الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

الديكتاتورونيا... العالم سندويشة فلافل ملفوفة بورق جريدة

المصدر: "النهار"
أسعد الجبوري
الديكتاتورونيا... العالم سندويشة فلافل ملفوفة بورق جريدة
الديكتاتورونيا... العالم سندويشة فلافل ملفوفة بورق جريدة
A+ A-

على متن الريح 

دون كيشوت: كم يبدو العالم اليوم موحشاً وملوثاً وصغيراً يا سانشو؟

سانشو: أجل يا سيدي الدون. بات مثل سندويشة فلافل ملفوفة بورق جريدة.

دون كيشوت: تبدو جائعاً. أليس كذلك؟ وإلا فما معنى أن يكون العالم سندويشة فلافل يا سانشو؟! ألمْ تجد له وصفاً آخر يليق به أيها الأحمق؟

سانشو: لنفرض أنني وصفت العالم بالإناث الجميلات، وهنّ يرتدين فساتين فاخرة من مجموعة المصمم اللبناني إيلي صعب أو من شانيل أو ستيفان رولان أو دار سالڤاتوري فيراغام ، ما الذي يغير الفكرة عن عالم لا يستدرجنا إلا نحو الغثيان؟!

دون كيشوت: يجعلها أفضل من سندويشة الفلافل التي تشغل عقلك أيها الأحمق!

سانشو: معك حق يا سيدي الدون. فنسائي أنا، يختلفن عن نسائك أيها المقاتل الشرس والبهي والصامد أمام الطواحين.

دون كيشوت: عن أي نساء تتحدث أنت، ونحن على أبواب الهزيمة، وسنعود الأدراج بعد زمن قصير للبحث عن مناطق أسهل، لا تكون فيها الطواحين ذات صبغة دولية؟

سانشو: أنا حاولتُ الحكي عن الفارق بين النساء الفلافل والنساء الاسكالوب ليس إلا. لكنك لم تدعني أكمل فكرتي يا سيدي الدون، وكأنكَ أصبتَ أنتَ الآخر بنزعة الديكتاتورونيا!

دون كيشوت: الديكتاتورونيا؟!

من أين تأتي بهذه الملافظ يا شانسو. كنت تحكي عن النساء وفجأة سقطت من قاموس الكلمات الغريبة؟

سانشو: الديكتاتورونيا مصطلح أحاول تثبيت أكتافه على أرض الحلبة، ويعني جنون الارتياب (باللاتينية: Paranoia) أو الهذاء أو الزور وهو مرض نفسي مزمن يتسم بالوهام (بالإنكليزية: Delusion) وهي أفكار يعتنقها المريض ويؤمن إيمانا وثيقا بتعرضه للاضطهاد أو الملاحقة ويفسر سلوك الآخرين تفسيرا يتسق وهذا الاعتقاد. وأنت يا سيدي الدون دخلت المجال الجوي لهذا التعريف الذي رسمته "ويكيبيديا" لشخصك الكريم.

دون كيشوت: يبدو أن زلزالاً ضرب مخّك فأحاله إلى فتافيت. وإلا فما علاقة الديكتاتورونيا بالفلافل بفساتين دور الأزياء بالاسكالوب بالنساء يا سانشو؟!

سانشو: لم تدعني أتحرك بمسار لغتي حراً يا سيدي الدون. كنت أريد قول شيء مهم يتعلق بعدم وجود فارق ما بين امرأة من الفلافل وامرأة من لحم الاسكالوب. فكلتاهما تحترق بالزيت الساخن، وتقع تحت تأثير الديكتاتورونيا في لحظة هبوب عاصفة الشهوات. لذلك لا فائدة من الفساتين، سواء أكانت من دار شانيل الفاخرة، أم من سوق البالة. فالنوعان يشتعلان أو يصبحان على أطراف السرير خارج تغطية الجسد، مثلما تحترق اللحوم من شدّة الشغف.

دون كيشوت: دعك من هذا التخريف يا سانشو. فأنت لو قرأتَ كتاب "طوق الحمامة" في الحب، لما تجرأتَ وتحدثتَ عن النساء بمثل صفاقتك أيها الأحمق.

سانشو: لقد مررتُ بكتاب ابن حزم الأندلسي جملةً جملةً، ولم أجد فيه إلا الوصف وحده. فالحب عند العرب، ومهما ابتعد عن الجنس، ولفّ ودار، يبقى مرتبطاً بالأعضاء التناسلية، ولا وجود لشغفٍ إلا في كتب التاريخ والدراسات، لأن الذكورةَ المسلحة، هي من تفرض قوتها على ميدان الحبّ يا سيدي الدون!

دون كيشوت: ذُكُورٌ، ذُكُورَةٌ ، وذِكارٌ، وذِكارَةُ ، وذكرَانٌ. لم يبق للذكر غير هذا الجمع مضطجعاً في القواميس يا سانشو؟

سانشو: لماذا تقول ذلك يا سيدي الدون، هل بتَّ طباخاً سيئاً لا يفقه بنظريات الأجساد ولحومها؟!

دون كيشوت: أجل يا سانشو. لقد أكلتْ مطابخُ الحروب وأفرانها ذكورة العرب بعد أمراض الديكتاتورونيا ومجاهل الديانات التي توحشت علينا مذاهبُها أكثر مما كان في زمن الأسلاف بما لا يُقاس.

سانشو: وتقول لي: طوق الحمامة أو عرف ديك أو ذيل قرد أو إلية خروف!

***

آبار النصوص

أجسادُنا الخرائطُ...

تتمدد في العزلة ولا تُطوى كلحوم

التأريخ

أنحن عائلة الطير

ولنا هجراتٌ بين طبقات الأرواح

ولا تنتهي في أسئلة.

لذلك يتعقبنا الديناميتيون،

من أجل سهرة بأزياء العدم.

شيء من هذا القبيل.

2

في كلّ ذاتٍ محركٌ

في كلّ محركٍ ذاتٌ

وبالنبيذ الشطحُ

لنفنى بجاذبية الذنوب.

هكذا هو في الأثر

المندوبُ السامي لقصص الجن

في طبعة الكائنات.

مرافقُ الجوكوندا إلى عيادة تجميل

حيث تنتشر المقاصل ما بين النساء

وفي أسواق الأوراق المالية والأبقار والديانات

وأوقات خدمة العَلم في النوم.

شيء من هذا القبيل.

***

غرفة للغرائز

لم أجد مكاناً للراحة، إلا في الكتابة. كأنها ذلك الكرسيّ الهزاز الذي يمنح الجالس لذّة الاستغراق بالعالم وبمخلوقاته المتنوعة المؤتلفة المتضادّة الحزينة المبتهجة. كل شيء في الكتابة ينمو ويتمدد ويخلق مجاله الحيوي، بدءاً بأحجار الجبال، وانتهاءً بالفراشة التي تدخل النار من أجل أن تستوفي شروطها بالخلود.

فليس أخونا جلجامش وحده من بحث عن الخلود، وفكّر في تلك النبتة، بل العندليب يفعل ذلك وزهرة عباد الشمس والشمبانزي ودودة القزّ. الخلود لا يعني البقاء حيّاً أبد الدهر، لا. هو غير ذلك تماماً، فالبقاء في الزمنكان مملٌّ. وهو شيء لا معنى له. فالاستقرار في فندق الأرض، موتٌ شبه سريري. والتموضع في الوقت انتظاراً، يقود إلى الجنون مثلما فعل العملاق صموئيل بيكيت بصاحبه غودو. أما الخلود المشار إليه بالأساطير، فهو من الأوهام السوريالية الجميلة التي اخترعها الأخ جلجامش، ولا يخصنا. لأننا مع الخلود الذي يأتي من التأليف ويتموضع بالكتابة ويستمر تفاعلاً ما بين الروحي واللغوي.

***

بنك الخيال

في مجرى اللغة مياهٌ عميقةٌ،

لا تمنح لذّةَ الغرق لكائنٍ من كان.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم