السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

نعم للاحتفال بدولة لبنان الكبير

أنطوان قسطنطين
نعم للاحتفال بدولة لبنان الكبير
نعم للاحتفال بدولة لبنان الكبير
A+ A-

من حق الدكتور حسان حلاق أن ينتقد مرحلة الانتداب الفرنسي على لبنان وسوريا في مقاله المنشور في "النهار" يوم 6 تشرين الاول، فكتابة التاريخ هي في حد ذاتها اشكالية فكرية تحمل بذور النقد الذي هو اساس الابداع العقلي. لكن ما استفزني في رسالته المفتوحة هو أسفه لولادة الدولة اللبنانية التي يحمل اليوم هويتها، وكأني به يعبّر عن حنين مكبوت للعودة الى زمن السلطنة العثمانية، وهو حنين انتاب بعضا من المسيحيين وبعضا من المسلمين، وانه لاسباب متناقضة خلّف لنا احيانا حروبا لا نريد العودة اليها. 

في الوقائع التاريخية التي لا خلاف حولها أن الدولة التي نشأت على انقاض السلطنة العثمانية كانت وليدة موازين القوى المستجدة بعد الحرب العالمية الاولى، فلا الاتراك حكموا بارادة الشعوب المحكومة طوال اربعة قرون ولا القوى المنتصرة بعد الحرب الكونية رسمت حدود الدول المستحدثة بالحوار والاستفتاء والديموقراطية.

عانى لبنان الدولة من حنين العودة الى زمن المتصرفية كلما تأزمت الاحوال في وجه المسيحيين فيه، وعانى ايضا من حنين الاندماج تارة بالهلال الخصب وطورا بالامة من المحيط الى الخليج. ولا نكاد نصدق أن مشاريع التقوقع والتذويب انحسرت لصالح لبنان أولا، ونأمل الا تصيبنا عدوى يقظة القوميات الثقافية التي تهدد وحدة الدول في أوروبا على نحو ما هو حاصل في اسبانيا.

لقد أفضت الحرب الكونية الى قيام عصبة الامم وهي اول كيان قانوني دولي أسس لما بات يُعرَف بالشرعية الدولية. هذه العصبة هي التي انتدبت فرنسا لمساعدة اللبنانيين والسوريين على انشاء دولتيهما بعد تفكك السلطنة العثمانية. وكان ذلك في العام 1920، أي بعد مؤتمر فرساي الذي حمل اليه بطريك الموارنة الياس الحويك الكبير مشروع ولادة الدولة اللبنانية بتنوعها الديني والثقافي والسياسي.لذلك لا يعقل أن يكون أبو الكيان اللبناني قد شارك في ولادته على مضض.

أما المغالطة الأهم فهي القول ان لبنان فُصل عن سوريا وكأنها كانت دولة مستقلة ضمن حدود معروفة معترف بها، بينما الحقيقة ان ولادة الدولة السورية تزامنت مع ولادة الدولة اللبنانية للمرة الاولى في التاريخ، وقبل ذلك كانت ارضا محكومة من الاتراك على مدى 400 عام. ثم من العيب ايضا تحريف الحقائق والادعاء بأن البطريك الحويك لم يكن يريد لبنان الكبير خوفا من طغيان الاكثرية الاسلامية، فهو ناضل في سبيل ولادة هذا اللبنان ليتوج تضحيات بذلها سكان الجبل في سبيل الحرية والاستقلال.

وقد اراد البطريرك ومن ورائه أكثرية سكان الجبل، موارنة ودروزاً وشيعة، أن تكون الدولة الوليدة متنوعة بجغرافيتها وديموغرافيتها. وقد عكست تركيبة الوفد الذي ترأسه الى فرساي هذه الارادة الجامعة التي لم يغب عنها ممثلون عن سنّة جبل لبنان.

لا. لم يكن البطريك الحويك خائفا من المسلمين، ولا يخاف المسيحيون اليوم من المسلمين. الخوف هو من طغيان فكر أحادي يضرب فكرة الوطن المرتكزة على قيمة الانسان الاولى، وهي الحرية.

صحيح ان اللبنانيين عانوا من سلوك الانتداب الفرنسي ولكن قسما كبيرا منهم عانى أكثر من وحشية النظام التركي في عهد جمال باشا الذي لم يحمل لقب السفاح زورا. لقد عانوا من التجويع والحصار والتهجير ومصادرة الاراضي والمواشي ومن السخرة والضرائب الظالمة. اما الانتداب الفرنسي الذي شعر البعض عن حق بأنه انتهك الخصوصيات الثقافية ولم يفهم تركيبة مجتمعاتنا، فقد ترك لنا دولة وحدودا ومؤسسات وانظمة وقوانين اضيفت الى الارث الذي تركه الاتراك، وفيه ايضا تشريعات وعمارات لا يجوز انكارها.

أما اتهام الفرنسيين بالتمييز الطائفي وهم ابناء الجمهورية الثالثة اللادينية، فأمر مضحك، وكان أركان النظام السياسي اللبناني بعد العام 1943 فصلوا بين الطائفية والسياسة وعمموا العدالة بين المناطق وقضوا على التمييز.

ان الدعوة الى الاحتفال بولادة لبنان الكبير هي المدخل الشرعي للاحتفال بعيد الاستقلال، فهذا ما كان ليتم لولا ذاك. وليس أدّل على قبول المسلمين بدولة لبنان الكبير من مشاركة زعمائهم في معارك الدفاع عن استقلال هذه الدولة في العام 1943. ان الاحتفال لمرة واحدة بمؤية دولة لبنان الكبير لا يلغي البتة الاحتفال السنوي بعيد الاستقلال، كما لا تلغيه الاحتفالات بعيد تحرير الارض من الاحتلال الاسرائيلي.

لقد آن الاوان لتكريس احترام التنوع وحق الاختلاف في الرأي في سلوكنا الحياتي والاقلاع عن الكذب في مقاربة التاريخ. تاريخنا فيه حياة مشتركة مثلما فيه صراع مشترك، وعلينا ان نتحمل المسؤولية عن ماضينا بكل جرأة، فلا ننكره ولا نزوّره ولا نستخدمه للتهويل. وليسأل كل واحد منا نفسه فيما لو عاد به الزمان الى الوراء وكان له القرار في انشاء الدولة هل يقدم على تقسيم لبنان أم تذويبه؟ أم يحافظ على حدود لبنان وتنوعه ويعمل على تطوير نظامه؟

ان التشكيك في مبررات وجود لبنان هو نوع من الهرب الى الامام وتعبير عن الفشل في بناء الدولة وحسن ادارتها وعجز مخجل أمام انجازات كبار اسسوا ورحلوا.


(كاتب سياسي)

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم