الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الهالووين في لبنان... انفتاح على الغرب أم نبذ لأعيادنا؟

المصدر: "النهار"
ريان كفوري
الهالووين في لبنان... انفتاح على الغرب أم نبذ لأعيادنا؟
الهالووين في لبنان... انفتاح على الغرب أم نبذ لأعيادنا؟
A+ A-

في 31 تشرين الأول، تحتفل دول عدة بعيد الهالووين. يتهافت كثيرون لشراء حبات اليقطين ليزيّنوا بها منازلهم، ويتمّ اعتماد عادات وأنشطة مرتبطة بهذا العيد، كاللجوء إلى الخدع، وارتداء الملابس والأقنعة الغريبة والمخيفة لإبعاد الأرواح الشريرة، إذ تقول الأسطورة إنّ الأرواح تعود خلال هذه الليلة إلى الأرض وتقوم بجولات حتى الصباح.  

هذا العيد الغربي وصل إلى لبنان منذ بضع سنوات، وبدأ يحتلّ مكان عيد القديسة بربارة (يُحتفل به في 4 كانون الأول) والعادات التي ترافق هذا العيد من جولة للكبار والصغار خصوصاً على الجيران والأقارب متنكّرين بلباس وأقنعة، في خطوة ترمز إلى معنى العيد.

 استورد اللبنانيون وخاصّة الفئة الشابّة منهم الهالووين ليدمجوه في عاداتنا الاجتماعية ويجعلوه ذكرى سنوية ينتظرونها للاحتفال بها، فيتنكر العديد بلباس مخيف، وتُنظّم حفلات خاصّة يتمّ فيها اختيار أفضل زيّ هالوويني.

ليس جديداً على اللبنانيين استيراد العادات الأجنبية، وليس غريباً إقحامهم أفكاراً وعادات غربية في المجتمع. فبما أنّ الهالووين عيد غربي، لماذا يحتفل به اللبنانيون؟

"ليست المرة الأولى التي يعتمد فيها اللبنانيون عادات غربية، فهم يقلدون الغرب في اللباس، في المناسبات وفي عدد من الأمور، والسبب يعود إلى عدم الافتخار بعاداتنا المحلّية"، تقول الدكتورة في علم النفس الاجتماعي مي مارون.

وتوضح أنّ "الشعوب المستعمرة تاريخياً لديها ضعف تجاه المستعمر، وترى أن كل ما هو مرتبط به مميز، فنلاحظ مثلاً أنّ عدداً كبيراً من اللبنانيين يتكلم بلغات أجنبية ويتجاهل لغته الأم، إن لغتنا أصلاً يتقلص استخدامها وتُستبدل بالإنكليزية والفرنسية، فكيف بالأحرى العادات والأعياد؟".

وبالعودة إلى هالووين، تشير مارون إلى أنّ استيراد هذا العيد كان غريباً في البداية، وعدّه العديد من اللبنانيين كفراً، لكن في ما بعد، وخاصة لدى الفئة الشابة، أصبح عيداً عادياً كغيره من الأعياد يُحتفل به سنوياً.

وعلى الرغم من أنّ العادات الخاصّة بالدول الأجنبية ليست جديدة على هذه الدول، لم نشهد في الماضي استيراد لبنان لهذه العادات، بل ظاهرة اعتماد كل ما هو غربي انتشرت منذ سنوات في المجتمع اللبناني، وذلك، وفق مارون، يعود إلى ظاهرة العولمة وكل ما هو مرتبط بها.

أحد أصحاب المتاجر الكبرى المتخصصة في بيع الملابس التنكّرية في لبنان تحدث إلى "النهار" عن الإقبال على شراء "أزياء هالووين" وأكسسواراته. ويقول: "نبدأ بالتحضيرات قبل أسابيع عدّة، ويتهافت الكثير، صغاراً وكباراً، لشراء الأزياء التنكّرية منذ بداية شهر تشرين الأول. وهناك إقبال كبير جداً على أزياء هالووين، فيما يكتفي البعض بشراء بعض الأكسسوارات أو المكياج الخاص بهذا العيد".

ويوضح أنه يتم اختيار الزيّ التنكري الخاص بهالووين تبعاً لما هو "trend" في الدول الغربية، ووفق شخصيات المسلسلات الناجحة لهذا العام.

وفي بحث سريع عبر الإنترنت، يتضّح لنا أنّه من بين الـtrends لهذا العام الزي التنكري الخاص بفيلم الرعب "it" والمتمثل بالـclown المخيف.

الشاب ميشال ب.م. شارك في إحدى الحفلات التي تُنظم لهذه المناسبة في لبنان. "إنها حفلة كغيرها من الحفلات التي تُنظم عادةً، لكن ما يميّزها هو الـTheme المعتمد في الأزياء التنكرية التي تطغى على الجوّ"، يقول ميشال.

ويوضح في حديث إلى "النهار" أنّ "الزينة في مكان الحفل تكون إجمالاً مخيفة والأضواء خافتة جداً، ما يخلق حالة من الترقب (people on edge)، ويصبح الاختلاط بالآخرين سهلاً حيث تسقط جميع الحواجز".

ويتابع: "أذكر في إحدى السهرات أنّ صديقاً خجولاً جداً يجد صعوبة بالغة في التقرب من الغرباء، تنكّر بزيّ طبيب وأمضى وقته في التحدث إلى الغرباء وتشخيص أمراضهم الوهمية وإعطائهم حبوباً من الحلوى على أنّها دواء، في خطوة مرحة منه. وبعد السهرة، قال لي هذا الصديق إنّ هذه الليلة كانت من أجمل أيام حياته".

وفي حفل الهالووين يدخل عنصر اللاوعي، حيث تفسح هذه المناسبة للكثيرين بأن يكونوا لليلة واحدة شخصاً مختلفاً، قد يكون الشخص الذين يحلمون بأن يكونوه أو مخلوقاً يخافون منه، وبكل الأحوال لا ضرر في أن يخرج الإنسان لليلة واحدة في السنة من واقعه ومشاكله وحياته الروتينية ويكون ولو لساعات قليلة شخصاً آخر لا يمت للواقع بصلة، وفق ميشال.

إلى ذلك، يرى ميشال أنّ القول إنّ هالووين احتفال غربي لا يمت إلى المجتمع اللبناني بصلة هو قول غلط، ويرى أنه "في ظل العولمة وتمازج الحضارات، ليس هنالك جدوى من الانغلاق على الذات ورفض الثقافات والممارسات الخارجية". ويتابع: "الحفلات التنكرية تُقام منذ القرن الخامس عشر في إيطاليا (البندقية) وأقنعة التنكر موجودة منذ عصور ما قبل التاريخ. نحن باعتبارنا كائنات ذكية وواعية، لنا الحق في الاطلاع على كل شيء وبالتالي الاختيار".

ويوضح: "الهالووين، تماماً كالاحتفال بعيد القديس باتريك (Saint Patrick’s Day) هو فقط محاولة تجارية أخرى لجذب زبائن جدد، ويمكن مقارنته بنوع من البرغر الأسود الجديد قدمه مطعم منذ فترة. وللمستهلك الحق في الاختيار إذا كان هذا البرغر الأسود يستحق التجربة".

ويضيف: "ارتداء الجينز ليس من عاداتنا، ولكنّنا نعتمده لأنّه مريح وعملي. ليس كل شيء مؤامرة ضد العادات والتقاليد، وبكل بساطة من يشعر بأنه غير معني بهذه الممارسة له كامل الحق بألا يمارسها"، معتبراً أنّ "التهجم على هذه الأمور إفلاس فكري صادر عن مجتمع منغلق لا يريد أن يتقدم".

إذاً، تنتظر اللبنانيين في نهاية الشهر ظاهرة هالووين بلباسها وأكسسواراتها وسهراتها، ولا بدّ أن تغصّ وسائل التواصل بالصور والفيديوات الخاصة بحفلات هالووين في لبنان. وككل مناسبة في لبنان، ستلقى نصيبها من "الضجة" الإعلامية والإلكترونية. ستنتشر حتماً الآراء الرافضة والمؤيدة، فبين محتفل بهالووين والشاتم له لبنانيّ لا يضيّع فرصة للسهر واعتماد كل ما هو trend في لبنان وخصوصاً خارجه.

[email protected]

Twitter: @rayanekfoury


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم