الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

عائلات ضحايا مجزرة الكيميائي لـ"النهار": موتُنا لم يغيّر شيئاً (فيديو)

محمد دياب
A+ A-

عائلات ضحايا الهجوم الكيميائي على الغوطة، غير معنية بكل الضجيج الذي رافق الحديث عن ضربة وما تلاه، فالموت هو الموت بالنسبة اليها، بغض النظر عن نوع السلاح القاتل. أكثر من ألف قتيل معظمهم من الأطفال والنساء. بعد مقتلهم، ظن الكثيرون أن شكل المنطقة لن يبقى كما نعرفه الآن. لكن لا شيء تغيّر، حتى في الأماكن المستهدفة، حيث لم يتغيّر الوضع كثيراً عن السابق. كل مافي المسألة أن عدد القتلى في تلك الليلة جاء أكثر من المعتاد. هذا الانطباع الذي خرجنا به بعد أن تحدثنا الى مجموعة أشخاص عاشوا ليلة الكيميائي وفقدوا أحبة فيها. لم نستطع أن نستشف الأمل في أصواتهم أو حتى في وجهوهم مهما حاولنا (عبر السكايب). جميعهم تحدثوا بهدوء شديد، قاوموا دموعهم، وتمسكوا بثباتهم وكأنه حبل النجاة الأخير، ثبات لا يهزمه الا الموت المتوقع في أي لحظة لكل من يعيش في الغوطة.


 


"النساء حكن الأقنعة"


جميع من تحدثنا اليهم عبروا عن سخطهم من المجتمع الدولي، ليس بسبب عدم ضربه النظام، بل بسبب ما اعتبروا انه تواطؤ على قتلهم. من المعضمية تقول السيدة أم علي:" حين أتى المفتشون توقف القصف لمدة يومين، ولكنه لم يتوقف يوماً من أجل سلامتنا نحن، او بهدف انقاذنا". واضاف رواد:" المنظمات الانسانية والدولية تقول انها لا تستطيع الدخول بسبب القصف"، ونحن نتساءل: "الا يمكن للقصف أن يتوقف يوما واحدا فقط من اجل ادخال المساعدات ،اخراج الجرحى كما حصل عند زيارة المفتشين؟". يضيف أبو مالك الذي فقد خمسة أشخاص من عائلته وأصدقائه المقربين، فضلاً عن العشرات من الوجوه التي كان يراها يوميا:" حين أسير في الشوارع اليوم، أتذكر الوجوه التي رأيتها مرمية في الشوارع، تتلوى بشكل غريب ويخرج منها الزبد. لقد فقدنا ذكرياتنا الجميلة التي كانت تربطنا بشوارع المدينة دون أن ننتبه، حرب التصريحات الدائرة حول الهجوم علينا والرد الأميركي لم يعنينا ابداً، لم يتصل بنا أحد من الائتلاف ليطمئن علينا، ويسألنا عما نريد ". فراس ابن الثلاثين عاماً من بلدة زملكا قاوم دموعه، واعتذر عنها قائلاً: " لن تحدث الضربة، كما أنه ما من أمل في حل سلمي، من لم يمت بالكيميائي قد يموت من القصف ومن سينجو من القصف قد يموت جوعاً". أبو محمد، الرجل السبعيني الذي لا يزال يرفض الخروج من المعضمية، لا يرى أن المجزرة احدثت اي اختلاف:" الحال هي نفسها قبل استعمال الكيميائي وبعده. ثمة أسباب عديدة لموتنا تحدث حولنا في كل لحظة. الجوع احدها مثلا، فقد مات أطفال بسبب نقص الغذاء، وآخرون قضوا نحبهم نتيجة جروح غير بليغة لم تلتئم جراء نقص الدواء والغذاء". أمير يوافق أبو محمد ويقول:" لم يتغيّر أي شيء سوى أن نساء البلدة حكن بواسطة الابرة والخيط كمامات للوقاية من الغازات للجميع نرتديها بعد أن نبللها بالماء عند حصول ضربة كيميائية أخرى، آملين بأنها ستبقينا على قيد الحياة ".


الحصار المستمر


تعد منطقة الغوطة إحدى أهم المواقع التي يقاتل النظام السوري بشراسة من أجل استعادتها من المعارضة، كونها المدخل الى العاصمة دمشق، فضلاً عن قربها من مطار دمشق الدولي. لذا فقد قام النظام في نهاية العام الماضي بفرض حصار مطبق على جميع مناطقها، تمهيداً لاستعادة السيطرة عليها، تعاني المنطقة كاملة آثاره.


طوال ١١ شهراً من الحصار، إعتمد الأهالي على ما يزرعونه في أحواض صغيرة، بالإضافة الى المونة التي يخزنونها في المناطق الزراعية على ما جرت العادة، بعد انقطاع جميع المواد الغذائية بما فيها حليب الأطفال والطحين، تقول أم عمر من زملكا: "لقد خبزنا مرتين خلال شهر رمضان، وكانت هذه آخر مرة نأكل فيها الخبز"، هناك ايضا، خدمة الكهرباء مقطوعة، ويعتمد الأهالي لمجابهة ذلك على مولدات الكهرباء التي تعمل لساعات قصيرة في اليوم بسبب انقطاع الوقود. اما شبكات تمديد المياه، فقد تضررت بالكامل وتدمرت الخزانات نتيجة القصف. يقول أبو مالك من زملكا:" استطعنا مد أنبوب لجلب المياه الصالحة للشرب من خطوط امداد حي جوبر القريبة، ولكن النظام انتبه لوجوده قبل أسبوعين وقام بتحويل مياه الصرف الصحي اليه، ما جعله طبعا غير صالح للاستعمال بعد الآن".


الفصائل المقاتلة


الفصائل المقاتلة على الأرض أكدت لـ"النهار" أنها لم تكن قد اتخذت أي إجراءات خاصة من أجل الضربة: السيد أبو سليم عضو المجلس المحلي في مدينة المعضمية، الذي يتولى إدراة شؤون المدينة، قال لـ"النهار":" بأن الحديث عن الضربة العسكرية لم يكن يعنينا، نحن نخضع لحصار قاس منذ أكثر من عشرة أشهر، وأبناؤنا صامدون على خطوط الجبهة على الرغم من كل القصف ومحاولات الاقتحام التي يقوم بها النظام".
وشدد على أن جميع المقاتلين في المعضمية هم من أبناء المدينة، على عكس ما يروّج له النظام.
وأضاف ابو سليم: " هناك إصرار لدينا على عدم السماح لجيش النظام بالدخول الى أرضنا حتى آخر شخص".
الناشط الاعلامي أمير من المعضمية الذي كان يغطي الأحداث في احدى مناطق الجبهة عند حدوث الهجوم الكيميائي، قال لـ"النهار":"لقد استهدف النظام أماكن تجمع مدنية، بعيدة عن الخطوط الأمامية للجبهة، آملا بأن يفتح الهجوم ثغرة تسمح له بالدخول الى المدينة، وهو في رأيي لم يستخدم السلاح الكيميائي على الجبهة خوفاً من تأثر جنوده به". هذه الرواية عن إستهداف عمق المناطق السكنية بعيداً عن الجبهة، كانت عبارة موحدة قالها جميع شهود العيان الذين تحدثت اليهم "النهار" في المناطق المستهدفة في الغوطتين الشرقية والغربية.


هل سيتمكن المجتمع الدولي من نزع السلاح الكيميائي أم لا؟ سؤال يشغل بال العالم كله، ولكنه لا يعني شيئاً بالنسبة الى أولئك الذين تحدث جميع هذه التطورات باسمهم. هم ينامون محتضنين حصارهم، ثابتين بانتظار الموت، حالهم كحال جميع المدنيين في سوريا، لا ناقة لهم ولا جمل في جميع الحروب التي تقام على شرف حمايتهم.


 


 في الفيديو الآتي الخاص بـ"النهار"، حارة الروضة في المعضمية التي تعرضت لهجوم كيميائي في 21 آب 


[[video source=youtube id=EvN5HvRIlNw]]


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم