الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

اتفاق اوسلو : عشرون عاماً من الخيبات\r\nالعالم تغير .. والدولة الفلسطينية تبقى وعدا

A+ A-

20 سنة مرت على توقيع اتفاق أوسلو الشهير الذي أدخل الفلسطينيين في دوامة المفاوضات التي لا تنتهي على جزء محدود من الأرض الفلسطينية المحتلة. منذ عشرين تغيرت اشياء كثيرة في فلسطين وفي الاقليم والعالم والمفاوضات لاتزال مستمرة ويسعى الراعي الاميركي لتجديد شبابها ومع ذلك فان الفلسطينيين لم يحظوا حتى هذه اللحظة بدولتهم المستقلة فالقدس لا تزال تحت الاحتلال والضفة الغربية ينخرها الاستيطان وغزة تزداد ابتعادا عن الضفة فما الذي تغير على الساحة الفلسطينية وما الذي لم يتغير ؟


أوصل اتفاق أوسلو لعام 1993 منظمة التحرير الفلسطينية، الى ارض فلسطين ونشأت، للمرة الاولى منذ سايكس بيكو، سلطة فلسطينية على جزء من أرض فلسطين. ولقد أرادت القيادة الفلسطينية انذاك من وراء أوسلو توفير الامر الذي طالما افتقدته الثورة الا وهو الارض وقاعدة الارتكاز التي ستخفف من سطوة الجغرافيا السياسية على المنظمة. وأرادت ايضا أن تنتزع من واشنطن والدول الاوروبية اعترافا رسميا بمنظمة التحرير. وفي المقابل فان خيار أوسلو كان يمثل في ذهن القيادة الاسرائيلية مخرجا من المأزق الديموغرافي الذي تورطت فيه إسرائيل بعد احتلالها للضفة الغربية وقطاع .
لكن كان من أبرز التغييرات التي دخلت الساحة السياسية الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو، انتهاء دور منظمة التحرير الفلسطينية التي هيمنت على هذه الساحة طوال عقود سابقة. ومع قيام السلطة الفلسطينية انتقلت عملية صناعة "الهيمنة" في المدى السياسي الجديد من أطر منظمة التحرير إلى أطر سلطة فلسطينية.
تسعى للتحول إلى دولة على إقليم فلسطيني. ولذا باشرت فور قيامها منح نفسها رموز دولة حديثة وشكلها، في المجالات المتاحة لها وفقا اتفاق أوسلو والاتفاقات اللاحقة. لقد انتقلت السلطة من حقل يخيم عليه خطاب التحرير والمقاومة، ويقيم ائتلاف فصائل مسلحة، ويتسم بالتعددية السياسية والفكرية
والاعلامية ، ويدير تحالفات عربية ودولية على أساس الموقف من حقوق الشعب الفلسطيني، إلى حقل تسيطر عليه سلطة مركزية تحتكر استخدام العنف في المناطق المحددة لها وفقا للاتفاقات مع إسرائيل .
وهكذا لم تعد منظمة التحرير بفصائلها المسلحة المتعددة ومقراتها في الخارج، هي التي تهيمن على الساحة السياسية الفلسطينية، وإنما سلطة جديدة تحتكر شرعية "العنف" الداخلي وصناعة القرار السياسي، وتقيم على إقليمها وتتفاوض مع إسرائيل. وبات يحكم سلوك السلطة الفلسطينية اعتباران
أساسيان: الاول، فرض سلطتها الوحيدة على إقليمها في مناطق الضفة الغربية والقطاع. الثاني، توسيع رقعة هذا الاقليم وتوسيع مجالات صلاحياتها كي تأخذ شكل دولة حديثة عبر قنوات التفاوض الثنائي، بإشراف أميركي. وقد نجم عن هذا تداعيات اجتماعية ـ اقتصادية وثقافية على مجتمع الضفة الغربية وقطاع غزة. كما نجم عن تهميش دور التجمعات الفلسطينية في الخارج ووضعها في حالة قلق شديد على مصيرها.
وفي الواقع وبموجب اوسلو، اعترفت منظمة التحرير في اتفاق أوسلو بحق إسرائيل في الوجود، وبشرعية احتلالها أرض فلسطين التي استولت عليها عام 1948 ، والتي تشكل مانسبته 78 في المئة من مساحة فلسطين التاريخية . وبهذا الاعتراف خرجت الارض المحتلة عاك 1948 من دائرة الصراع، ومن دائرة التفاوض، وتاليا صار أي أمر يتعلق بالتفاوض ينحصر فقط بالضفة الغربية وقطاع غزة.
وفي المقابل ، فأن إسرائيل اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، ولكنها في الوقت نفسه لم تعترف بحق الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع. ولا يوجد حتى الان أي تعهد اسرائيلي بالانسحاب من المنطقتين.
كما ان الاتفاق لا يشير إلى أن الضفة الغربية أو قطاع غزة هي أرض محتلة، وهو ما يعزز الاعتقاد بأنها أراض متنازع عليها، وهذا السلوك الذي أراد الاسرائيليون إثباته طوال الفترة الماضية، وتاليا تثبيت موضوع الاستيطان وتبادل األراضي. وهكذا صار الفلسطينيون أمام اتفاق لم يتمكن من تطوير السلطة الفلسطينية باتجاه الدولة الفلسطينية المستقلة، بقدر ما أوجد غطا ء للاستيطان والتوسع الاسرائيلي.
وفي الاطار نفسه تعهدت منظمة التحرير الفلسطينية بوقف المقاومة المسلحة، والامتناع عن ممارسة الانتفاضة او اي شكل من اشكال العنف ، والتزمت تماما بالمسار السلمي، كما التزمت بحذف البنود الداعية الى تحرير فلسطين أو تدمير الكيان الصهيوني من الميثاق الوطني الفلسطيني. وهذا الميثاق هو الذي قامت على أساسه منظمة التحرير عام 1964 حين لم تكن مناطق الضفة الغربية أو قطاع غزة قد احتلت. وهذا ما نسف كل الاسس التي نشأت عليها المنظمة.
وعندما تعهدت منظمة التحرير الفلسطينية بترك كل أشكال المقاومة المسلحة، وقصر نضالها على الوسائل السلمية، فإنها أدخلت نفسها في عملية تحريم وتجريم المقاومة المسلحة في المناطق التي تسيطر عليها؛ وتاليا وضعت نفسها في موضع ضبط وملاحقة كل من يخالف خطها السياسي في أماكن سيطرتها. وهذا ما جعلها تبدو وكأنها شرطيا لحساب اسرائيل الفلسطينية وحوّل الاحتلال الاسرائيلي إلى استعمار نظيف، ينفذه وكالء آخرون.
كذلك لم يشر الاتفاق إلى حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، أو إقامة دولتهم المستقلة ولو على جزء من فلسطين. ولم يتضمن أية إشارة إلى دور منظمة التحرير في السيطرة على الحدود، كما لا توجد أية إشارة للولاية القانونية للسلطة الفلسطينية على المستوطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ومُنعت السلطة الفلسطينية من إدخال أي نوع من الاسلحة الا باذن اسرائيلي وتاليا صار هناك خنق أمني إسرائيلي للسلطة الفلسطينية، كما صار هناك خنق اقتصادي أيضا إذ إن 70 في المئة من صادرات السلطة و 85 في المئة من وارداتها هي مع الكيان الاسرائيلي، وتستطيع إسرائيل متى أرادت وقف صادرات السلطة ووارداتها، ومنع تسليم إيرادات الضرائب المستحقة للسلطة، كما تستطيع تدمير البنى التحتية والمؤسسات والمصانع وتعطيل المواصالت كإجراءات عقابية أو وسائل ضغط على السلطة، إلى أن إسرائيل احتفظت بحق التحكم في تحرك الافراد، حتى إن رئيس السلطة نفسه لا يستطيع أن يدخل أو يخرج الا بإذن إسرائيلي.
والمفارقة الكبرى أنه في أي تسوية سلمية بين طرفين، وخصوصا بين المُحتل وبين ممثلي الشعب الواقع تحت الاحتلال، يتم حلّ القضايا الجوهرية ومن ثم يجري حلّ القضايا التفصيلية، غير أنّ ما حدث في الحالة الفلسطينية هو العكس تماما حيث حرى الاتفاق على الامور التفصيلية، ولكنه لم يحل القضايا الجوهرية، مثل مستقبل القدس والالجئين والمستوطنات اليهودية والحدود والمياه، ولم يضع سقفا زمنيا وتاليا تم ربط مصير القضايا الجوهرية أيضا بالارادة الاسرائيلية.
وهكذا تحولت السلطة على إثر هذه التسوية إلى كيان وظيفي، لا يرتبط استقراره وتطوره برغبة الشعب الفلسطيني وإرادته، بقدر ما يرتبط بمدى استجابته للشروط الاسرائيلية ، حيث من الممكن أن تمارس إسرائيل في حال عدم استجابته لمعاييرها وطلباتها بممارسة الضغوط السياسية واالقتصادية
والعسكرية والامنية، وشلّ عمل السلطة وإفشاله...
لكن فشل اتفاق أوسلو لم يكن بسبب اختلال ميزان القوى لصالح اسرائيل فقط، بل وأيضا بسبب تردد الادارة الاميركية وخضوعها وانحيازها األعمى لاسرائيل.
واليوم ومع تجدد الحديث عن العودة الى المفاوضات، فان المؤشرات على الارض سلبية جدا، وتوحي بان اسرائيل لم توافق على بالانخراط فيها مجددا رغبة في السلام ، بل تنفيذا لرغبات امنية اسرائيلية ورغبات اميركية محضة في ظل تدهور الوضع العربي ولاسيما في ظل انهيار سوريا والفوضى في مصر والارتباك العربي العام وتغيير مواقع القيادة العربية، وكل ذلك لايشجع على التفاؤل بعدما فقدت القضية الفلسطينية إلى حد بعيد امتدادها العربي، ومن ثم سقفا مقبولا للمفاوضات المقبلة. أما أمن إسرائيل ، وهو الاهم بالنسبة الى تل ابيب فيبدو أن وزير الخارجية الاميركي جون كيري طمأن رئيس الوزراء
الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن واشنطن ستحصّن إسرائيل عسكريا وتكنولوجيا وأن الضفة الغربية ستبقى مجردة من السلاح الثقيل ومن دون جيش، وأن هدف المؤسسات الامنية الفلسطينية هو الحفاظ الامن الداخلي الفلسطيني وضمان عدم استعمال الضفة ممرا او مقرا لمهاجمة إسرائيل


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم