبنا التي باتت "مُتحجّرة من كتر ما عم منشوف". 

كان جالساً مع والده في إحدى الأمسيات، يُناقشان نهاية الفيلم وكيف يجب أن تكون، عندما سمعا في نشرة الأخبار عن وفاة ولد سوري أثر تعرّضه لحادث سيارة، "وإعتبرناها رسالة موجّهة إلينا".

فكانت نهاية الفيلم الروائي القصير المأسويّة، وإنقسمت الآراء في المهرجانات المحليّة والعالميّة ما بين مؤيّد ومُعارض، "إنّو يا زلمي، كتير قاسية هيك!".

وإنهالت الجوائز، وكان التصفيق وقوفاً، لانها في الدرجة الأولى قصّة تتمحور حول الطفولة الضائعة.

كانت قُسوة النهاية محوريّة لتُعيدنا إلى رشدنا، نحن الذين إعتدنا رؤية الآلاف في الشوارع، يتسوّلون، ويطلبون القليل من الرحمة، حتى بتنا نتجاهلهم، ولا نطرح أسئلة حول قصصهم المحفورة في نظرة العيون التائهة.

ربما كان من الأفضل أن نعود إلى البداية، لنرويها ببساطة كَفيلة بأن تُعطيها بُعدها الإنسانيّ الذي بتنا نفتقده في أيامنا "الباهتة".


قدّم المخرج الشاب كريم الرحباني (25 سنة) أخيراً في مهرجان بيروت الدولي للسينما فيلمه الروائي القصير بعنوان: "شحن"، حاصداً النجاح الكبير بفضل القصّة الإنسانيّة التي كتبها ووالده المؤلّف الموسيقي والشاعر والكاتب غدي الرحباني (ويقوم الفنان الكبير بأحد الادوار الرئيسيّة في الفيلم).

وفي القصّة رجل عجوز (الممثل الرائع سعد الدين مخللاتي) وحفيده يجدان نفسيهما في إحدى سهول البقاع في لبنان هرباً من الحرب السوريّة. يتواجدان معاً في مكان لا يعرفانه ويواجهان معاً مستقبل أقل ما يُقال فيه أنه مجهول. الحفيد يُجبر على الإهتمام بجده المريض ويُحاول أن يحميه ويحضنه. وعندما يصلان إلى بيروت، أو المدينة التي تفتقد أحياناً إلى الرحمة والشفقة، يلجأ الحفيد إلى التسوّل لإعالة جده. تُقتل طفولته تلقائيّاً، ويُتابع المُشاهد رحلته المؤلمة المُغلّفة بنهاية مأسويّة تصدم وتوقع الألم في النَفس. 

وفي مهرجان بيروت الدولي للسينما، كان النجم الحقيقيّ الذي صفّق له الجمهور لدقائق طويلة وإنهالت عليه المقابلات الصحافيّة، هو الطفل السوري عبد الهادي عسّاف الذي إضطلع بدور الحفيد في "شحن"، والذي تجمعه وكريم الرحباني صداقة قويّة تستريح على الأخوّة والمحبة.

وفي حياته اليوميّة، يتسوّل عبد الهادي إبن الـ 10 سنوات في شارع الجمّيزة التاريخي في العاصمة بيروت ويُعيل عائلته التي هربت من الحرب في سوريا، بمفرده!

"الدويمة" في الجمّيزة يعرفون عبد الهادي جيداً، ويُحبونه ويتفاعلون مع الكاريزما والسحر وعناصر إيجابيّة أخرى لافتة تُسيّج شخصيّته "المشرقطة"، ويُعرف عنه أنه من أكثر الأولاد الذين يجمعون المال، وتُمكّنه شعبيّته هذه من أن يُعيل أفراد عائلته بمفرده.

تعرّف كريم الرحباني إلى عبد الهادي عسّاف عندما كان يبحث عن طفل سوريّ لتصوير فيلمه القصير "ومع روحك". وشاءت المُصادفة أن يكون اللقاء مع هذا الطفل الذي يتحدّث كالكبار ويتحمّل مسؤوليّة عائلة بكاملها، ويعرف أن يحمي نفسه من جنون الشارع والخطر المُتربّص في كل زواياه.


وبعد مُشاركته في "مع روحك"، صار عبد الهادي، القَريب من القَلب، يتعامل مع الرحباني وكأنه شقيقه، وباتت العلاقة بينهما قويّة لدرجة أن كريم يشعر أحياناً بأن هذا الطفل الذي دخل حياته ذات يوم تبدّلت فيه المقاييس أقرب إلى إبنه. وأصرّ على العائلة أن يترك عبد الهادي الشارع ليدخل المدرسة. واليوم يرتاد الصغير المدرسة 3 أيام في الأسبوع يعود بعدها إلى التسوّل نظراً إلى تراكم المسؤوليات على كاهله الصغيرة.

ولأن الصغير يعجز عن السفر ليُشاهد الفيلم الثاني الذي يقوم ببطولته، لدى مُشاركته في المهرجانات العالميّة، أراد كريم الرحباني أن يكون عبد الهادي حاضراً في مهرجان بيروت الدولي للسينما. وكان له ما أراد. وحضر الصغير بكامل أناقته، وقد سرّح شعره "ع الأصول"، وارتدى أجمل الملابس. ورافقته عائلته التي عاشت لحظات حقيقيّة من الفرح للمسها تجاوب الجمهور مع هذا الصغير الذي خطف الأضواء.

يروي كريم الرحباني لـ "النهار"، "أذكر أنني في إحدى اللحظات طوّقته بذراعي وسمعت ضربات قلبه القويّة والمُتسارعة، يعني كانت مش طبيعيّة. لم يتمكّن عبد الهادي من أن يُعبّر تماماً عن سعادته، ولكنه كان يُردّد لي باستمرار: أنا مبسوط كتير".

واليوم، صار عبد الهادي، يقول بثقة، "بدّي أعمل مُخرج متل عمّو كريم".

الفيلم – الحدث، يفوز حالياً بجوائز عالميّة، نذكر منها، أفضل فيلم قصير في Rotterdam Arab film festival، و أيضاً في أحد أقدم المهرجانات العالميّة المُتخصّصة في الأفلام القصيرة، Montecatini International Short Film Festival في إيطاليا، وسيُشارك أيضاً في أيام قرطاج السينمائيّة، وفي مهرجان Interfilm في برلين.

ووقّع شقيق كريم المؤلّف الموسيقي، عمر الرحباني الموسيقى التصويريّة البعيدة عن الميلودراما والتي تستريح على نوتات الربع صوت غير المُدوزنة وأتت في صورتها النهائيّة روائيّة أكثر منها مأسويّة أو أشبه بالنواح والأنين.

عبد الهادي ما زال في الشارع، يتسوّل ليُعيل عائلته الهاربة من العُنف وإندثار دماء الارواح البريئة، فهل تتبدّل حياته بفعل هذا النجاح الجماهيري في كل أنحاء العالم؟

كم نأمل ذلك.

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم