الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

"سيدتي اوقفي القراءة عن التيوس"

نسب زكريا
"سيدتي اوقفي القراءة عن التيوس"
"سيدتي اوقفي القراءة عن التيوس"
A+ A-

"أبويَ تيس" هكذا تبدأ جِنين روايتها عن بطولات أبيها ومواقفه مع العدو الاسرائيلي التي لا تخلو من الفكاهة، وتمسّكه بأرضه وبيته حدّ العناد، حتى درج بين زوجته وأولاده أن يتهامسون عليه ب "التيس"، وعنونتها "فلسطيني تيس".. 

 هذه الأحداث هي جزء من رواية "مصائر: كونشرتو الهولوكوست والنكبة" للفلسطيني ربعي المدهون. كم يروقني ذلك.

وجدتُ اسم الكتاب صدفةً في إحد التعليقات على "بوست" صديق يمتدح فيه اللهجة الفلسطينية ويعبّر عن إعجابه بها.

خلال أقل من خمس دقائق، وبهدوء حكمة خبير في مجال التطبيقات الالكترونية الخاصة بالكتب، حمّلتُ الكتاب ـ كالعادة ـ وقرأته. قررت فجأة شراءه بنسخته الورقية وإهداءه إلى صديقي، صاحب البوست.

أخبرته ـ للتمويه والحفاظ على عنصر المفاجأة ـ أني أقرأ كتابا عنوانه "فلسطيني تيس"، هذه العبارة التي لم تعلق بذاكرته إلا "التيس الأخير"، فقال معلّقاً " توقفي عن القراءة عن التيوس، وأنت بتعرفي ليه! " وكنت حقاَ حينها أعرف "ليه".

أنا أستنزف عينيّ بقراءة ملفات "بي دي اف"، وأهديه نسخةً ورقية! شعرت بتضحية ما، فوثّقت ذلك أيضاً، ببوست آخر..

بعد أسبوع، الساعة السابعة والنصف صباحاً، قصدت المكتبة التي أوصيتها على نسخة من الكتاب لأنه لم يكن موجوداً لديها. وجدتُ الموظف المحنّك بانتظاري، وعلى طاولة أمامه ، نصف كعكة بالجبنة والسمّاق والكتاب جنباً إلى جنب.

أجّل شهيته للنصف الثاني، نفض يديه، لعق إبهامه للتخلص من آخر حبات سماق عالقة وهو يحلف أنه ترك امرأته والأولاد دون أن يفطر معهم كي يلحق موعدنا ولا يؤخرني، قدّم الكتاب عن الكعكة، و طلب إضافة ثلث سعره الأصلي، مقابل تأمينه من بيروت!

لعنتُه، سرًّا، وابتسمت ظاهريأ وأنا أناوله المبلغ المطلوب، عند عتبة الباب الخشبي، قررت ان لا أطأ هذه المكتبة بعد الآن.( ما زلت أحافظ على وعدي، حتى تاريخنا هذا، على الأقل) ..

تذمّرت من الباص بعد مماطلته بالانطلاق كمحاولة لـ " التقاط" ركاب أكثر، فتحت الباب فجأة، "كل دقيقة نطرة بتنحسب عليّ، مشواري طويل" ومشيت.

لعنني، علناً لرفيقه، سمعتُه، وابتسمت ظاهرياً وأنا أقول كارما يا الله! ألعن صاحب مكتبة عريقة، ليلعنني سائق فان!! ..

في باص آخر، كتبت إهداء كيفما اتفق، اعتذرت عنه فيما بعد ، بسبب الخط المتعرج حسب إيقاع الطرق المحفّرة.

بعد شهرين ونصف، قرأه، في جلسةٍ واحدة وفق قوله، خلال إحدى الليالي البيضاء التي يقضيها في عمله.

ـ تذكرتك كثيراً، أتذكرك كلما تذكرت التيس الأخير، عفواً أقصد فلسطيني تيس.

ـ هلّأ هيدا اللي طلع معك!!

ملاحظة: الكتاب أكثر من رائع، وهو حائز على جائزة بوكر العربية لعام 2017، أنصح به كل من يحب تاريخ فلسطين، ذكريات مواطنيها ولهجتهم الفريدة كقداسة هذه الأرض.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم