الأربعاء - 17 نيسان 2024

إعلان

إلى السّياسيين الحقيقيين فقط

المصدر: "النهار"
ساندرا عيد- اعلامية وباحثة أكاديمة
إلى السّياسيين الحقيقيين فقط
إلى السّياسيين الحقيقيين فقط
A+ A-

انطلقت حملة أهداف التنمية المستدامة الممثلة بمنظمة الامم المتحدة خاصة في أجواء يتحضّر فيها البلد لحملة انتخابات نيابة لا زالت مجهولة المعالم والتداعيات، فهل ستعطي الاحزاب السياسية اللبنانية الأولوية لهذه الأهداف ضمن بياناتها وسياساتها المفترض ان تتجدد وفق هذا الخطاب الذي وقّعت عليه حكومة الرئيس سعد الحريري والذي شرّع له الباب المجلس النيابي ورحّب به؟ 

وبما أنّ الطارئ اليوم على الساحة المحلية هو طبعا اقرار الموازنة يبقى السؤال وفق اي معايير ستقرّ هذه المرة بعد تعطيل لها منذ العام 2005 . من المحبذ ان تحدّد مشاريع القوانين المقترحة والمتعلقة بقضايا التنمية المستدامة كي تكون في صلب الورشة الانتخابية ولكن هل يملك البرلمانيون اللبنانيون اليوم السبل القانونية والاجرائية الكافية والقرات التشريعية اللازمة للشروع في في وضع التشريعات والنظر فيها وتعديلها بغية دعم اهداف التنمية؟ نأمل أن تنسجم في الاوساط النيابية الاراء وان يتم فرز هيئة ما او هيكلية مرتقبة من شأنها ان تشكل صفة تمثيلية وتشاركية لمبدأ فصل السلطات . من الجيد ان نلمس امكانية اشراك اوسع واكثر شفافية للقاعدة الشعبية ولمنظمات المجتمع المدني في اقرار هذه الموازنة ، فمن حق الشعب ان يعرف الالية التي على اساسها تتم دراستها قبل اقرارها . المستغرب دائما ان الاستعجال هو سيد الموقف في هذا البلد ، الخطوات في كل المشاريع والملفات نجهل كيف ومتى تبرم ووفقا لاي قاعدة . على أمل أن يتم الاتفاق في المجلس النيابي الحالي على توافق لتعزيز اللجان النيابية ودورها المحوري لممارسة صلاحياتها ومن ضمنها المحاسبة . من حق الشعب ان يطّلع على التحركات الفكرية للمجموعات الحزبية داخل البرلمان في ما تعده وتقدمه من تقارير واذا ما كان عملها ينسجم مع تعزيز اهداف التنمية المستدامة بشكل عام ، وما هي الاليات التي يبغي اتباعها كل حزب ضمن تمثّله داخل لجنة نيابية معينة ، وكيف ستضمن هذه الموازنة الاهداف التنموية السبعة عشر؟

نحن بأمس الحاجة اليوم الى بناء قدرات البرلمانيين وموظفي البرلمان للافادة من الفرصة التي تقدمها لنا منظمة الامم المتحدة لازالة المعيقات التي لا حالت ولازالت تحول دون تحرير بعض الفئات في المجتمع من الفقر ارساء لمبدا العدالة الاجتماعية وللتخفيف من نسبة الاجرام وللحد من وتيرة الضغط والاحتقان النفسي التي يرزح تحتها الموظف المواطن في اجواء معيشية حادة لم تطمئن آخر الدراسات الاقتصادية ان سلسلة الرتب ستشكل الحل لها .

هناك حاجة الى بناء قدرات جديدة داخل البرلمان، وتعزيز كل لجنة بمستشارين قانونيين ومتخصصين ورفع بيانات وتقارير شفافة وواضحة حول النتيجة التي تتوصل اليها كل لجنة مختصة في اجتماعاتها، فهذا من شأنه ايضا ان يرفع من مستوى الخطاب الاعلامي لملاحقة اكبر ولمقاربة اعمق للمواضيع الاعلامية التي يتناولها أهل الاعلام ، هذه فرصة ليدافع كل نائب عن نفسه في حال قصر الاعلام في المتابعة، لكن مع صعوبة الحصول على المعلومات والبيانات لا يمكن للاعلام ان يدخل بطريقة اعمق في مقاربة المواضيع .

انها فرصة للاستفادة من هذه الاهداف التي وافق مجلس الوزراء ان يوقع عليها وهو اليوم بصدد تأليف لجنة وطنية مؤلفة من المدراء العامين لكل وزارة ، من شانها ان تشكل آلية لمد جسور التنسيق والشراكة في عمل اللجان الوزارية والنيابية من دون المس بمبدأ فصل السلطات ، لا بل هو تكريس تكنوقراطي له ويضفي عليه الصبغة الاحترافية في ممارسة راقية للشؤون السياسية التنموية في البلد.

ربما لا نكتب شيئا جديدا ، لكن ربما الجديد الوحيد في هذا المقال انه نابع من روح ايجابية وفق منطق صحافة السلام التي نحتاجها اليوم خاصة في الاوساط الاعلامية لنستعيد الثقة داخل العمل السياسي دون التقليل من شأن امكانية مدّ جسور ثقة صوب النوايا الوطنية لدى السياسيين من دون استثناء ورغم كل شيء ... مزاريب السياسية الايديولوجية الضيقة تسقط حكما امام مصلحة الوطن والا كل ما نبشر به اليوم من تبنّ لاهداف التنمية المستدامة هو شعار فضفاض يضاف الى لائحة الترويج الانتخابي . العمل السياسي الديمقراطي لا يمكن ان يتشكل على قاعدة الايديولوجيات السياسية فقط كون هذه الأخيرة تحدّ الفكر التنموي وتحصره بمصالح الحزب المتشعّبة والتي قد لاتنسجم مع مصلحة الوطن .

من المنطق ان تتنافس الاحزاب ضمن خططها الانتخابية على افضل مشروع تنموي ... وحده منطلق الفكر التنموي للوطن بمختلف أبعاده من شانه ان يعزز وضع المواطنين اقتصاديا وأمنيا ، لذا من الراجح في هذه المرحلة الدقيقة بالذات التي يمر بها البلد أن نترك السياسات الضيقة الى قيصر ونعطي الوطنية المحلية التوجيه الاسمى والارقى والذي يصب في جوهر الايمان . إنّ الغاية من التنوع الطائفي ليس تقسيم الوطن الى دويلات حزبية انما هو اعتبار موزاييك الطوائف ملحقة بمبدأ الوطنية الشاملة وليس العكس فالطوائف هي موزاييك الديانات وجوهر الدين ، هو الايمان بالفسلفة الالهية ذات الصميم العلماني المنفتح والمعزز للشأن الانساني الذي يحترم الفردية او الجماعة الدينية من منطلق حرية معتقد ولكن ليس من منطلق صلاحية حكم تتنافى مع جوهر الدستور الذي دعا الى تأسيس نظام علماني وإلى الغاء الطائفية السياسية التي تتنافى مع امكانية توطين اهداف التنمية المستدامة وتعزيز التنفيذ التشاركي لها. الدين وجد في خدمة الانسان والسياسة بطبيعة الحال وجدت في خدمة مبدأ التنمية الانسانية المستدامة.




حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم