الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

أيّ مكاسب لبوتين في تخطّيه واشنطن بتفكيك السلاح الكيميائيّ؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
أيّ مكاسب لبوتين في تخطّيه واشنطن بتفكيك السلاح الكيميائيّ؟
أيّ مكاسب لبوتين في تخطّيه واشنطن بتفكيك السلاح الكيميائيّ؟
A+ A-

المنظّمة التي من بين مهامها تدمير هذه الأسلحة وحظر إنتاجها وتطويرها وتخزينها واستخدامها، أشادت بالخطوة "المهمّة" التي سلكتها روسيا في هذا المجال. ويتطلّب تفكيك الأسلحة الكيميائيّة تمويلاً كبيراً لتحقيق الهدف بسبب عدد المنشآت والآلات المتطوّرة والمتخصّصين والكمّيّات الكبيرة من المخلّفات والنفايات والعديد من المصاريف الأخرى. وفي حين كان بوتين يستغرب إعلان الأميركيّين غياب التمويل لإنجاز التزاماتهم، تلقّى الروس على مدى سنوات تمويلاً متعدّد المصادر للتخلّص من المواد الكيميائيّة. فخلال كلمته، تحدّث الرئيس الروسيّ عن الصعوبات التي واجهتها بلاده على المستوى الماليّ من أجل تطبيق مشروعها للتخلّص من البرنامج الكيميائيّ، مضيفاً: "لكن في العام 2000 وجدنا الموارد لتسريع تنفيذ" العمليّة من دون أن يعطي تفاصيل أخرى. 


واشنطن وموسكو وتمديد المهل

بحسب وكالة "رويترز"، كانت #موسكو قد دمّرت 22% من ترسانتها بينما دمّرت #واشنطن نسبة 46% منها حتى سنة 2007. وهذا عنى بحسب التقرير، أنّ واشنطن لم تكن وحدها فقط من أعطيت مهلة إضافيّة لتدمير ترسانتها بل موسكو أيضاً إذ كان من المفترض أن تنجز الدولتان مهمّتهما سنة 2007 قبل أن يتمّ تمديد المهلة لعام 2012 التي عاد الطرفان وتجاوزاها. تحدّث حينها روجيليو فايفر، مدير عام المنظّمة، عن إنفاق الأميركيّين 20 مليار دولار وتوقّع أن يتكلّف هؤلاء حوالي 40 ملياراً كي ينهوا ما قد بدأوه.


واشنطن: 10 سنوات لتدمير 10%

بحدود 2012 كانت الولايات المتّحدة قد اقتربت من تدمير ترسانتها بنسبة 90% ومع ذلك، كانت التوقّعات بأن تتخلّص من جميع موادها الكيميائيّة متشائمة إذ لم يترقّب الخبراء إتمام عمليّة التدمير قبل سنة 2023. ففي سنة 2013، حين فازت منظّمة حظر الأسلحة الكيميائيّة بجائزة نوبل للسلام، توقّعت واشنطن أن تحتاج لعقد إضافيّ من أجل تدمير ال 10% المتبقّية من مخزونها الكيميائيّ والتي كانت تُقدّر حينها ب 3100 طنّ في حين كان لدى روسيا 5 أضعاف تلك الكمّيّة لتتخلّص منها بحسب موقع قناة "سي أن أن".

وفي تلك السنة، كان هنالك موقعان أميركيّان خزّنت فيهما واشنطن ما تبقّى من ترسانتها، في كولورادو وكنتاكي، بحيث بدأت بالتخلّص من الأسلحة في الموقع الأوّل سنة 2016 بكلفة حوالي 4.5 مليار دولار بحسب ما قاله مسؤولون لوكالة "أسوشييتد برس". ويُتوقّع أن ينتهي العمل بالتفكيك سنة 2020 موعد البدء بالتخلّص من المواد الكيميائيّة في الموقع الثاني.


موسكو: 4 سنوات لتدمير 50%؟

نيكولاي ليتوفكين من موقع "روسيا وراء العناوين" كتب أنّه بحدود 12 حزيران الماضي، بقي لموسكو فقط 1% من المخزونات الكيميائيّة الموروثة من العهد السوفياتي والتي سيتمّ التعامل معها لاحقاً. وهذا يعني أنّه في خلال أربع سنوات استطاع الخبراء الروس التخلّص من حوالي 50% من الترسانة الكيميائيّة أي حوالي 77% خلال 10 سنوات. وإن صحّت هذه التقديرات، تكون واشنطن قد احتاجت – في حال التزمت بالمواعيد – إلى حوالي 10 سنوات لتفكيك 10% من ترسانتها المتبقّية.




وفي كلتا الحالتين سيبقى السؤال مطروحاً على الدولتين: كيف تمكّنت روسيا من الإسراع في تنفيذ المهمّة؟ وبالعكس، لماذا تباطأت الولايات المتّحدة في تنفيذ موجباتها علماً أنّها تملك قدرات ماليّة أكبر من نظيرتها وكمّيّات أسلحة كيميائيّة متبقّيّة أقلّ ممّا كان متبقّياً لدى موسكو في السنوات الأخيرة؟


واشنطن موّلت موسكو!

بالعودة إلى موقع "روسيا وراء العناوين"، يقول فيكتور موراخوفسكي، مدير تحرير مجلّة "آرسنال أوتيكستفا" الروسيّة التي تُعنى بالشؤون العسكريّة، إنّه "يجب ألّا نحاول إخفاء واقع أنّ الدول الغربيّة أعطتنا مساعدة ملموسة في تدمير موادنا الكيميائيّة الحربيّة". وعدّد على رأس تلك الدول #الاتحاد_الأوروبي و #كندا والولايات المتّحدة حيث قدّمت تلك الأطراف "مئات الملايين من الدولارات واليورو". لكن على الرّغم من ذلك، شكّلت هذه الأرقام ما نسبته 2 إلى 5% ممّا تكبّدته روسيا ماليّاً لإنجاز مهمّتها. ولفت الموقع النظر في حزيران الماضي إلى وجود 100 ألف طنّ من النفايات الكيميائيّة التي لا يمكن معالجتها بل تحتاج إلى طمر. "هذا موضوع سيحتاج لمزيد من التمويل ومن غير الواضح حتى اللحظة من أين سيأتي".


مكاسب بوتين

لقد سجّل بوتين العديد من الأهداف الإعلاميّة لدى إعلانه التخلّص من آخر أسلحته الكيميائيّة. فهو لم يكتفِ بإبلاغ العالم "اللحظة التاريخيّة" بطريقة تقليديّة، بل أحاط عمليّة التدمير بهالة دعائيّة مهمّة بحيث أشرفت عليها منظّمة حظر الأسلحة الكيميائيّة إضافة إلى إعطائه الأمر النهائيّ مباشرة على الهواء وتأكيد مسؤوليه تنفيذهم الأوامر. كما نقل الإعلام كيفيّة تدمير الآلات لآخر الذخائر الكيميائيّة.

من جهة ثانية، لا شكّ في أنّ بوتين استغلّ الحدث في وقت تبدي #واشنطن مزيداً من التشدّد تجاه موسكو، ديبلوماسيّاً واقتصاديّاً. وهذا يعطيها مزيداً من التأييد الدوليّ في الصراع الثنائيّ بغضّ النظر عن خلفيّات هذا الصراع وتوزيع المسؤوليّات فيه. يضاف إلى ذلك، أنّه حين تُتهم روسيا بخرق السيادة الداخليّة للدول والتلاعب بنتائج الانتخابات وضمّ القرم ... يبدو الكرملين وكأنّه يخبر العالم بأنّه ملتزم بالقانون الدولي والإنسانيّ أكثر من غيره.

ولا شكّ في أنّ التوقيت بالغ الأهمّيّة هنا. لقد برز بوتين بصفته المسؤول الأوّل عن إنقاذ البشريّة من جزء مهمّ من أسلحة الدمار الشامل، فيما يبدو ترامب غير ممتنع عن إغراق منطقة الهادئ بحرب شاملة تضع أرواح الملايين على المحكّ.

واستكمالاً لما فعله في سوريا بعدما ألزم دمشق بتفكيك ترسانتها الكيميائيّة، يُظهر بوتين التزاماً غير مجتزأ بالتخلّص من هذه الأسلحة ضمن رؤية روسيّة شاملة لا تميّز بين الدول الصغرى والدول الكبرى تجاه الموجبات الدوليّة. وهذا يعني تأكيده وجوب أن يكون القانون الدوليّ متسيّداً على جميع اللاعبين بغضّ النظر عن حجمهم. وبموازاة ذلك، شكّك كثر بتفكيك دمشق كلّ ترسانتها الكيميائيّة وبأنّ موسكو قد ضغطت عليها بما فيه الكفاية لتلتزم بتعهّدها. وفي ذلك إشارة ضمنيّة إمّا إلى حثّ النظام السوريّ على الاقتداء بروسيا، وإمّا إلى أنّ النظام قد تخلّى فعلاً عن ترسانته بما أنّه لا يمكن لموسكو أن تتخلّص من أسلحتها الكيميائيّة قبل أن تنجز ذلك حليفتها الصغرى أوّلاً. في جميع الأحوال، رفع بوتين المسؤوليّة عن نفسه تجاه الملفّ الكيميائيّ لنظام دمشق.





الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم