الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

فضل شاكر عاد "طفلاً كبيراً" الى عين الحلوة

المصدر: "النهار"
فضل شاكر عاد "طفلاً كبيراً" الى عين الحلوة
فضل شاكر عاد "طفلاً كبيراً" الى عين الحلوة
A+ A-

بين فضل شاكر الفنان وفضل شاكر المعتزل، مسيرةٌ متكاملة طبعها فضل عبد الرحمن شاكر شمندر، المولود في الأول من نيسان 1969 والذي قضى طفولته في المخيمات الفلسطينية في تعمير مخيم عين الحلوة، قبل ان تبتسم له الأيام فيبدأ مشواره الفني عن عمرٍ يناهز الخمس عشرة سنة. وبعد مسيرةٍ فنية مكلّلة بالنجاح، أضحى فضل من أهم الفنانين العرب وأشهرهم على الاطلاق، هو صاحب الصوت العذب والحساس الذي ورّط الآذان في أغاني العشق والولع. لكن سخرية القدر أعادت شاكر أخيراً من حيث أتى، اذ ان حالته الاجتماعية تصنّفه اليوم في خانة الهارب من العدالة، كأنه عاد طفلاً كبيراً من حيث أتى الى تعمير مخيّم عين الحلوة نفسه، ذلك المكان الذي كانت منه نقطة الصفر. لكن الفارق بين الأمس واليوم، يكمن في ان فضل يبيت اليوم في عين الحلوة، ومعه تبيت محطاتٌ كثيرة من النجاحات، وكأنه خسر مملكة الشهرة بعدما بناها حجراً حجراً، ولم يأخذ معه في طريق العودة الى مسقطه سوى اسطوانات أعماله الفنية وتحسّر جمهوره على صورة فضل الفنان الذي "يا ضيعان صوتو، شو كان بدو بالهشغلة". 

الانطلاقة

لعلّ الخطوة الأولى في مشوار فضل شاكر الفني انطلقت من تعمير مخيم عين الحلوة، حيث كان المراهق يغني على أسطح المنازل ويبرّد ساعات العوز والفقر التي تجتاح الشوارع. وفي سن الخامسة عشرة، بدأت القصة يوم قرّر عمّه تبديل اسم عائلته، مما دفع بفضل الى السير في الاتجاه نفسه والسعي الى نيل شهرة شاكر بدلاً من شمندر، بعدما رفع دعوى تغيير عائلته، وما لبث ان فاز بها.

صيدا كانت أول مدينة أدفأها شاكر بعذوبة صوته، مراهقاً يغني في حفلاتها وأعراسها لعمالقة الطرب أمثال أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفريد الاطرش ومحمد عبد الوهاب. واستمرت المساعي حتى حقّق شاكر الخطوة التي كانت بمثابة "قنبلة" في عالم الشهرة مع أغنية "متى حبيبي متى" التي لحّنها بنفسه وأطلقها سنة 1998 في ألبومه الأول الذي حمل عنوان "والله زمان"، لتصير أغنية راسخة في أذهان العرب حتى يومنا هذا. وتعرّف في تلك الفترة الى شركة "الخيول للانتاج الفني"، وتعاقد معها لسنوات بعدما حاز دعم الموسيقار صلاح الشرنوبي الذي كان له فضل كبير عليه باعترافه الشخصي في اكثر من مقابلة تلفزيونية.


عالم الشهرة

اذا كانت الانطلاقة من اغنية "متى حبيبي متى"، فان الاستمرارية تجسّدت باغنية "بياع القلوب" التي اذهلت كلّ من سمعها سنة 1999لتتصدّر سباقات الأغاني لأسابيع وتحقّق شهرةً واسعة شملت العالم العربي. وما لبث نجاح العمل الفني ان دفع شاكر حينها الى تصويرها على طريقة الفيديو كليب لتكون الأولى في مسيرة اعماله المصوّرة. ومن وقتها صار فضل شاكر أحد أبرز الأسماء الفنية اللامعة في الوطن العربي.

وبعد "بيّاع القلوب" كرّت النجاحات، فأصدر ألبوم "الحب القديم" سنة 2000 حاصداً نجاحاً كبيراً مع اغنية "عاش مين شافك" التي نالت انتشاراً عربياً منقطع النظير. والسيناريو نفسه تكرّر سنة 2001 مع البوم "حبك خيال" الذي تضمّن اغنيات معمّرة الأثر كأغنية "حظّك يا قلبي". وتوالت النجاحات سنوياً حتى 2009 حيث أصدر ألبوم "بعدا عالبال" من انتاج شركة "روتانا" التي استمر في كنفها لسنوات في أقصى مراحل الشهرة، ثم ما لبث ان اصدر أغاني منفردة سنة 2010 منها اغنية "أنا اشتقتلك".


الاعتزال

فاجأ فضل شاكر جمهوره عندما قرّر اعتزال الفن في اعلانه الأول عن الخطوة الجريئة من صيدا، لأسبابٍ قال ان لها علاقة بمنحى ديني من جهة، وسياسي من جهة أخرى، حيث برز في خانة المؤيد للثورة السورية. وتحوّلت مواقفه رأس حربة في وجه النظام السوري، مع انتقاده السلوك الفني لفئة واسعة من الفنانين، ناصحاً عدداً من الفنانات بارتداء الحجاب والتوبة. كان شاكر حينها قد سلك خطّ امام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير، وبدأ يظهر معه في المناسبات الاجتماعية والخطابات الجماهيرية على حدٍّ سواء. وما لبث ان تحوّل من فنان الى منشد ديني، أدى بصوته أناشيد عدة، من أبرزها "سوف نبقى هنا" و"نوري اكتمل". استمر هذا الفصل حتى اندلاع أحداث عبرا، حيث برز اسمه مشاركا في المعارك التي دارت آنذاك بين الجيش والعناصر المسلّحة داخل المسجد. في حين ان الفنان المعتزل عاد ونفى في أكثر من تصريح اي مشاركة له في أحداث عبرا.

العودة عن الاعتزال 

لجأ شاكر الى مخيم عين الحلوة، بعدما بات مطلوباً للدولة نتيجة اتهامه بالمشاركة في حوادث عبرا ضدّ الجيش، وانقطعت أخباره، حتى قرّر الظهور حليق الذقن في مقابلة خاصة بثّتها "المؤسسة اللبنانية للارسال" خلال نشرة الأخبار. وكانت تلك المقابلة بمثابة مفصلٍ جديد في مسيرته، إذ أعلن أنه ينوي العودة عن الاعتزال وخوض غمار الفن مجددا، نافياً تحريضه ضد الجيش ومشيراً الى ان علاقته بالأسير كانت قد ساءت قبل حوادث عبرا. برز مناخٌ ايجابي في تلك الفترة، ينذر بإمكان تبرئة شاكر كما أكّد موكلوه.



الحكم

ما لبثت المحكمة العسكرية ان أصدرت حكمها في قضية عبرا، وقضت بطلب الاعدام للشيخ احمد الاسير وشقيقه، و 12 سنة لفضل شاكر، حتى تحوّل هذا التطور الى مؤشّرٍ مؤكّد لانتهاء مسيرة شاكر الفنية. الشارع اللبناني والعربي انقسم ابان هذه التطورات بين مؤيّدٍ للحكم، ومعارضٍ. وجاء من يصفه بالحكم المجحف والظالم. "ظلموني"، أغنية شاكر الشهيرة، تحوّلت في الأيام الأخيرة شعاراً اقتدى به محبّو الفنان الفلسطيني الأصل للتعبير عن سخطهم مما اعتبروه حكماً غير عادل. وجاءت أكثر المواقف التصعيدية المتضامنة مع شاكر لتقول ان "من فجّر مساجد طرابلس حرّ طليق، لكن من وقف بوجه بشار وقال كفى يحكم عليه بـ12 عاماً مع الأشغال الشاقة". فيما صفّق مؤيدو الحكم لما اعتبروها "العدالة التي انتصرت في النهاية"، واعتبر بعضهم أنه كان لا بد من الحكم على الفنان المعتزل بالاعدام عوض 12 سنة فقط. لكن ما كان لافتاً هو ان فئة واسعة من المجتمع اللبناني فضّلت التحسّر والتوجّه باللوم الى شاكر، هو الذي لطالما اعتبر فناناً مرهف الإحساس. هؤلاء كان قلبهم مع الفنان وعقلهم ضدّ المؤيد لأحمد الأسير. ولعلّ شاكر نفسه منقسم على ذاته، يتحسّر على صورة الفنان فيه، ويندم على بروزه في خانة الحليف لأحمد الأسير. هو الذي عاد اليوم ليعيش في ماضيه ومعه دروعه التكريمية لمسيرته الفنية، طفلاً في تعمير عين الحلوة.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم