الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

ترامب في لقائه الأوّل مع العالم يهدّد بالويل والثبور وعظائم الأمور

المصدر: "النهار"
هشام ملحم
هشام ملحم
ترامب في لقائه الأوّل مع العالم يهدّد بالويل والثبور وعظائم الأمور
ترامب في لقائه الأوّل مع العالم يهدّد بالويل والثبور وعظائم الأمور
A+ A-

لم يحدث في تاريخ #الأمم_المتحدة أن استخدم رئيس أميركي منبر الجمعية العامّة ليهدّد بتدمير دولة بكاملها، حتى ولو كان يحكم هذه الدولة نظام مارق على رأسه قائد متهوّر ودمويّ، كما فعل دونالد ترامب، عندما هدّد بتدمير كوريا الشمالية. بعدما وصف ترامب قادة #كوريا_الشمالية بـ "عصابة من المجرمين"، قال إنّ "الولايات المتحدة تتمتع بقوّة عظيمة وتتحلى بالصبر، ولكنها إذا اضطرت للدفاع عن نفسها أو حلفائها، فلن يكون أمامنا غير خيار تدمير كوريا الشمالية بكاملها". لم يحدث أن هدّد رئيس أميركي علناً بالانسحاب من اتفاق دوليّ وقّعت عليه أقوى دول العالم، ومنها حلفاء تقليديون للولايات المتحدة، مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، إلا حين هدّد #ترامب بتحقير توقيع سلفه باراك أوباما قبل سنتين على الاتفاق النووي "المحرج" مع ممثلي "النظام الإجرامي" في طهران. 

 لم يحدث أن دعا رئيس أميركي وهو يخاطب قادة العالم إلى احترام سيادة الدول، وأن يذكر هذه الكلمة 21 مرة خلال 42 دقيقة، قبل أن يهدد بعد دقائق بالتدخّل لمعاقبة هذه الدول، أو تغيير أنظمتها، أو إرغامها على إعادة التفاوض لتعديل اتفاقيات دولية أو حتى محوها من الوجود، كما فعل ترامب في أول لقاء له مع العالم تحت قبة الأمم المتحدة. جاء ترامب إلى الأمم المتحدة وألقى خطاباً سوداوياً وقاتماً مماثلاً بمضمونه القاتم خطاب تنصيبه الذي وضع فيه الخصوصية الأميركية في مواجهة العالم. وإذا كان المضمون جليدياً ونابياً، فإنّ النبرة كانت صدامية بامتياز، وتعارضت كلّياً مع النبرة المتّزنة التي ميزت معظم خطابات أسلافه أمام المنظمة الدولية، التي أدّت الولايات المتحدة الدور الأبرز في إنشائها بعد الحرب العالمية الثانية، لحفظ السلام والأمن الدوليين وتعزيز احترام حقوق الإنسان، وحلّ الأزمات والنزاعات عبر الوسائل السلميّة ومن خلال التعاون الدولي.

ويرى فيليب كراولي، الناطق السابق باسم وزارة الخارجية في حوار مع "النهار"، أنّ الرئيس ترامب تحدث عن "محور شر جديد، ضمّ فيه #سوريا وفنزويلا إلى العضوين السابقين إيران وكوريا الشمالية". ويضيف كراولي، الباحث البارز في مؤسسة الديبلوماسية العامة التابعة لجامعة جورج واشنطن: "هذه القائمة من الدول المارقة صحيحة، ولكن الرئيس ترامب قوّض دعوته للدول الأخرى للتضامن مع الولايات المتحدة، حين ادعى أنها تتحمل أكثر من غيرها المسؤوليات والأعباء الدولية". وأشار كراولي إلى المشكلة المزمنة التي يعانيها الرئيس ترامب، أي ضعفه في طرح الحلول للمشاكل والأزمات والتحديات والشخصيات التي ينتقدها بشكل لاذع. ويتابع: "طبعاً قادة هذه الدول متسلّطون ويقمعون شعوبهم، ولكن ما هو الطريق الذي يقترح السير عليه لحلّ هذه المشاكل والتحدّيات؟". ويذكّر كراولي بأنّ أسلوب ترامب هذا في التعامل مع النزاعات الدولية وخصومه الخارجيين، مماثل للأسلوب الذي استخدمه خلال حملته الانتخابية، "أي إنه كان ينجح في مهاجمة خصومه وطروحاتهم، دون أن يقدم حلولاً بديلة، وهذا ما فعله ترامب في الأمم المتحدة".



