الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

جيران والحبيبُ الجيد هو الحبيب الميت قبل حبيبته!

رضا نازه- المغرب
جيران والحبيبُ الجيد هو الحبيب الميت قبل حبيبته!
جيران والحبيبُ الجيد هو الحبيب الميت قبل حبيبته!
A+ A-

فتح البابَ يترقب مَن سيعلن في البيت شيئا من قبيل: "وحيدْ وصل... هيّئي السُّفرة!" إعلانُ الوصول على متعة الوصول عسل بزبد، مع كونه عودة من العمل الرتيب. لكنَّ الصمتَ كانَ سيد المكان. أو تقريبا. لا أحد في الداخل سوى الجيران الأتراك. صادفهم يتبادلون التحيات ويضعون أحذيتهم عند الباب وينتعلون الشباشب. أبدى لهم بسمة تحيةٍ ومضى لا ينتظر جوابا كعادته، مذ صاروا يأتون لمجالسة أهله ومؤانستهم كلَّ يوم، وكلَّ ساعة من دون ملل أو كلل..

اليومَ وجدَ وَحيد الجيرانَ الأتراك وحدهم. جلسوا متقابلين على الأرائك، وتجاذبوا أطراف حديثٍ لم يبدأوه للتو ولن يختموه فورا، رغم حضوره. ربما يدلي لهم برأيه لو استشاروه في لحظة ما، مارًّا من غرفته إلى الحمام أو من البهو إلى المطبخ بحثا عن شيء يُخمد جَوعةً العودة البافلوفية الآلية، وريثما يعود أهل الدار. لكنهم كانوا يتداولون شيئا لم يتبيَّنْ فحواه، وعند كل مرورٍ أمامَهم كان يشعر بحرج إنْ تركَهم أهلُ بيته وحدَهم. أمام غفلتهم عنه عاد وتدارك؛ هذا حرجٌ من دون موضوع؛ الجيران الأتراك لا يُحرجون من البقاء وحدَهم هنا ولا في بيوت الجوار. ليسوا كباقي الجيران حين يحلون ضيوفا. هم خِفافُ الحضور، خِفاف المُؤنة، ويدخلون مباشرة في أحاديثهم ويتشعبون فيها غير عابئين بعزلتهم الجماعية. وأحيانا لا يبالون بالانكشاف ونشر غسيل الأسرة على ملأ، وقد يتشاجرون بالضرب والجَرح والسلاح. وإياك أن تتدخل بينهم، وأنّى لك... لديهم مسدسات يشهرونها في لحظات الغضب العارم. هل تحسبهم مثل بلدك حيث قطعةُ سلاح صغيرة تجرّ أكبر جَريرَة؟

دخل المطبخَ يخاطبُ نفسَه في انفعالٍ مكتوم: "يا أخي ما لي وللسلاح... أنا جائع... هذه مشكلتي... أريد فقط شيئا أضعُه بين قوارضي..". ترى هل ضجر من حضورهم؟ أم أنه الجوع فحسب لم يترك له وقتاً لمجالستهم. لكنهم ألفوا اللامبالاة، بل هم اللامبالون بامتياز. مزاجُهم تتعاقب عليه الفصول الأربعة في ساعة واحدة. يصيرون أشرارا جملةً واحدة ثم يصيرون أخياراً جملة واحدة. والتقسيط بالتقسيط. وقد يأتي أحدُهم مصاباً بطلقةٍ يحمل جُرحَه الغائر، يركض بحثا عن طوبى خانوم حبيبتِه وزوجة صهر أخيه غير الشقيق من أمٍّ هي حبيبة أبيه؛ ثم في الشرفة العالية، يُمسك يدَها بعنفوان الحب، يَخضِبُها بحناء من دمه، يقول لها ما لم تسمعه محبوبة من حبيب مقتولٍ لا محالة. وحبيبتُه تمسح كلَّ مكانٍ دامٍ منه تبركا بمشروب العشاء الأخير الأحمر. الحبيبُ الجيد هو الحبيب الميت قبل حبيبته، قبل أن يذيقها قسوة هَجرِه، وأشرفُ الحبِّ ما قتلَ قبل الوصال. وشتان بين وصالٍ قاتل ووصول اعتيادي إلى البيت.. يا وحيد؟

جائعا مُتعبا، وحتى لا يرون على وجهه عُبوسَ الوحدة والإرهاق فيحسَبونه قد كرههم، اغتنم وَحيد لحظة انشغالهم بدخول أبيهم عَبُّودْ بِكْ فجأة، فخالسَهم بجهاز التحكم منْ بُعد وأطفأ شاشة التلفزيون فاندثروا. تأسف وتحسر، لكنه حين سمع صدى أصواتِهم من نوافذ الجيران اطمأن. ما زالوا أهلا وسهلا في الجوار، ريثما يعود أهل الدار.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم