السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

هل يتحوّل الاستفتاء في كاتالونيا إلى "ثورة مفتوحة"؟

جورج عيسى
هل يتحوّل الاستفتاء في كاتالونيا إلى "ثورة مفتوحة"؟
هل يتحوّل الاستفتاء في كاتالونيا إلى "ثورة مفتوحة"؟
A+ A-

تقع كاتالونيا في شمال شرق إسبانيا وهي أحد أهم المحرّكات الاقتصادية في البلاد إذ إنّها تشكّل حوالي خُمس الاقتصاد الإسباني. وتضمّ حوالي 7.5 ملايين نسمة كما تتميّز بلغة وثقافة مختلفتين تمّ قمعهما في عهد فرانكو. وتشير قناة "سي بي أس نيوز" الأميركيّة إلى أنّ الحكومة الإقليميّة في برشلونة تتمتّع بسلطات بارزة مثل إدارة شرطتها الخاصّة وتحمّل العديد من المسؤوليات في القطاعين الصحّي والتعليميّ. لكنّ الضرائب والسياسة الخارجية والمرافئ والقطارات هي في يد حكومة مدريد. 


"هويّة متميّزة"

حافظت كاتالونيا على "هويّة متميّزة" طوال قرون، لكنّ المطالبين بالاستقلال استطاعوا جمع قوّتهم للمرّة الأولى سنة 2010 بعدما منعت المحكمة الدستوريّة في إسبانيا إعطاء المقاطعة مزيداً من الاستقلال الذاتي. منذ ذلك الحين، نزل مئات الآلاف من الكاتالان إلى الشوارع في 11 أيلول جاعلين منه عيداً قوميّاً مطالبين خلاله بالاستقلال.

تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أنّ أقلّ بقليل من نصف سكّان المقاطعة يؤيدون الانفصال، لكنّ أكثر من 80% يؤيّدون إجراء الاستفتاء. وأعطى غياب الرضا عن الحكومة المركزية مزيداً من الزخم إلى المطلب الاستقلالي بعد الأزمة الاقتصادية (2008 – 2013) التي ضربت البلاد فارتفعت نسبة البطالة بشكل جنونيّ وازداد التقشّف مترافقاً مع توسّع المحسوبيّات في الحكومة المركزيّة. وفي سنة 2014، حاولت كاتالونيا تنظيم استفتاء غير ملزم لكنّه وُوجه بالرفض من قبل المحكمة الدستوريّة. وتبع ذلك استفتاء غير رسميّ شارك فيه حوالي 2.3 ملايين شخص حيث أيّد 80% منهم الاستقلال. وفي انتخابات 2015، فاز بالغالبيّة نوّاب يؤيّدون الاستقلال بفارق ضئيل.


اعتقال رئيس الحكومة؟

وازداد التوتر بين الطرفين مع محاولة مدريد قمع الاستفتاء مستخدمة "جهوداً غير مسبوقة" لتحقيق ذلك عبر ضبط أوراق الاقتراع وإغلاق المدارس التي يمكن أن تُستخدم كمراكز انتخابيّة. وتمّ توقيف مسؤولين كبار من المقاطعة واقتحام عدد من المقارّ الحكوميّة المحلّيّة وإغلاق مواقع إلكترونيّة مؤيّدة للاستفتاء. وأرسِل حوالي 4000 شرطي من إسبانيا إلى الإقليم وقد انضمّ هؤلاء إلى 5000 شرطي في المنطقة و 17000 عنصر من الشرطة المحلية (موسوس ديسكوادرا) وفقاً لوكالة "رويترز". وانقسم ولاء هذه الأخيرة بين الحكومتين المركزية والمحلية فيما شدّد المسؤولون في كاتالونيا على أنّ هذه القوة ستتلقّى الأوامر من السلطات المحلّيّة. ولم يستبعد المدّعي العام الإسبانيّ يوم الاثنين الماضي اعتقال كارل بيغديمونت، رئيس الحكومة الكاتالونية المؤيّدة للاستقلال. وقال وزير الخارجيّة الإسباني ألفونسو داستيس يوم أمس السبت في تصريح للأسوشييتد برس إنّ الاستفتاء هو "سخرية من الديموقراطية".


عمل "غبيّ"

لم تدعم أي دولة الاستفتاء علناً، فوصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانفصال عن إسبانيا بالعمل "الغبي". لكنّ البرلمان الاسكتلندي الذي يسيطر عليه الحزب المنادي بالاستقلال عن المملكة المتحدة، بعث برسالة إلى الحكومة الإسبانية معرباً عن "قلقه البالغ" تجاه تصعيد أعمال الدولة الإسبانيّة في كاتالونيا. وجاء في الرسالة أنّ ما تقوم به الحكومة المركزية تجاه أشخاص منتخَبين ووسائل إعلامية لا يمكن وصفه "بأي شكل من الأشكال تصرّفات ديموقراطيّة".




لكنّ القوى المؤيّدة للاستقلال تعرّضت أيضاً للانتقاد. منظمة "مراسلون بلا حدود" لفتت النظر يوم الخميس إلى أنّ الحكومة المحلّيّة والتيّارات المؤيّدة للاستقلال على وسائل التواصل الاجتماعي مارست ضغطاً خلق جوّاً خانقاً للصحافيّين الذين يحاولون تغطية الاستفتاء. وجاء في تقرير المنظّمة أنّ سعي الحكومة المحلّيّة لفرض رؤيتها للحدث في الإعلام المحلّي والإسبانيّ والعالميّ "تجاوز الخطوط الحمراء".


ثورة وفوضى؟

ومع ذلك، لم تتراجع كاتالونيا عن أهدافها "وسيكون من المنصف القول إنّ الحكومة المحلّيّة هي في ثورة مفتوحة". وقال المشرّعون المؤيّدون لحكومة كاتالونيا إنّهم سيعلنون الاستقلال خلال 48 ساعة إذا كان السكّان قد عبّروا عن رأيهم ب "نعم". وغرّد بيغديمونت على تويتر كاتباً: "لن نقبل ب (عودة) الأزمنة الأشدّ اسوداداً" في إشارة واضحة للقمع الذي تعرّضوا له في عهد فرانكو. ويوم الأربعاء قال لوكالة "أسوشييتد برس" إنّ نتيجة الاستفتاء ستكون مؤيّدة للاستقلال أكثر ممّا كان يمكن أن تكون عليه الأمور لو جرى منذ شهر.

تصرّ القوى المؤيّدة للاستقلال على إنجاز الاستفتاء بغضّ النظر عمّا تفعله مدريد مشدّدة على وجوب وقوف المصوّتين في صفوف طويلة إذا وجدوا رجال الشرطة يحرسون مراكز الاقتراع. وهذا يمكن أن يؤدّي إلى مواجهات في الشارع. مع ذلك، دعا المجلس النيابي المحلّيّ الكاتالان للابتعاد عن العنف بشكل تام. إذ إنّ "صورة ملايين الأشخاص مصطفّين وحاملين ورقة اقتراع في أيديهم ستكون مدعاة تأثير أكبر"، كما جاء في الدعوة. لكن مع ذلك، يمكن أن يثير فوضويّون الشغب، إذ إنّ هؤلاء أتوا مؤخّراً إلى #برشلونة بحسب بعض الصحف المحلّيّة.


ماذا في التداعيات؟

بعد الاستفتاء، يمكن أن تعاني إسبانيا وكاتالونيا اقتصاديّاً إذا وصلتا إلى انفصال بدون اتّفاق. لكنّ "أن بي سي نيوز" تكتب أنّ الإقليم قد يواجه وقتاً أصعب إذا لم تستطع الحصول على دعم من خارج إسبانيا. ويقول الاتحاد الأوروبي إنّه في حال انفصلت كاتالونيا، يجب عليها أن تطلب رسميّاً من الاتّحاد معاودة الانتساب إليه، وهو أمر قد تعيقه إسبانيا. من جهة أخرى، لدى كاتالونيا الاقتصاد الأكبر بين المناطق الاقتصادية في البلاد، لكنّ العديد من بضائعها يأتي من الحكومة المركزيّة فيما تتّكل مدريد على المنتوجات الصناعيّة في كاتالونيا كما على مرافقها المخصّصة للتصدير.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم