الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"العهد" المسترخي والحكومة الخرقاء

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
"العهد" المسترخي والحكومة الخرقاء
"العهد" المسترخي والحكومة الخرقاء
A+ A-

أنا مواطن عادي جداً، ليس عندي من ملجأ سوى الدولة، ولا أريد أن يكون لي سواها، أحتمي بها وألوذ إليها وحدها في السرّاء والضراء، دون أيّ مرجعية أخرى، أكانت مرجعيةالطوائف والمذاهب،أم مرجعية أحزاب السلطة، بل مرجعية الطبقة السياسية برمتها. 

أؤمن بالدولة، على رغم كلّما يعتريها من ضعف وهشاشة. بل أؤمن بها، وازداد تشبّثاً بهذا الإيمان، خصوصاً بسبب ما يعتريها من ضعف وهشاشة. ولن أحيد عن المراهنة على هذا المرجع الوحيد، مهما تقلّبت أحوال الدهر بالدولة ومؤسساتها، واقتنص المقتنصون، وغالوا في اقتناصاتهم وارتكاباتهم واغتصاباتهم المشهودة، ولم يتركوا من الدولة سوى هيكلها العظمي العاري.

هذا هو خياري الوطني الوحيد، وأنا لا أتردّد، كمواطن، في وضع كلّ أوراقي على طاولة هذه الدولة، واللعب بهذه الأوراق كلها، مغامراً بنفسي، من دون أن أحفظ خطّ الرجعة في أيّ شيء على الاطلاق.

مقامرة بلا حساب، لحساب الدولة. وحدها دون سواها. وحتى الحبر الأخير. والنفس الأخير.

كلّ يوم، أكثر من اليوم الذي سبقه، يكتشف اللبنانيون بمرارة ماحقة، أن الغالبية الساحقة – وأكاد أقول الجميع - من الممسكين بزمام السلطة السياسية، لا تعمل من أجل الدولة. بل على حساب هذه الدولة.

المسألة بسيطة للغاية. ليس على المشكِّك في هذا الوصف المأتمي، سوى أن يكشف الأوراق كلّها أمامه، وأن يكشفها جيداً، معدّداً "المآثر" التي حقّقتها الطبقة السياسية عموماً، وهذه السلطة الحالية خصوصاً، ويمكن الدولة أن تتباهى بأنها تحقّقت لصالحها.

اللبنانيون يعرفون تماماً هذه الحقيقة، ويرزحون تحت وطأتها المادية والمعنوية، ويكاد الكثيرون منهم يموتون ذلاً وجوعاً، لكنهم لا يفعلون شيئاً كثيراً بموجب هذه الحقيقة، وعلى ضوئها. كأن يتمردوا مثلاً على هذه الطبقة - السلطة، وأن يعلنوا موقفاً – وإن رمزياً – ضدّها. كرفض الانصياع لمشيئة أطرافها ومكوّناتها، ولكيفية ممارستها السلطة، بطريقة دنيئة، تجعل لبنان كلّه مكشوفاً، ككيان وجمهورية ودولة ومؤسسة وإدارة وخدمات عامة.

يعرف اللبنانيون أن بلدهم مخنوق في عنق الزجاجة، ليس داخلياً فحسب، بل إقليمياً ودولياً. وهو يواجه أخطاراً كيانية جمة، ليس أقلّها ما يتردّد في الأروقة كلّها، هنا وفي الخارج، عن احتمال وقوع حرب جديدة.

لا أشعر بالحاجة إلى التأكيد أمام المواطنين والقرّاء أني لا أثق بالمصالح الدولية، ولا بـ"غيرتها" على لبنان. ولا خصوصاً بسياسة الولايات المتحدة. هذا أمرٌ مفروغ منه عندي. ونهائياً. إذ لا يدغدغني البتة أيّ موقف دولي ينطوي على "غواية" استدراج اللبنانيين إلى الاقتتال، أو التورّط في مواقف انفعالية من شأنها الارتداد سلباً على الهشاشة اللبنانية لتزيد هشاشتها هشاشة فوق هشاشة.

لكني لا أثق أيضاً بالقوى الإقليمية، وبالقوة نفسها، إن لم يكن أكثر.

أيمكنني أن أثق بالعدوّ الصهيوني الذي يمعن بالطول والعرض في انتهاك لبنان، منتظراً الوقت الملائم للانقضاض على كيانه وإزالته من الوجود؟ أم يمكنني أن أثق بالحلف الرهيب بين النظام السوري والنظام الإيراني؟ أم أثق يا ترى بالمحاور الإقليمية والعربية الأخرى، التي لا يهمّها لبنان في ذاته، بل مصالحها فيه؟

والحال هذه، أنا المواطن العادي، الذي لا ملجأ له سوى الدولة، بمَن يجب أن أثق؟ ومَن يجب أن يمنحني هذه الثقة؟

أيجب أن أثق بسياسة "العهد"، الغارق في التغافل القصدي والعلني عن خطر تمادي "حزب الله" في الذهاب بعيداً بسلطانه العسكري، متخطياً الدولة ومؤسساتها ومصالحها العليا؟

أم يجب أن أثق بهذه الحكومة الخرقاء، التي تدفن رأسها في الرمال، غير مدركة أنها إنما هي تدفن رأس لبنان لا رأسها فحسب؟

جلّ ما أريده في هذه اللحظات الخطرة من تاريخ لبنان، أريد أن تقول لي الحكومة العزيزة أين هي مصلحة لبنان العليا في سكوتها المتمادي عن كل ما يجري؟ بدءاً بسكوتها على سلطة "حزب الله"، مروراً بسكوتها على الاستيلاء المنهجي لجماعة "العهد" ومجموعة السلطة في "التيار الوطني الحر" على مفاصل الدولة الأساسية، وليس انتهاءً بممارسة سياسة الإفقار الرهيبة التي تضع غالبية اللبنانيين في خانة الفقر، وتجعل أربعين في المئة من شباب لبنان عاطلين عن العمل؟

الحرب على الأبواب، الجوع على الأبواب، ومصير لبنان على الأبواب... وليس ثمة سلطة تقول لنا ماذا تفعل، وإلى أين تذهب بنا وبلبنان؟

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم