الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

أرشيف "النهار" - فؤاد بطرس نحو الضفة الثانية من النهر

Bookmark
أرشيف "النهار" - فؤاد بطرس نحو الضفة الثانية من النهر
أرشيف "النهار" - فؤاد بطرس نحو الضفة الثانية من النهر
A+ A-
نستعيد في #نهار_من_الأرشيف مقالاً كتبه طلال الحسيني في "النهار" بتاريخ 22 أيار 2000، حمل عنوان "فؤاد بطرس نحو الضفة الثانية من النهر".يحكى ان مزارعا يقف على ضفة نهر عظيم، ووراءه غابة ملتفة. في هذه الغابة وحوش مفترسة تبرز من مخابئها عند حلول الظلام، بحثاً عن الفريسة. فعلى هذا المزارع، في مهلة ساعات قليلة متناقصة، ان ينتقل الى الضفة الاخرى من النهر، حيث يجد أرضاً صالحة خالية من الوحوش. لكن هذا المزارع، الذي عليه ان ينتقل وممتلكاته، وهي ثعلب فضي، وإوزة سمينة، وبذور شهية، لا يملك من وسائل النقل، عبر النهر العظيم، سوى خشبة ضيقة، لا تتسع لاكثر من واحد من ممتلكاته، بالاضافة اليه. واذا كان الوقت ما زال كافياً لرحلات عدة. من ضفة الى ضفة، قبل ان يحل الظلام وتظهر الوحوش المفترسة، فالمشكلة هي ان المزارع لا يمكنه ان يترك الثعلب الفضي والاوزة السمينة، او الاوزة السمينة والبذور الشهية، على ضفة واحدة، اثناء غيابه في عرض النهر، لئلا يأكل الثعلب الاوزة، او تأكل الاوزة البذور. لا بدّ للمزارع المسكين، اذاً، من ان يضع برنامج نقل متعدد الرحلة، بل لا بد له، اذا اراد ان ينتقل سالماً وممتلكاته الى الضفة الاخرى، حيث يجد الامن والخصب والرخاء من ان يكرر بعضاً منها، ذهاباً وإياباً، بحمولته إياها، كأنه متراجع، وهو غير متراجع. فما هو برنامج النقل المناسب، وقبل حلول الظلام؟ قد تكون هذه الحكاية استعارة تمثيلية، لما يدور عليه هذا الكتابُ. فالضفة الاولى، من النهر، تمثل حال الحروب والانقسامات والخوف على المصير، والضفة الثانية، هي حال السلام والتعاون والرخاء، والثعلب الفضي هو لا بدّ منه من النفوذ الخارجي، والاوزة الثمينة هي سلطات الدولة، والبذور الشهية هي امكانات اللبنانيين، والمزارع الذي عليه ان يضع برنامج النقل، الذي هو السياسة المطلوبة، هو العقل اللبناني، أما الخشبة الضيقة فهي ارادة اللبنانيين، والنهر كما نعلم هو رمز الزمان الذي لا سبيل الى ايقافه، او العودة به الى الوراء، ويبقى لنا أخيراً، حتى تتم هذه الاستعارة، ان نرى في مهلة الساعات القليلة، قبل حلول الظلام، الفرصة المحدودة، قبل ان تفترس الكيان المصالح والارادات الدولية، هذه المصالح والارادات التي لا تأبه لمن كان ضعيفاً أو لمن اضاع على نفسه الفرصة. ان فضيلة هذه الاستعارة التمثيلية، في تقديم مدار كتابنا، هي اولاً في انها تقدم العناصر الاساسية في تكامل متحرك، وهو الشيء الذي ينسجم وطبيعة السياسة. وهي ثانياً في كونها تمثيلية، ولا يخفى ان واقع السياسة انما هو شيء من المسرح. قد يكون لي ان أبدأ بأن أدلل على الجدوى من هذه الحكاية المفتقرة الى الحلّ، بالاشارة الى ان الرحلة الاولى، من ضفة الى اخرى، محتوم ان تكون حمولتها الاوزة، وهي، في مثلنا، سلطات الدولة، التي يتوجب على الارادة اللبنانية ان تنتقل بها من حال الى حال، كما يتوجب عدم تركها وحدها مع النفوذ الخارجي، بلا عقل لهذا النفوذ او حماية لها، كما يتوجب عدم تركها وحدها مع امكانات اللبنانيين، بلا عقل لهذه السلطات، او حماية لهذه الامكانات. فأولوية هذه السلطات الفريسة المفترسة، مأكول النفوذ الخارجي وآكلة الامكانات اللبنانية، هي الرسالة الاولى التي تحملها الينا نصوص هذا الكتاب. إلاّ أنني أجد من المناسب ألاّ أتمادى في هذا التصوير او في هذا التأويل، قبل ان أؤدي واجب ما هو مألوف في هذه المناسبات: فأشرع أولاً في عرض سريع لشكل الكتاب ومضمونه، ولو في قراءة سطحية، وأتوقف ثانياً، اذا سمح الوقت، عند المسائل التي أراها حاسمة في قراءتي الخاصة، وأعود ثالثاً الى هذه الحكاية، والى ما قد يكون تيسر لها من نهاية نتمنى، جميعاً، في ما أظن، أن تكون نهاية سعيدة. لكنني، قبل هذا كله، أودّ ان اعبر عن سروري لهذه الفرصة، فرصة ان أتناول هذا الكتاب "كتابات في السياسة"* وهو كتاب قيم، لكاتب (فؤاد بطرس) أشارك العموم في احترام شخصه وتقديره، كما أشارك جمهوراً واسعاً من اللبنانيين في اعتبار رأيه رصيداً عاماً قد نعمنا به. لعنوان "كتابات في السياسة" في ما هو عليه من الحياد في الوصف، ومن مستوى التجريد، ان يقودنا، كما هو شأن العناوين، الى حقيقة الكتاب او الى نهج الكاتب في ما تناوله من شؤون، إلاّ ان العودة الى هذا العنوان في ضوء ما ضمه الكتاب من نصوص تدفعنا الى تفضيل المقابل الذي وضعه الكاتب عنواناً لنصه الفرنسي: Ecrits politiques. فنصوص الكتاب، إلاّ نصاً واحداً موضوعه قول الحقيقة للمريض، هي في القصد وفي المعنى كتابات سياسية، اي في الشؤون السياسية، وليست كتابات في السياسة، اي في حقيقة السياسة كما قد يوحي به العنوان. وفي أيّ حال، فان عنوان الكتاب في هذا الايحاء، يقع بعيداً من الوصف الذي أتى به الكاتب في تمهيده العربي، لنصوصه الموضوعه او المنقولة، او في تمهيده الفرنسي، الذي يبدو في المقارنة كأنه الاصل. لكتابنا، إذاً، نصّان: واحد عربي، وآخر فرنسيّ، فما علاقة هذا النصّ بذاك؟ تضمّ مجموعة الكتابات، في نصها العربي، كل الكتابات التي تضمها المجموعة الفرنسية، بالاضافة الى كتابات، غالباً ما يتعدى موضوعها الحدث السياسي الراهن. والذي أريد قوله، من خلال هذه الملاحظة، هو انه يخيل إليّ، ان الكاتب إذا دعته الحوادث...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم