الأربعاء - 17 نيسان 2024

إعلان

خبز وملح

المصدر: "النهار"
غسان صليبي
خبز وملح
خبز وملح
A+ A-

على سفح جبل حريصا 

في أجواء حزينة وغاضبة،

تلت جريمة اغتصاب وقتل

ريا الشدياق في بلدة مزيارة،

على يد رجل،

من الجنسية السورية.


في مدينة جونية،

إحدى المدن والبلدات الغاضبة،

من مثل بشري وزغرتا،

جراء هذا الاغتصاب وهذا القتل،

وعلى وقع دعوات شعبية وبلدية،

لترحيل السوريين،

التي بدئ بتنفيذها،

في مزيارة.


في جونية مدينتي،

وفي ليلة أطل فيها القمر مبتسما،

من فوق تمثال السيدة العذراء في حريصا،

وبدعوة منا،

جلسنا إلى العشاء،

زوجتي وانا،

مع عائلة سورية،

الام والاب والأولاد الثلاثة.


نحن واياهم جيران،

توطدت العلاقة بيننا،

بعد صباح الخير ومساء الخير،

والعشرة الطيبة والزيارات المتبادلة.


هي عائلة نازحة،

لكن الاب يعمل في لبنان،

منذ ما قبل الحرب السورية.


لا منافسة بيني وبين الاب،

في سوق العمل،

هو في المجال اليدوي،

وانا في المجال الفكري،

هو يساعدنا أحيانا بخبرته،

في تمديدات الكهرباء والتصليحات المنزلية،

وانا وزوجتي نساعد الاولاد في دروسهم المنزلية.


الاب وانا نحب احتساء

القليل من الخمر،

كل مساء،

وهو يهتم بالافكار،

وبمشاركتها،

فأرسل إليه نصوصي،

ويرسلها بدوره،

إلى اصدقائه،

من دون ان يتسنى لنا الوقت،

الكافي لمناقشتها.


زوجته لا تشرب الخمر،

هي وزوجتي تعشقان الزرع،

وقد تنبهنا على العشاء،

ان المرأة المزارعة،

هي التي اكتشفت،

فضائل التخمر،

وساهمت في اكتشاف الكحول.


لم يشأ أي منا الحديث،

عن التشنج الحالي بين الشعبين،

بل رحنا نتبادل الآراء،

عن مشاغل العائلتين،

كأن كل شيء من حولنا،

يعيش بسلام.


ربما السبب هو وجود الأولاد،

ربما هو اصرارنا،

كبشر،

الا تعكر صفو جلستنا،

أخبار العنف والتعصب،

بين البشر.


تكلمنا عن الابن الأكبر،

عن طموحه في ان يصبح

رائد فضاء،

هنا ايضا،

قلت في نفسي،

لا تنافس في سوق العمل،

مع اللبنانيين،

لكن الابن مصرّ،

قال الاب،

ان يبقى في لبنان،

حاليا،

من اجل تعلم

اللغات الاجنبية،

وهي شهادة نادرة،

في حق المدرسة الرسمية،

لم يسبق ان سمعتها،

من لبناني.


اما البنت،

الوحيدة بين الصبيين،

فتريد العودة إلى بلدها،

لتعمل كمعلمة،

هي التي تواجه،

صعوبة في التعلم،

لكنها لن تكتفي بهذه الرسالة،

فهي تريد ان تمنع،

عند عودتها،

تعدد الزوجات.


شمل النقاش ايضا،

ضرورة تعليم الام،

الكتابة والقراءة،

على يد الاولاد،

الذين بدأوا،

هذه المهمة الصعبة،

لكن بتقطع وانقطاع،

في آخر فترة.


الهموم والانشغالات مختلفة،

بين العائلتين الجارتين،

المنتميتين الى طبقتين،

وثقافتين،

مختلفتين.


لكن البشر بشر،

ويبدو ان الخبز والملح،

بينهم،

يقرب بين القلوب،

مما يفتح العقول،

القادرة معا،

على تجاوز عقبات

التنوع والاختلاف.


افترض أنه على المسيحيين،

أكثر من غيرهم،

ان يفهموا،

مفاعيل التشارك،

بكسرة الخبز،

على العلاقة بين البشر،

هم الذين يتناولون

كسرات خبز القربان،

كل يوم احد.


افترقنا بعد العشاء،

والابتسامة على الوجوه،

وتواعدنا على اللقاء،

عندهم او عندنا.


سرحتُ بعدها مع افكاري ،

ورحت أتذكر ما فعلناه،

في النقابات والمجتمع المدني،

لمقاومة الحرب ووقفها في لبنان،

من خلال المعارض او تبادل الزيارات،

من خلال التوعية او المسيرات،

وتساءلتُ عن ضرورة قيام مبادرات،

على يد لبنانيين وسوريين،

في النقابات والمجتمع المدني،

لمواجهة خلفيات وتداعيات،

الحرب الباردة التي تتمدد سريعا،

بين احيائهم.


المسألة بالغة الخطورة،

بين اللبنانيين والنازحين السوريين،

أخطر ما فيها،

النفوس المشحونة والخائفة،

الذي تساهم في تأجيجها،

تصريحات وتقارير بعض المسؤولين،

التي توحي ان جميع مشكلات اللبنانيين،

الاجتماعية والاقتصادية والأمنية،

هي نتيجة النزوح السوري.


صحيح ان للنزوح السوري انعكاسات كبيرة،

على الوضع اللبناني في مجمله،

لكنه ولدوافع سياسية على الارجح،

يتم مقارنة الأوضاع وعرض الإحصاءات،

في الدراسات والتقارير الرسمية،

بين مرحلتين،

مرحلة ما قبل النزوح السوري

ومرحلة ما بعد،

حتى يجري الاستنتاج

الخاطىء علميا،

ان التدهور في الاوضاع،

هو بسبب النزوح السوري.


كما لو ان لا علاقة في تحليل كهذا،

بين النزوح السوري والحرب السورية،

التي انعكست عميقا،

على الاقتصاد والسياسة في لبنان،

وكما لو ان لا علاقة لتحليل كهذا،

بكل الانهيارات اللبنانية المنشأ،

التي حصلت ما قبل النزوح وما بعده.


هل يقبل المسؤولون بأن نقارن الأوضاع،

ما قبل الفراغ الرئاسي وما بعده،

الذي حل علينا ثقيلا،

في عز الحرب السورية،

هل يقبلون بأن نعود ونستنتج ،

ان كل مصائبنا اليوم،

بما فيها تراكم أعداد النازحين،

هي بسبب تعطيل الانتخابات الرئاسية في حينه؟


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم