الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

من هدد الدكتور نسيب البربير بقتله وتفجير معمله للزجاج ومستشفاه؟

المصدر: "النهار"
العميد أنور يحي- قائد الشرطة القضائية سابقاً
من هدد الدكتور نسيب البربير بقتله وتفجير معمله للزجاج ومستشفاه؟
من هدد الدكتور نسيب البربير بقتله وتفجير معمله للزجاج ومستشفاه؟
A+ A-

ظهر يوم 2-2-1982، سلم الشاب محمد ب.، الطالب الجامعي الذي يتكفل الدكتور نسيب البربير بنفقات أقساطه كاملة وابن سائقه الخاص الذي أمضى أكثر من عشرين سنة بخدمته، رسالة مغفلة ادعى أن أربعة مسلحين كتبوها أمامه بعد إصعاده عنوة في سيارتهم الخاصة على مقربة من مدخل كلية بيروت الجامعية طلبوا اليه تسليمها الى الدكتور بربير فوراً وأرشدوه الى حاوية نفايات قرب مدخل الجامعة ليضع الأموال فيها الساعة الرابعة بعد ظهر اليوم عينه. 

فوجىء الدكتور نسيب بالرسالة واتصل باللواء أحمد الحاج، المدير العام لقوى الأمن الداخلي وأعلمه بمحتوى الرسالة وانه يخشى على حياته في ظل انتشار المسلحين والمليشيات بحينها أو تنفيذ التهديد بخطف زوجته أو نسف المستشفى الذي يديره ويملكه.

كلف الرائد عبد الكريم إبرهيم، آمر مفرزة بيروت القضائية، مساعده، الملازم الأول أنور يحيى، التوجه فوراً الى منزل الدكتور بربير وكشف ملابسات رسالة التهديد بإشراف النيابة العامة الاستئنافية في بيروت.

ترأس الضابط دورية من رجال التحري وقصدوا معالي الدكتور نسيب البربير، الذي يشغل رئاسة التجمع الإسلامي، للاستماع إليه والاطلاع على رسالة التهديد المغفلة وتبين أن المهددين حددوا الساعة الرابعة من بعد ظهر يوم 2-2-1982 لإيداع المظروف والمال ضمن كيس من النايلون في مستوعب قرب المدخل الشمالي لكلية بيروت الجامعية، محلة رأس بيروت. النائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي منيف عويدات طلب تنفيذ تعليمات المهددين ووضع كيس يحوي أوراق صحف ضمن كيس من النايلون على أن يودعها محمد شخصياً وتحت مراقبة التحري علّ أحدهم يحضر لالتقاط الكيس قبل قدوم عمال النظافة لتفريغ المستوعب. في ظل طقس عاصف وممطر، راقبنا محمد وهو ينفذ تعليمات الجناة وبعد أن رمى كيس النايلون ترك الى جامعته القريبة، فيما أمضينا مع رجالنا ساعتين تحت المطر ننتظر قدوم أحدهم لالتقاط الكيس دون نتيجة!

باشرنا التحقيق مع محمد، الذي يعلم في مدرسة بمحلة حارة حريك، إضافة إلى متابعة دراسته في جامعة BUC. فأكد أن المسلحين أوصلوه بسيارة "بيجو" بيضاء الى محلة كورنيش المزرعة، قرب المستشفى، وأنزلوه مهددين إذا تقاعص عن تنفيذ المهمة ولم يتعرف الى أي منهم لشدة الوهلة وأنه مع والده يعترفون بفضل الدكتور نسيب عليهم ويخلصون بخدمته.

أصر الدكتور بربير أنه لا يشك أبدا بإخلاص سائقه، وابنه الذي يعتبره بمثابة ولده، وهو الذي لم يرزقه الله أولاداً من زواجه منذ زمن طويل ويرجو معاملته بالحسنى لأنه يخاف عليه إذا أخضع للتحقيق لدى التحري!

بالتدقيق بكلمات الرسالة تبين لنا أن الخط مصطنعاً أكثر منه سلساً طبيعياً، نظراً للخبرة التي اكتسبناها من الدورات التقنية وممارسة التحقيقات الجنائية في المفرزة، فطلبنا الى محمد،21 سنة، أن يسلمنا حقيبته التي تحوي دفاتره وكتبه الجامعية بحجة التعرف الى أدلة تكشف أسرار الرسالة المغفلة التي كلفه بنقلها مسلحين مجهولين.

حاولنا التدقيق بخطوط الرسالة وخطوطه المكتوبة على دفاتره، وحيث تأكدنا أنه كاتبها، فبان لنا تقارباً بين مرتكزات كلمات الرسالة المغفلة وكلمات مكتوبة بخطه على الدفاتر. على الفور أطلعنا النائب العام الاستئنافي وأشار بالتحقيق معه حول تقارب خطوط رسالة التهديد وخطوطه المسجلة في دفاتره.

اقتدناه فوراً الى مبنى مفرزة بيروت القضائية وبدأنا بتحضيره للتحقيق الجنائي الذي كان لا يخلو أحياناً من العنف وفقاً للأدلة المقدمة، وبعد أن واجهناه بالشك بأنه هو من نص رسالة التهديد لغايات شخصية نظراً لتقارب الخطوط، اعترف بسرعة، وقبل البدء بالتحقيق الفعلي، بأنه هو من كتب الرسالة واختلق رواية المسلحين المجهولين، لإخفاء الحقيقة وطمعاً بالمال لأنه ينوي شراء سيارة ولا مال لدى والده، رغم أن الدكتور بربير يتكفل بنفقات تعليمه في الجامعة (كلية بيروت الجامعية)، لكن الطمع دفعه لاختلاق الرواية!! حضرت دورية من الأدلة الجنائية، فرع مقارنة الخطوط، حيث جرى استكتابه عدة مرات وجرت مقارنة الخطوط مع بعضها فجاءت النتيجة إيجابية بأن يداً واحدة كتبت الرسالة وكلمات كتبها محمد أمام خبراء الخطوط وقدموا تقريراً بالمطابقة. أطلعنا الكتور بربير على اعتراف محمد، ابن سائقه، باختلاق الرواية طمعاً بمبلغ سبعين الف ليرة لبنانية بحجة شراء سيارة خاصة له، فطلب إحضار الفتى أمامه ليستمع اليه مباشرة، وقد تم ذلك وبكى محمد كثيراً طالباً العفو من ولي نعمته وان الشيطان طغى على أفكاره وأنه نادم على فعلته التي لم تمر على رجال التحري.

اتصل الدكتور بربير بالنائب العام الاستئنافي في بيروت بشخص القاضي منيف عويدات طالباً إسقاط الأدعاء الشخصي وعدم توقيف محمد حفاظاً على مستقبله وسيتابع دفع أقساط الجامعة حتى يتخرج منها.

استمعنا الى رئيس التجمع الاسلامي وصاحب معمل سوليفر لأنتاج الزجاج في الشويفات ،ورئيس مجلس أدارة مستشفى البربر، الذي أشاد ببراعة عمل التحري بسرعة إماطة اللثام عن خفايا رسالة التهديد المغفلة له والتي أعادت اليه الهدوء وتأكيد الثقة بكفاءة وسرعة مبادرة التحري لنشر الأمن وبسط السكينة وتوقيف الجناة مهما حاولوا تمويه نشاطهم الجرمي وأسقط دعواه عن محمد، ابن سائقه المخلص، وبكبر وترفع وتسامح طلب الدكتور بربير إطلاق سراح محمد فوراً، وهذا ما أشار به المدعي العام،الأستاذ عويدات، فتم ذلك.

نوّهت الصحافة الوطنية بحرفية التحري وسرعة التحرك لكشف خفايا رسالة التهديد التي طالت شخصية وطنية واقتصادية وإنسانية مما يعزز الثقة بقدرات الدولة لتنفيذ القانون والدفاع عن المجتمع وحمايته من الجريمة.

أصدر العميد محمود أبو ضرغم، قائد الشرطة القضائية، التنويه رقم 26 تأريخ 26 نيسان سنة 1982 في مجموع عناصر الشرطة القضائية بحق كل من:

الملازم الأول أنور يحيى، مساعد آمر مفرزة بيروت القضائية والمعاون حسين المقداد، الرقيب الأول جعفر فحص، الرقيب الأول علي الخضري، الرقيب الأول وهيب فياض، الرقيب الأول نبيل زنتوت، العريف عادل قيس، العريف حسن ناصيف، والعريف إسماعيل عزيز: كلهم من مفرزة بيروت القضائية للسبب التالي:

"بتاريخ 2/2/1982 تلقت شخصية سياسية بيروتية رسالة مغفلة تتضمن تهديدا بقصد الابتزاز، فتمكنوا من اكتشاف الفاعل وتوقيفه خلال فترة لم تتعد الثماني والأربعين ساعة بظل ظروف أمنية دقيقة".

منح الضابط وبقية أفراد فريق المهمة مكافآت مالية بقرار من المدير العام.

إن جدارة التحري بفك طلاسم رسالة التهديد التي استهدفت رمزاً وطنياً، قابلها الدكتور بربير بشهامة وتسامح يضرب فيها المثل، فعفا عن ابن سائقه وكانت سمعة التحري الممتازة تكثر في مجالسه الخاصة مؤكداً أن الدولة وحدها تحمي وهي الملاذ الآمن للملهوف والضحية، وبالمقابل يهابها المجرمون الذين يسعون لتنفيذ جرائمهم بأقل أدلة لجعل مهمة الشرطة أكثر تعقيدأ.


*العميد المتقاعد أنور يحيى

قائد الشرطة القضائية سابقا

محلل جنائي استراتيجي

[email protected]




حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم