الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

السارين في معلولا

روجيه عوطة
A+ A-

لا يبدو أن السارين في الغوطتين قد تبخر على أكمل وجه. ها هو يظهر في معلولا. من أجل تحويل الغاز إلى سائل، لا بد من عملية تكثيفية، حذّر منها بشار الأسد في مقابلته الأخيرة مع قناة "سي. بي. أس"، متحدثاً عن "توقع كل شيء". ينطوي التحذير هذا، على ضغط السياق الكيميائي، وتظريف استعمال أسلحته من جهات غير منضبطة البتة. بالتوزاي مع هذا التهديد الكلامي، يبرع البعث في "ضغط" غازه وتسييله في مصنع "الأقليات"، "مبرّداً" إياه في المناطق المسيحية، التي بدت في وقت "الضربة الأميركية" كأنها معامل لإنتاج السوائل الهشة، التي لا تفرز، على عادة الجسم الطافح، بل ترشح وتنهمر، على فعل العضو الناقص.
يتمثل النقصان في اللغة الوصفية التي تناولت الحرب المفترضة داخل معلولا، أو بالأحرى "المتوقعة"، من خلال الخبر الممانع، الذي سرعان ما تبيّن فيه أن الكنائس، التي تظهر محروقة فيه، قد اشتعلت من جراء قصفها النظامي في حمص وحلب. من هذه الناحية الدعائية بالذات، ركن الأسديون، سورياً ولبنانياً، إلى تسييل الخطاب عن المناطق المسيحية، والتركيز على حالها الضعيفة، التي تنتقل من "الدمع" إلى "الزيت". فمن اللافت، تركيز الإعلام البعثي على وصف معلولا بـ"البلدة الباكية"، لخوف سكانها، وذعرهم، في غياب قدرتهم على "المقاومة"، وصد الهجمات "التكفيرية" على البيوت ودور العبادة.
في هذه الجهة أيضاً، كتبت جريدة "الأخبار" اللبنانية (10 أيلول 2013) عن أمّ حنّا، السيدة الستينية من معلولا، التي "تسيل دمعة على خدها"، بينما تؤكد أن الجيش النظامي قد أخبر سكان المنطقة أن ثمة "مجزرة" وقعت في حقهم، على يد "جبهة النصرة". تضيف النازحة الدامعة: "يتجنب الجميع، من الكنيسة حتى صفحات الفايسبوك، الحديث عن المجزرة، كي لا ينتشر الذعر بيننا، لكون الضحايا لا يزالون مجهولين". بعد هذه الإضافة، تصبح دمعة أم حنا علامة على وقوع مجزرة بلا ضحايا في معلولا، بحيث أن السائل، الذي ينهمر من عينيها، يدل على سردية المقتلة، مثلما نقلها العسكر البعثي، ويخفي ضحيتها في الحين نفسه. فالدمع، في هذا التقرير الصحافي، ليس سوى فعل لا موضوع له، كما أنه، في كل تأويل، علامة على هشاشة "أقلوية". فـأمّ حنا ستدمع في كل الأحوال، أكانت المجزرة خبرية، أم واقعية. هويتها رخوة ومدرارة، بحسب ما يريدها ويصوّرها خطاب البعث.
إلا أن دمع السيدة أمّ حنا يحاكي "الزيت" الراشح من أيقونة العذراء في صيدنايا على مدى أربعة أيام، بحسب ما ذكر موقع "التيار". فبينما كان الإعلام الممانع، بما فيه الموقع الإلكتروني نفسه، يتكلم عن الهجوم "التكفيري" على معلولا، وما يتبعه من "ذبح وخطف واستفزازات وإجبار الناس على التكبير"، أورد "التيار" خبراً عن رشح الزيت اليومي، مساوياً بين خبر "المجزرة" وخرافة "العجيبة"، وسانداً الأول بالثانية. فالعذراء "ترشح" بسبب حزنها على "الأقلية المسيحية"، أو لأنها عاجزة عن إنقاذهم، ومن الممكن أن يدل الرشح الزيتي على سعي إلهي لشفاء "المعلولين"، والمهددين بالموت "التكفيري". يبقى أن السائل، الذي تبتلّت الأيقونة به، لا يؤدي سوى إلى تبريد المقتلة، والتمهيد لوقوعها في الدعاية والواقع على السواء. فالسردية الإبادية امتلأت بالسوائل، من دمع وزيت، تحضيراً لتسخينها، وتصييرها غازاً من جديد. هكذا، لن يتبخر السارين الأسدي قبل أن يخنق جميع السوريين المتروكين وحدهم، أكان من خلال التسييل، أم التهجير "الأقلوي"، أم الترسيب، أم التطريف "الأكثري". لا يكمن خطر العصابة البعثية في سلاحها الكيميائي فحسب، بل في كل أنواع موادها السارينية، التي إن سلّمتها، سلّمت نفسها.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم