السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

"الكركي" تراث لبناني لا يندثر

المصدر: النهار
آية يونس
A+ A-

اقترب فصل الخريف وبدأت جلسات "الكركي" تكثر في القرى اللبنانية. فيجتمع الأصحاب والأقارب ووجهاء الضيعة من رئيس بلدية ومختار، وفي حال كانت القرية صغيرة والكلّ متفق سياسيّاً ولا مشاكل بين الأهالي، تكون السهرة واحدة ويوزّع "المشروب الأبيض" على الجميع ويرافق جلسة الكركي شواء اللحم والتبولة بانتظار "مشروب الجلسات اللبنانية" ان يجهز.


منذ القديم، واستخراج العرق يكرر سنويّا في مثل هذا الوقت من السنة، وتسمّى"جلسة الكركي" كما قال ابو حنّا من بلدة دوما، "مننطر هالمناسبة كلنا بالضيعة". فيشعل سيجارته وكأنه يعلن لي بدأ الحكاية "حكاية حبّة العنب":
تبدأ القصّة بقطف العنب والذي يحدد نوعية العرق، فكلما كان المحصول جيّدا كان العرق أكثر جودة، ثم يعصر في العصارة (الطريقة الحديثة) وأحيانا تستعمل الطريقة القديمة وهي العصر بالقدمين "أفضل من المكنات" بحسب أبو حنا. ثم يوضع العصير مع القشور في برميل كبير ويغطّى ويترك لمدّة 20 يوما او 25 تقريبا.


وهنا يأتي دور الكركي بعد مرور 20 يوما والكركي هي آلة استخراج العرق البلدي التي تستخدم للتقطير. تشعل النار تحتها ويفرّغ فيها عصير العنب غير المصفّى، فيبدأ بالغليان، عندها تخفف النار ، فيتكاثف البخار ويتحول سائلا يسمّى "السوما" وينتقل عبر أنبوب موصول بالقسم العلوي من الكركي ليصل الى قسم التبريد وهو عبارة عن برميل فيه ماء. والعملية تأخذ ساعات عدة للحصول على "السوما".


في المرحلة الثانية، نعيد العملية نفسها ونقطّر "السوما" لنحصل على سائل أكثر نقاوة وهو "السبيرتو" وهنا على مستخرج العرق اقتناء ميزان لقياس نسبة الكحول في السبيرتو تمهيداً للجولة الثالثة والأخيرة و"استخدام الميزان ضروري من أجل التحكم بكمية المياه التي تضاف إلى السبيرتو، إذ يستحسن أن تكون نسبة الكحول 20 في المئة" فنضع السبيرتو جانبا ثم نعيده بعد غسل الكركي جيدا "تتنظف من كل رواسب العنب" ثم نضيف الى السبيرتو اليانسون "اللي بيعطي اللون الأبيض للعرق". وكمية اليانسون توضع بحسب نسبة الكحول في السبيرتو والعملية تتكرر عبر التبخر والتقطير فنحصل هذه المرة على العرق وهكذا نكون قد قطّرنا عصير العنب ثلاث مرّات ولهذا يسمّى "العرق المثلّث".


ابو حنا ليس القروي الأول الذي لا يشرب الا من "عرقه"الذي يعدّه في منزله، لانه يعتبر انه طعم العرق الصناعي كطعم شراب الماء والسكّر. واللبناني القروي الأصيل "بيعرف طعمة تمّو" فيستطيع بسهولة التمييز بين العرق البلدي والصناعي فور تذوقه.
ومع تراجع الأعمال القروية والمنزلية في ايامنا هذه،لا تزال صناعة العرق عملية تجدد وتتكاثر اذ أصبح شبابنا يشاركون الكبار في جلسات "الكركي" علهم يتعلمون اصول هذه الحرفة كي لا تنتهي حكاية حبّة العنب.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم