الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هل يتحمّل لبنان الاستدانة من أجل سوريا؟

المصدر: النهار
سابين عويس
A+ A-

على أهمية تقرير البنك الدولي عن التأثير الاقتصادي والاجتماعي للاجئين السوريين الى لبنان في اضاءته على حجم المشكلة المطروحة ومخاطرها، من وجهة نظر موضوعية تأخذ في الاعتبار حاجات اللاجئين والمجتمعات المضيفة لهم على السواء وتأثير ذلك على الاقتصاد اللبناني، فان التقرير أبرز في الوقت عينه حجم الاهمال والتراخي في التعامل الرسمي مع أزمة من شأنها لو تُركت في عهدة السلطات اللبنانية أن تؤدي الى انفجار اجتماعي وانهيار مالي وتغيير ديموغرافي يفقد لبنان هويته.
فعلى رغم ادراك السلطات الرسمية حجم المشكلة، وهو ما تعكسه المواقف والتحذيرات اليومية الصادرة في هذا الشأن، وعلى رغم التقديرات الموضوعة لعدد النازحين انطلاقا من حركة التدفق اليومية، ومع أن عدد المسجلين رسميا قد تجاوز 750 الف نازح، فان التحرك الجدي لمواجهة المشكلة لم يبدأ الا منذ تموز الماضي عندما تقرر تخصيص لبنان بمؤتمر دولي لدعمه. وقد جاء هذا القرار الدولي نتيجة تضافر عوامل عدة جعلت المجتمع الدولي ينظر الى لبنان نظرة استثنائية ويتعامل معه على أساسها خلافا لدول الجوار التي تواجه الازمة عينها.
- لبنان يختلف عن الدول الاخرى، كالاردن مثلا بسبب حجم النزوح الكثيف أولا، وعجز السلطات الامنية والرسمية عن ضبط الحدود، وهو ما يستحيل معه احصاء عدد اللاجئين. فلبنان يعتمد سياسة الحدود المفتوحة. وهذه السياسة تعني أن لا قدرة على معرفة من يدخل، ومن أين، والى أين يذهب وماذا في حوزته، وما هو وضعه الصحي، وماذا ينقل من أمراض، او من أسلحة، ومن أين يأتي بالمال لينفق وهل يتكل على المساعدات الدولية او يعمل بصورة غير شرعية وينافس اليد العاملة اللبنانية، أو يسرق ليؤمن رزقه؟ فيما الاردن يسيطر بشكل تام على حركة العبور الحدودية وقادر على احصاء العابرين الى الداخل، وهذا ما حدا بالأسرة الدولية على انشاء صندوق ائتماني لتحصيل القروض الميسرة والمساعدات.
- يختلف لبنان عن محيطه ايضا بفعل هشاشة اوضاعه السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية. لذا كان الهدف الرئيسي لمؤتمر نيويورك دعم الاستقرار سياسيا عبر دعم رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي يترأس الوفد اللبناني الى المؤتمر (باعتبار أن رئيس الحكومة في وضع تصريف الأعمال)، وعسكريا عبر دعم الجيش وتأمين المساعدات له، وماليا لمنع الانهيار في ظل التدهور الحاد في الاوضاع الاقتصادية والمالية العامة. وقد لحظ تقرير البنك الدولي أكثر من اشارة لافتة الى عدم قدرة المالية العامة على تحمل ضغط اللاجئين وارتدادات الحرب في سوريا على الاقتصاد اللبناني.
- يختلف لبنان كذلك عن محيطه بافتقاده قاعدة معلومات واضحة عن حاجات البنى التحتية والخدماتية التي تتيح وضع تقديرات لأكلاف الأزمة السورية واعبائها. وهذا ما استدعى من الحكومة اللبنانية أن تطلب في تموز الماضي أي بعد اكثر من عامين على استفحال مشكلة اللاجئين، من البنك الدولي وضع تقرير عن الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية للأزمة لكي يتسلح به الوفد اللبناني الى مؤتمر نيويورك، وخصوصا أن مثل هذا التقرير الصادر عن منظمة دولية يضفي شفافية وصدقية على العمل المنجز الذي على أساسه سيطلب لبنان الدعم الدولي.
لكن، وعلى رغم التوصيف الواقعي الذي قدمه البنك الدولي في تقريره لحقيقة الوضع الكارثي الذي يواجهه لبنان نتيجة استمرار الازمة السورية، ثمة ملاحظات لا يمكن تغييبها عن المقاربة التي يذهب بها رئيس الجمهورية الى نيويورك:
- فلبنان يحتاج الى 7,5 مليارات دولار لتعويض خسائره واستعادة وضعه كما كان قبل الازمة، علما ان هذا المبلغ لا يلحظ أي تحسينات او تطوير، بل هو فقط للعودة الى ما قبل الازمة.
- ان تقرير البنك الدولي يلحظ فرضيتين احداهما لتدفق منخفض للاجئين والآخر، لتدفق كثيف، لكنه لا يلحظ احتمال وقف التدفق. ولدى تبيان الارقام التي أوردها التقرير للأعداد المتوقعة، يتضح ان أصغرها بحجم كارثة وأكبرها يتجاوز مفاعيل الكارثة. اذ يتوقع التقرير في السيناريو المنخفض ان يصل عدد اللاجئين في نهاية 2014 الى مليون و600 الف، أو ما يعادل 37 في المئة من سكان لبنان، أما السيناريو المرتفع فيلحظ بلوغ هؤلاء مليونين و300، أي ما يتجاوز نصف السكان. ولا يضع التقرير احتمالات لعودة هؤلاء او على الاقل لجزء منهم، باعتبار أن لبنان يعتبر وجهة مهمة للسوريين، ولا سيما العمال منهم، وسيكون من الصعب على هؤلاء العودة الى منازل واحياء مدمرة ومن دون فرص عمل، مما يعني ان على لبنان التعامل مع هذا الوضع لمدة تتجاوز السنة المقبلة.
- ان لبنان الذي يرزح تحت عبء دين وعجز مالي غير مسبوق، عاجز عن الاستدانة مجددا، وهو تجاوز اساساً سقوف الاستدانة المتاحة، كما خسر بنتيجة اداء المالية العامة للسنة الجارية كل المكاسب المحققة بفعل الخطوات الاصلاحية السابقة. فبعدما تراجعت نسبة الدين العام الى الناتج الى 134 في المئة نهاية 2012، عادت هذه النسبة الى الارتفاع لتقارب 137 في المئة نهاية السنة.
- وسيترتب على لبنان جراء طلب الدعم الدولي، أزمة داخلية تحت وطأة الانقسام السياسي، ذلك أن أي فريق سياسي غير قادر على تحمل زيادة المديونية من أجل سوريا.
- من هنا، فان لبنان سيطالب المجتمع الدولي في نيويورك بهبات وليس بقروض ميسرة على غرار مؤتمرات الدعم الدولية السابقة المنعقدة في باريس. علما ان هذا الامر سيكون رهن ما ينتهي اليه المؤتمر من قرارات.
وعليه، ينتصر أن يرسم مؤتمر نيويورك خريطة طريق الدعم. وعلم ان اجتماعاً سيعقد في تشرين الثاني المقبل في بيروت لاستكمال آليات التنفيذ.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم