الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

استفتاء إقليم كردستان ورسالة لا بد منها للأخوة التركمان

براء صبري- كاتب سوري
استفتاء إقليم كردستان ورسالة لا بد منها للأخوة التركمان
استفتاء إقليم كردستان ورسالة لا بد منها للأخوة التركمان
A+ A-

الاستفتاء الذي حدث في إقليم كردستان العراق جزء من تشكل الحقائق الجديدة في المنطقة التي ولدت خرائطها قبل قرن من الآن على يد الإنكليز والفرنسيين بصورة مشوهة حتمتها لغة المصالح وتوزيع النفوذ بين الدولتين العظميين حينها. حديث ما قبل الاستفتاء، وما بعده، لا يزال يُختزل في تهديدات شاملة للإقليم من دول ترفض الاستيقاظ من سباتها الطويل، وترفض رؤية العالم من نافذة الواقع الجديد. بغداد التي لا تزال تشاهد "داعش" المتمركز في الأنبار من عاصمتها بغداد تحاول النيل من الحق الكردي الممارس من خلال أداة ديموقراطية تسمى الاستفتاء في المنطقة. بغداد التي تصر على الاستنجاد بضخامة التحشد العسكري الإيراني المخرب في الشرق الأوسط، ضد مواطنيها الأكراد، وتحاول جلب تركيا المريضة جداً بمرض الفوبيا الكردية المزمن الى مربع المحاربة الخاصة بها للأكراد. وتركيا التي لا تعرف إلا التهديد الذي يبدأ عادة بصورة كبيرة، وينتهي مع الوقت بتصغيره لمساحة قضية وحيدة تعني جماعة سكانية من الجماعات التي تعيش في دول الجوار التركي، وهي قضية الاخوة التركمان المنهكين من استخدام تركيا لهم مستعدة دوماً لنوع كهذا من الاستدعاء والاستعداء. 

تركيا تتحدث حالياً عن افتراض تدخلها العسكري ضد الإقليم في حال حصول عمليات قتل جماعي للتركمان في كركوك! هذا الخطاب الفارغ من المحتوى والبعيد عن الواقع يجلب الويلات على الأخوة التركمان في معظم المناطق التي يعيشون فيها. التجارب السابقة القريبة عن مدى نفاق تركيا كدولة بتفعيل التزامها بخطاب الحماية المفترضة لهؤلاء واضحة للجميع. كانت الخطوط الحمراء التركية ضد نظام الأسد قوية في ما مضى عندما كان نظام الأسد وقتذاك يقترب من مناطق تجمعات التركمان في تلكلخ الحدودية، وعندما كان ذلك النظام معزولاً دولياً، وعندما كانت تركيا في عز قوتها في المنطقة. الخط الأحمر في حماة، وحمص، وتلكلخ، الذي هددت به تركيا نظام البعث في دمشق أصبح أخضر أبدياً في ما بعد. وتحولت هذه التهديدات ضد دمشق مع الأيام الى خطاب المخاوف من الحلم الكردي في شمال سوريا. وبدأ التقارب غير المباشر مع نظام الأسد نفسه، والمباشر مع حلفاء الأسد من الإيرانيين والروس واضحاً، وظهرت المصافحات المستمرة في الاستانة، وغيرها عنوان لمرحلة ما بعد الخط الأحمر التركي في سورية. ولم يبقَ من كل العمل التركي في سوريا سوى هدف تثبيط الأكراد، ونسيان غيرها من القضايا، والتي كان من المفترض ان حماية التركمان فيها أولوية أنقرة. اللهم إلا إذا اعتبر الأخوة التركمان السوريون ان الظهور المتقطع لبعض ساستهم ضمن اجتماعات رجال العدالة والتنمية مع بعض جهات المعارضة السورية المنتهية الصلاحية حالياً بين الحين والآخر على الشاشات التلفزيونية رمزاً للتكاتف العتيد للأمة التركية القادم من ما قبل عهد السلاطين. 

قبل فترة ليست ببعيدة تحدثت تركيا عن هجومها العسكري المباشر على جماعات الحشد الشعبي العراقية القريبة من إيران في حال دخولها إلى بلدة تلعفر التركمانية. الحشد الشعبي المحدد كهدف لأنقرة هي الجماعة العسكرية العراقية الشهيرة هذه الأيام، والمثيرة للقلق، والمحسوبة على إيران العدوة اللدودة لتركيا في معركة النفوذ على الشرق الأوسط دخلت تلعفر التركمانية! ومر الدخول الإيراني الحشداوي للمدينة بهدوء، وظلت تركيا تراقب بصمت من مراكزها القريبة للعمليات. حدثت هذه الخيانة التركية بحق التركمان بالضبط كما حدثت قبلها النكسات التركية في سوريا. صمت تركي تام على تقدم إيراني شامل. 

اليوم، يمارس الساسة الكرد في محافظة كركوك مهنة التواصل مع التركمان بالقدر المستطاع، وتحاول تلك الجهات التقارب معهم، وتشوش تركيا من خلال التهديدات البغيضة للإقليم على هذا التقارب. جهات تركمانية ضعيفة في كركوك من التي لا تزال تعيش على الحلم العثماني تنخدع بهذه التصاريح، وتنجر لخطاب الكراهية غير المناسب. الجبهة التركمانية أو (تركمن ايلي) مثال حي لهذا الانجرار. ويلات ما بعد الانجرار مسيئة للكل. خطابات زعيم هذه الجبهة السيد أرشد صالحي دلالة على عدم رؤية المتغيرات في المحيط العراقي والإقليمي من قبله. ينسى الرجل وجماعته أن تركيا اليوم ليست تركيا ذات التوجه القوموي البحت. هي تركيا جديدة قومية الذهن ومذهبية النية. رضيت تركيا في ما مضى بأفعال داعش السنية المذهب تجاه التركمان الشيعة. نسيت تركيا هويتهم التركمانية، ولم يلاحظ الرجل، وجبهته الوطنية، ذلك النسيان. كذلك رضيت تركيا بالحشد الشعبي في العاصمة المصغرة للتركمان العراقيين، وركزت على استفتاء الإقليم. حالياً، تتحدث تركيا عن تقاربها الكبير مع بغداد، ومع الجهات الأكثر كرهاً للإقليم، وهي نفسها الجهات التي رضيت بالمصائب التي حلت على تركمان العراق، واستخدمت التركمان بعضهم ضد بعض في حرب المذاهب الدموية في العراق. فكيف ينتظر زعيم هذه الجبهة عودة تركيا القوموية الى مضاربه، وكيف ينتظر النجدة من حكومة تجتاحها عواصف الجهات المذهبية التي لها باع طويل في فتن العراق وغير العراق حتى، وكيف ينتظر هذا الدعم من حكومة دولة ترى في خطب القرضاوي المداحة لها نعمة. 

 التركمان يعيشون كالأكراد في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق. يُلاحظ الجميع قوة هؤلاء الاخوة التركمان في سوق المدينة. فهؤلاء التجار القديرون فهموا مدى أهمية التعايش الكردي - التركماني في البلد الذي ينتمي إليه كلاهما أكثر من أخوتهم في باقي المناطق ذات التداخل مع الأكراد في العراق. لم ينتج من هذا التفاهم غير تطور المصالح العامة ذات النفع للجميع. على الأخوة التركمان تفهم مدى استخدام تركيا لوجودهم في الدول المجاورة لجمهورية تركيا الواقعة في الأناضول كورقة ضغط لمصلحتها، ومن دون تبني قضاياهم المفترضة كشعب خارج حدود تركيا الرسمية. الحقيقة الوحيدة المستخلصة من الوقائع هي أن الأكراد، وبخاصة بعد مرور الاستفتاء بسلام، يريدون التعايش مع شركائهم في الإقليم الساعي ليصبح دولة ذات سيادة من كل المكونات، ويُطلب من هؤلاء، وخصوصاً الاخوة التركمان تفهم هذه الزاوية المهمة لمستقبل الجميع للسير معاً، ومع غيرهم من مكونات المنطقة في بناء كيان يمكن العيش فيه بسلام وحرية على غير مثال الكيانات المذهبية التي تجلب الدمار على المنطقة وشعوبها كتلك التي يطلب منها بغداد هذه الأيام الدعم ضد أربيل، بل كالتي تشبه بغداد نفسها حقيقة.

 براء صبري 

محلل، وكاتب من سوريا. يكتب في الشأن السياسي والاجتماعي للمنطقة،ومقيم قي إقليم كردستان العراق حالياً. يكتب في الصحف العربية، ويعمل مع المنظمات الإنسانية الدولية الغير حكومية.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم