الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

سكريتيرة البطريرك وفضيحة "السيانيد"... القضاء الجورجيّ يعاقب الأب مامالادزي بالسّجن

المصدر: النهار
هالة حمصي
هالة حمصي
سكريتيرة البطريرك وفضيحة "السيانيد"... القضاء الجورجيّ يعاقب الأب مامالادزي بالسّجن
سكريتيرة البطريرك وفضيحة "السيانيد"... القضاء الجورجيّ يعاقب الأب مامالادزي بالسّجن
A+ A-

5 ايلول 2017. الحكم صدر. محكمة تبيليسي تقضي بسجن الاب مامالادزي (32 عاما) 9 سنوات، بتهمة محاولة قتل سكريتيرة البطريرك. مامالادزي الذي كان يشغل منصب مدير ادارة الممتلكات في الكنيسة الجورجية ومركز القديسة حنة والقديس يواكيم الطبي التابع لها، رفض ان يحضر جلسة اعلان الحكم، في وقت اعلن احد محاميه ميخايل راميشفيلي ان الحكم القضائي "لا اساس له اطلاقا"، والقاضي بيزيك بوجيانيشفيلي "عبد" للقيادة الجورجية الحالية وبعض الوجوه المتنفذة في البطريركية الجورجية. "المحاكمة اكدت ان لا محكمة عادلة في جورجيا"، على قوله.


كذلك، وصف متروبوليت شكونديد المطران بيتري المحكمة بانها "محكمة بيلاطس". انه المطران الذي سبق ان دافع عن مامالادزي، "لانه ضحية شخصيات دينية عالية المستوى وسكريتيرة البطريرك"، متهما "شخصية متنفذة معينة في البطريركية" بانها اوقعت به.   


مؤامرة تسميم 

13 شباط 2017. الخبر تناقلته الوسائل الاعلامية في جورجيا وارجاء العالم، بشيء من الذهول. "كنيسة جورجيا الارثوذكسية ضبطت في مؤامرة تسميم". "جريمة قتل مزعومة تهز كنيسة جورجيا الارثوذكسية". "مؤامرة للتسميم في قلب كنيسة جورجيا الارثوذكسية"...

(الاب جورجيو مامالادزي) 


في التفاصيل، اوقفت السلطات الجورجية الاب مامالادزي في 10 شباط 2017 في مطار تبيليسي، وفي حقيبته "سيانيد"، وفقا للمدعي العام الجورجي ايراكلي شوتازدي، وذلك اثناء محاولته السفر الى المانيا للقاء البطريرك ايليا الثاني (84 عاما) الذي كان يتعافى من عملية جراحية في المرارة خضع لها في برلين. وبعدما اعلن يومذاك ان محاولة القتل كانت تستهدف البطريرك نفسه، سرعان ما بينت التحقيقات ان المستهدفة بها سكريتيرته شورينا تيترواشفيلي "القوية"، و"صاحبة النفوذ الواسع في البطريركية"، على ما توصف به، والتي كانت برفقة البطريرك في المستشفى في المانيا.   


شكوك وارتياب 

فضيحة! قضية مماثلة "لا يمكن الا ان يكون لها تأثير سلبي على الكنيسة الارثوذكسية في جورجيا، والتي طالما تمتعت باعلى مستوى من الثقة في البلاد"، تقول المديرة التنفيذية لصحيفة "ذو مسنجر" الجورجية غفانتسا غابيخاتزي في حديث الى "النهار". وتضيف: "حتى المؤمنون يقولون، والامر واضح، ان مثل هذه القضية تضر بصورة البطريركية، وتتسبب بشكوك لدى المؤمنين. ومن المحتمل جدا ان تؤدي هذه الشكوك الى الارتياب بالكنيسة وممثليها، خصوصا لدى الشباب الذين هم اكثر انتقادا لامور مماثلة".

محاولة قتل بدافع "الحقد"، على ما جاء في بيان اصدرته المحكمة قبل جلستها الاخيرة. ورغم الحكم، يقر الادعاء بانه "لا تزال هناك اسئلة تحتاج الى اجوبة في هذه القضية. على سبيل المثال، لم يتم اثبات المكان الذي اشترى منه مامالادزي السيانيد"، وفقا لصحيفة "ذو مسنجر".  


غير ان الادعاء يقول ان "التهمة الاساسية بان المتهم اراد استخدام السيانيد لارتكاب جريمة قتل، أُثبِتت عليه"، وفقا لـ"ذو مسنجر". وتنقل عن المدعي العام جاجي تسيكلوري ان "الادعاء قادر على تأمين كل الادلة الضرورية لاثبات ان مامالادزي مذنب. "اثباتنا انه مذنب أكده حكم القاضي". 


تسجيل فيديو... وشركاء 

احد اقوى الادلة التي يستند اليها الادعاء، شهادة رجل- وهو ليس سوى صديق مامالادزي الصحافي ايراكلي مامالادزي- "اخبر السلطات ان الكاهن طلب منه شراء السيانيد لقاء حصوله على "عمل جيد". وهناك تسجيل فيديو في الواقعة، و"يطلب فيه مامالادزي من الرجل السيانيد لقتل السكريتيرة لوقوفها امام طموحاته الكنسية"، وفقا للسلطات الجورجية.


كذلك، لا يزال الادعاء يشتبه في ان مامالادزي لم يخطط وحده للعملية، على ما يفيد موقع "جورجيا توداي". وينقل عن المدعي العام في الملف زفياد غوبيلادزي ان "المحققين يشتبهون في ان لديه شركاء. ثمة تحقيق جار بهذا الشأن. واذا تم التعرف الى المشاركين الآخرين، فسيتم اتهامهم. في هذه المرحلة، سأمتنع عن تسمية هذه الحلقة الصغيرة، حفاظا على مصلحة التحقيق".  

(المديرة التنفيذية لصحيفة "ذو مسنجر" الجورجية غفانتسا غابيخاتزي)


"وراء ابواب مغلقة" 

محاكمة شائكة، تحقيقات صعبة. شخصيات دينية بارزة تدخل على الخط بين مدافع عن مامالادزي ومتهم له، بما يعكس بوضوح صراعا بين افرقاء متنفذين في البطريركية. من فريق المدافعين، ابن شقيق البطريرك متروبوليت باتومي ولازيتي المطران ديميتري شيولاشفيلي (56 عاما) الذي يعتبر ان هناك الكثير من الاسئلة التي لا تزال تحيط بالقضية.


"قضية السيانيد غامضة جدا. اليوم، باتت شكوكي اكبر ان الاب مامالادزي لم يشتر السيانيد. على مكتب الادعاء ان يبين لنا دليلا عن شرائه السيانيد، اذا كان لديه"، على ما يعلن. قضية الاب مامالادزي عرضها مع البطريرك. وينقل عنه "انه يعتقد بوضوح ان الكاهن لم يتركب هذه الجريمة".  

(البطريرك ايليا الثاني)

الفضيحة ابعد من التسميم بالسيانيد، على ما بات معروفا. والصراع شرس بين فريقين تحديدا في البطريركية على خلافة البطريرك، على ما كشفته بوضوح هذه القضية. هل وحدة الكنيسة مهددة في شكل ما، ام انها قوية الى حد تخطي هذه الفضيحة؟ تجيب غابيخاتزي: "الكنيسة الجورجية مؤسسة ضخمة. والاجماع المطلق في مؤسسات ضخمة مماثلة اقل توقعا. هناك رجال دين في جورجيا ومؤمنون من مستوى عال يتكلمون علنا على بعض السلبيات داخل الكنيسة. ومع ذلك، يحاول دائما البطريرك معالجة القضايا الخلافية وراء ابواب مغلقة، وتجنب تدخل الاعلام. ورغم ان قضية السيانيد شكلت صفحة سلبية للبطريركية الجورجية، اعتقد ان الكنيسة ستتمكن من تخطي الفضيحة، في وقت لا تزال الثقة بها عالية جدا".   توتر، تنافس، مؤامرات، خصوم... حرب صقور داخل الكنيسة. ما تتوقعه غابيخاتزي هو ان "يزداد التوتر اكثر في المستقبل مع تقدم البطريرك الذي يتمتع بثقة عالية جدا في جورجيا، في العمر. خلافته، او الشخص الذي يمكن ان يخلفه عندما يحين الوقت، مسألة كبيرة بالفعل"، على قولها.    


"السكريتيرة "المتحكمة"

منذ العام 1977، يقود ايليا الثاني الكنيسة، وله تأثير مهم على الحياة الاجتماعية والسياسية في جورجيا. كذلك، يعود اليه الفضل في اعادة احياء الكنيسة، بعد استعادة جورجيا استقلالها من الاتحاد السوفياتي السابق العام 1991، وايضا في رفع اعداد المواليد بنسبة 25% بين 2005 و2010، عبر تعهده بان يعمّد شخصيا كل المواليد من عائلات ارثوذكسية لديها ولدان على الاقل. منذ العام 2008، عمّد 11 الف ولد على الاقل. في احصاء اجري العام 2008، قال 94% من الجورجيين "انه الرجل الاكثر ثقة في البلاد".

(السكريتيرة تيترواشفيلي)


فضيحة السيانيد تحرج عهده، تهزّه. ضربة موجعة له. في حزيران الماضي، دقت عائلة الاب مامالادزي بابه من اجل لقائه. من اسابيع طويلة، طلبت الاجتماع به، من دون جدوى. "نحن متأكدون ان البطريرك لم يعلم اننا اردنا لقاءه. ونعتقد ان (السكريتيرة) تيترواشفيلي والمتروبوليت جاكوب بذلا قصارى جهدهما من اجل منع اللقاء"، وفقا لشقيق الكاهن ("ذو مسنجر"- حزيران 2017). في وقت لاحق، "قيل لنا انه يمكن لقاء البطريرك وحدنا، من دون محامينا. اعتقدوا اننا لن نقبل ذلك، لكننا مستعدون".  


ما تؤكده العائلة هو ان الاب مامالادزي برىء، وتوقيفه "خططت له السكريتيرة تيترواشفيلي التي تتحكم في كل شيء في البطريركية". وفقا للاهوتي ميريان غامريكيلاشفيلي، "تيترواشفيلي تقود فريقا من فريقين يتصارعان بشدة على خلافة البطريرك". "الفريق الخصم يترأسه متروبوليت باتومي ولازيتي المطران ديميتري شيولاشفيلي (56 عاما)، ابن شقيق البطريرك".  


ريبة وتحفظات 

ايا يكن، اتخذ سينودس الكنيسة قرارا بنزع لقب "المتقدم في الكهنة" عن الاب مامالادزي الذي يتمسك ببراءته. من البداية، طلب ان تكون محاكمته علنية، "لان لا شيء لدي لاخفيه". لكن رئيس مكتب الادعاء طلب ان تكون الجلسات مغلقة بسبب "الطابع الشخصي للفيديوات المتعلقة بالقضية". وقبل القاضي الطلب.


غير ان سرية الجلسات تطرح شكوكا تساؤلات في اوساط مراقبين ومتابعين للملف. ملاحظات عدة تسجلها غابيخاتزي بهذا الشأن. "جعل جلسات المحاكمة مغلقة بدا امرا سلبيا بالنسبة اليّ والى عدد كبير من الجورجيين، بحيث لم نُعطَ الفرصة لان نتوصل الى استنتاجات غير متحيزة، ومراقبة الوضع بانفسنا. ان يطلب مامالادزي فتح الجلسات بينما يقرر القاضي عسكه يبدو لي مريبا. لم يحصل الناس على فرصة للاطلاع على الادلة والتسجيل الكامل الذي استخدم كدليل ضد مامالادزي. كذلك، لا اجوبة حتى الساعة عن المكان الذي ابتاع منه السيانيد، ولماذا السيانيد، في وقت يستطيع الوصول الى مواد سامة حديثة اخرى كونه شخصا كانت له علاقة مباشرة بالوضع الصحي للبطريرك".  


(مقر البطريركية في تبيليسي) 

وتضيف سؤالا آخر عن "السبب الذي دفع مامالادزي الى تكليف شخص آخر ابتياع السيانيد، اذا كان هو مخطط الجريمة، وعن سبب عدم توليه المهمة بنفسه". وتقول: "اعتقد ان العديد من الاسئلة لا تزال من دون اجوبة".  


الحكم يتفاعل. وتسجل منظمات للدفاع عن حقوق الانسان اعتراضها وتحفظاتها، منها مركز حقوق الإنسان للمنظمات HRIDC غير الحكومي الذي اعلن عدم موافقته على الحكم الصادر بحق مامالادزي، معتبرا ان "اغلاق الجلسات أمام وسائل الإعلام والجمهور طوال 6 أشهر لا داع له". اغلاق الجلسات "خفّض مستوى الشفافية والعدالة والثقة العامة تجاه المحكمة"، على قوله، لافتا الى ان "شراء مامالادزي السيانيد لم يتأكد بعد".  

كذلك، اصدر المحامي العام الجورجي اوشا نانواشفيلي بيانا في الاتجاه نفسه، متكلما على انتهاكات عدة. القضية تعد بالمزيد في الاسابيع المقبلة. "قد نستأنف الحكم"، على ما يقول راميشفيلي، احد المحامين الثلاثة لمامالادزي. واذا اضطر الامر، "سنرفع القضية الى المحكمة العليا في جورجيا والمحكمة الاوروبية لحقوق الانسان في ستراسبورغ".


من جهتها، تأمل غابيخاتزي في ان "تكون جلسات الاستئناف مفتوحة. وفي هذه المحاكمة، سيعلن الحكم القضائي النهائي".         

[email protected]


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم