"الرشوة الجنسية" جريمة ضد المرأة المصرية... علاقة مقابل تراخيص للإعلانات ووقائع أخرى

ارتبطت "الرشوة" دائماً وأبداً بالأموال والهدايا العينية، لكن خلال السنوات الأخيرة انتشر مصطلح "الرشوة الجنسية" في #مصر حتى بات أساسياً في بلاغات أخيرة، من سيدات، تخلين قليلاً عن الخوف، يتهمن فيها متنفذين، ومسؤولين كباراً بمؤسسات الدولة المصرية، بمحاولة الحصول على رُشى جنسية لتسهيل بعض الأمور، التي لا يقدر عليها غيرهم. 

آخر هذه الوقائع، إلقاء أجهزة الأمن بمحافظة الجيزة المصرية القبض على سكرتير مكتب نائب محافظ الجيزة، وقرار النيابة بحبسه، بعد أن جاء في تحقيقاتها أن المتهم راود سيدة عن نفسها، وطلب منها إقامة علاقة جنسية في إحدى شققه الخاصة، مقابل إصدار قرارات إزالة لمبانٍ على أرض متنازع عليها بينها وبين أشقاء زوجها بطريق أسيوط الزراعي.

وقائع الرُّشى الجنسية في مصر أصبحت تفوق الحصر، وكل يوم هناك الجديد، والعديد من الوقائع التي يتم الكشف عنها من خلال بعض المشاهير للتدليل على فساد العديد من المؤسسات الكبرى في الدولة أو عبر بلاغات، ورصد من الأجهزة الأمنية.

الإعلامية بثينة كامل فجرت مفاجأة من العيار الثقيل في شباط الماضي، خلال مقابلة لها بقناة القاهرة والناس، مع الإعلامي طوني خليفة، وبرنامجه "بدون مكياج"، حيث قالت إن هناك عمليات رشى جنسية وفضائح بالجملة في التليفزيون المصري، كاشفة عن أن هناك عدداً من مذيعات التليفزيون المصري قدمن "تنازلات جنسية" لبعض القيادات للوصول لمكانة خاصة في "ماسبيرو".

وهناك كتاب وصحافيون تحدثوا عن وقائع رُشى جنسية، سواء في مبنى التليفزيون أو خلافه، وكلها تؤكد أن هذه الظاهرة، استشرت بقوة في مصر. ففي آب الماضي، ألقت الأجهزة الأمنية القبض على أحد رؤساء الأحياء بالقاهرة لحصوله على رشاوى جنسية، مقابل تخصيص وحدات سكنية للسيدات حيث توصلت أجهزة الأمن إلى المتهم من طريق أحد الفيديوات التي انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي، والذي ظهر فيه رجل عار، ومعه سيدتان، وأظهرت التحريات أن هذا الشخص هو أحد رؤساء الأحياء بمحافظة القاهرة، وأنه طلب رشوة جنسية من السيدتين اللتين ظهرتا برفقته في الفيديو مقابل تخصيص وحدات سكنية لهما، وألقي القبض عليهم، معترفين بكل التفاصيل.

 وهناك واقعة أخرى، بطلها مدير عام الإعلانات بحي البساتين، الذي ضبط متلبساً، بطلب رشوة جنسية من سيدة أعمال مقابل الموافقة على تراخيص بعض الإعلانات في الشوارع لها. وكانت السيدة أذكى منه، حيث سجلت له مقطعاً صوتياً، يسعى من خلاله لممارسة الرذيلة، مقابل الموافقة على طلبها.

وفي عام 2015 نشرت وسائل الإعلام المصرية تفاصيل كانت محل اندهاش الكثيرين، في القضية المعروفة إعلامياً فضيحة رشوة وزارة الزراعة التي تورط فيها مجموعة من الوزراء ورجال أعمال وإعلاميون في مصر، وكشفت التحقيقات وقتذاك عن رُشى جنسية، تورطت فيها مذيعة كانت تقدم برنامجاً للمنوعات والترفيه بإحدى القنوات المصرية الشهيرة، حيث تم الكشف عن أنها تورطت في هذه الرشوة، في أحد الفنادق المطلة على نيل "جاردن سيتي" بالقاهرة، حيث تدخلت كوسيط لأحد رجال الأعمال الخمسة المتورطين في القضية، من خلال التفاوض على زيادة العمولة التي تحصل عليها هي وأربعة إعلاميين آخرين مقابل إقامة علاقة مع أحد رجال الأعمال المتورطين في القضية.

ولا يمكن إغفال القضية الشهيرة المعروفة إعلامياً أيضاً بقضية الرشوة الكبرى بمجلس الدولة، والتي كشف عنها في نهاية العام الماضي، وأقر فيها أحد القضاة بإقامة علاقة جنسية مع إحدى المتهمات، وهو القاضي الذي انتحر في زنزانته مع بداية 2017.

وقبل عامين، حدث الأمر عينه، فقد ألقت الجهات الرقابية القبض على رئيس محكمة جنح مستأنف مدينة نصر، متهماً بطلب رشوة جنسية مقابل إنهاء قضية منظورة أمامه، وذلك أثناء وجوده بإحدى القرى السياحية بالساحل الشمالي، وتم تحرير محضر بالواقعة واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.

وفي العام 2016 تم الكشف عن واقعة رشوة جنسية لقاض بمحكمة جنايات الإسكندرية، وتم ضبط 22 تسجيلاً جنسياً فاضحاً له، حيث ألقي القبض عليه وإحالته على محاكمة عاجلة.

وتضمنت أوراق القضية 12 شاهد إثبات، ومتهماً آخر كان يعمل حاجباً في دائرة القاضي المتهم، حيث عرض على سيدة رشوة جنسية بناء على طلب القاضي لقبول الاستشكال المقدم من زوجها المتهم في إحدى القضايا الجنائية لإخلاء سبيله لحين نظر الطعن.

وبالعودة سنوات إلى الوراء، وبتقليب دفاتر الحوادث والقضايا المصرية، يتضح أن الرشوة الجنسية كانت موجودة، لكن كان يتم التعتيم عليها، لعدم وجود وسائل التواصل الاجتماعي بالصورة الموجودة حالياً، أو خوفاً من الفضيحة، حتى إن وسائل الإعلام والصحف التي تناقلتها، كانت ترفض الإفصاح عن الأسماء الحقيقية، وتكتفي بذكر الأحرف الأولى من الأسماء، أو ذكر الصفات والأماكن التي حدثت فيها تلك الوقائع.

ففي العام 2002، وبمنطقة العمرانية بمصر، تقدمت مدرسة شابة ببلاغ تتهم فيه مدير المدرسة بالتحرش بها جنسياً. وقالت في بلاغها إن مدير المدرسة أعطاها جدولا للحصص يزيد بتسع حصص عن زميلاتها، وعندما ذهبت إليه لتعترض على هذا الجدول، وعدها بإنهاء المشكلة فوراً، بل أكد لها أنه سيعطيها عدداً من الحصص أقل مما هو مقرر لها بشرط أن توافق على إقامة علاقة جنسية معه، برغم أنه تجاوز الخمسين من عمره، ما جعلها تشكو لبعض زميلاتها اللاتي أكدن أن سلوكه سيئ، وأنه دائم التحرش بهن، فتجرأن وقدموا فيه بلاغاً للشرطة.

حول الظاهرة، يتحدث الدكتور على إسماعيل استشاري الطب النفسي، بالقول إنه بحسب النظريات النفسية يوجد عاملان لهذا الأمر، الأول داخل كل إنسان ما يسمى "الطفل الحر"، وهو مهتم بإشباع رغبات الإنسان في كل شيء، مهما كانت العواقب ويتم تهذيب هذا الطفل إما بتربية الضمير والقيم سواء الدينية وهي الأقوى أو الاجتماعية فيصبح الإنسان أكثر وعياً برغباته وقدرة على تهذيبها.

والعامل الثاني هو تفعيل القانون بصرامة فيكبت الإنسان رغباته خوفاً من المحاسبة والعقاب وهو الأكثر انتشارا في المجتمعات العربية والإسلامية للأسف الشديد. لذا عندما يأمن الشخص العقاب أو عدم كشف سره ينشط الطفل الحر مرة أخرى.

ويعتقد د. إسماعيل أن الظاهرة قديمة، وأشير إليها في العديد من الروايات والقصص والمسلسلات والأفلام والتاريخ يزخر بالعديد منها، لكن ما حدث أن اكتشاف الظاهرة أصبح أسهل بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعي والكاميرات التي أتاحت اكتشاف الظاهرة إما انتقاماً من الشخص المبتز وإما مصادفة.

ويرى أن أسباب الظاهرة تعود إلى ما يلي:

ـ طبيعة الإنسان الفطرية.

ـ غياب الرقابة الداخلية والخارجية على أصحاب السلطة.

ـ غياب التربية السليمة.

ـ الخوف من العيب، وهو أن يعرف الناس أكثر من الخوف من الحرام.

ـ غياب الشفافية والحوكمة في الإدارة.

القوانين وضعفها، وعدم تطبيقها.

وحول كيفية التخلص منها يقول:

ـ الوقاية بالتربية وحسن اختيار القيادات.

ـ الشفافية في المعاملات الإدارية ومنع التعاملات الورقية قدر الإمكان.

ـ الإدارة الجماعية وليست الفردية تقلل هذا.

ـ التخلص من المركزية.

ـ التوعية وتسهيل الإبلاغ عن إساءة استخدام السلطة.

ـ سرعة البت في قضايا الابتزاز.