يمكن وصف أول خطاب يلقيه الرئيس دونالد ترامب أمام الجمعية العامّة للأمم المتحدة، بأنه سلسلة طويلة من تغريداته المعهودة بمبالغاتها وتهديداتها وتهوّرها وسخريتها وإهاناتها لخصومه، وخلوّها من أي مقترحات خلّاقة. ظاهرياً كان ترامب يخاطب العالم من الأمم المتحدة، ولكنه في الواقع كان يخاطب أيضاً قاعدته الضيّقة، لأنه جعل مفهوم "السيادة الوطنية" محور القسم الأول من خطابه الذي كان يمزجه بشعاره الانعزالي "أميركا أولًا"، الذي كان من أبرز شعاراته خلال الحملة الانتخابية. الخطاب كان حافلاً بالتناقضات. رفع شعارات "أميركا أولاً" و"السيادة الوطنية" يقول للعالم إنّ ترامب يريد التركيز على الداخل الأميركي، وحماية حدود البلاد ضد دخول اللاجئين، لا على حلّ مشاكل العالم ونزاعاته، وعلى رفض اتفاقيّات التجارة الحرّة الدولية والاهتمام بالمصالح الاقتصادية الأميركية، لا نشر قيم الديموقراطية وحقوق الإنسان، وهي مسائل كان جميع الرؤساء السابقين من جمهوريين وديموقراطيين يدعون لها في خطبهم الدولية، وإن كان عمق اهتمامهم وفاعليته بهذه القيم يتراوح بين رئيس وآخر. أكيد الرؤساء الأميركيون السابقون كانوا يهتمّون، في الدرجة الأولى، بصيانة مصالح أميركا السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، ولكنهم نادراً ما كانوا يتحدثون على منبر الأمم المتحدة عن "السيادة الوطنية" لأميركا، بل كانوا يتحدثون عن التعاون الدولي في إطار الأمم المتحدة. 

خطاب ترامب في الأمم المتحدة، يذكّر بخطاب بوش أمام الكونغرس في 2002 الذي هاجم فيه دول محور الشرّ: العراق، إيران وكوريا الشمالية، ووصفها "بالدول المارقة". وكان خطاب بوش آنذاك بمثابة تحضير الأرضية السياسية لغزو العراق. ومثل بوش استخدم ترامب لغة غيبية في وصف المواجهة مع الدول المارقة، مثل "وإذا قرر الصالحون الكثر عدم مواجهة الأشرار القلائل، فعندها سينتصر الشرّ". وتحدّث ترامب عن خصومه في الخارج مثل زعيم كوريا الشمالية كيم يونغ أون بنفس نبرة الاستخفاف والاستعلاء التي استخدمها خلال الحملة الانتخابية حين كان يعلّق النعوت الضيقة عليهم، من نوع "روبيو الصغير" في إشارة إلى خصمه السابق السناتور ماركو روبيو. ولكن الفرق هذه المرة أنّ أحد خصومه في الخارج يملك ترسانة نووية. ومع ذلك قال ترامب: "الرجل الصاروخي"، وهو عنوان أغنية شائعة للمغنّي البريطاني ألتون جون، ليصف كيم يونغ أون بأنه "يقوم بمهمّة انتحارية". ترامب يتحدث عن احتمال حرب شاملة مع كوريا الشمالية، يلوّح فيها المخططون العسكريون باحتمال استخدام رؤوس نووية تكتيكية وصغيرة الحجم لتحييد آلاف قطع المدفعية التي تهدّد سيول عاصمة كوريا الجنوبية. ومع ذلك يستمتع ترامب بالحديث عن "الرجل الصاروخي"، دون أيّ إشارة توحي بأنه يدرك معنى الحرب والعدد الهائل من الإصابات التي حذّر منها عدد كبير من الخبراء والعسكريين القدامى. وتحدّث ترامب عن مناطق مختلفة في العالم "في طريقها إلى الجحيم"، وكأنّ هذه المناطق هي في كوكب آخر. 

اقرأ أيضاً: ترامب في الأمم المتحدة... خطاب يعيد تحديد دور أميركا في العالم

بعض مقاطع الخطاب تبدو وكأنها منزوعة من خطب سابقة، هنا ترامب يخاطب العالم: "نريد الانسجام والصداقة لا النزاعات والمواجهات، ونحن مدفوعون بالنتائج لا الإيديولوجيات. لدينا سياسة الواقعية المبدئية، والمبنية على المشاركة في الأهداف والمصالح والقيم". ومع أنّ ادعاء ترامب حول غياب الإيديولوجيات غير صحيح، كان يذكر العالم بأنّ كل شيء لديه يمكن أن يلخّص بقيمته المادّية أو سعره.

واختبأ ترامب وراء مفهوم السيادة الوطنية، وحماية الوطن لكي يمنع دخول اللاجئين إلى الولايات المتحدة، مدعياً أنّ موقفه أخلاقي صرف، حين دعا إلى إبقائهم قريبين من مناطق النزاع. ولكن الصور المؤلمة لآلاف اللاجئين من "الروهينغا" الحفاة الهاربين من بورما إلى بنغلاديش، لم تحظ ولو بذكر عابر.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم