الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

رئيف خوري: الـذكرى للموتى ولا تـشمل الأحياء

المصدر: "النهار"
Bookmark
رئيف خوري: الـذكرى للموتى ولا تـشمل الأحياء
رئيف خوري: الـذكرى للموتى ولا تـشمل الأحياء
A+ A-
في الذكرى الأربعين لرحيل رئيف خوري (توفي عام 1967) تلفّتُ الى الوراء عندما كنت في السابعة عشرة، بينما انا احتفل بعيد مولدي وحدي، وفي دير غزير، جاء معلمي الاب منصور لبكي الموسيقي البارع، ومعطف اليتامى وخبز الفقراء، قال: أوَلست يا ربيعة، من نابيه؟ قلت: هي منّي. قال: اكتب كلمة عن رئيف خوري، رحمه الله، واذا شئت حضور لحظات الوداع فأنت حر. غداً تقدم لي النص فأنشره في الجريدة. اجتاحتني عاطفة غريبة يصعب تفسيرها، فعدت الى ذاتي طفلا في المعهد الانطوني، بعبدا، اصغي مع الجمهور الى رئيف خوري خطيباً، ولا اذكر المناسبة، فحدّث عن افلاطون وارسطو والمنطق والعقل، وقضايا لم تكن سلّتي تتسع لاستيعابها. لكني كنت اعلم انه ابن بلدتي، وانها منه وفيه ايضاً، وانه احب ترابها، وأنعشه هواؤها، ورافق أهلها في وجعهم والفرح.عندما سألت الكلمة: عمّ ستتحدثين؟، انفتحت نافذتي على نور التعبير، وانتشرت رائحة الريحان من حولي، وغمرتني عطور تشبه تلك التي عايشتها يوم رحيل عمي فريد ابو فاضل، صاحب مجلة "الرياض" وصديق رئيف. اشرفت شهيتي على الكتابة، وعدت الى الذاكرة، من جهة، والرؤية من جهة ثانية، فاستحضرت صورة ذلك الرجل يصعد، عبر التلال، حاملاً كيسا او ثمارا او الكثير من الحنان الابوي وهو فخور بنكهة الارض واريجها. التقليد هذا ورثه عن المعلم ابو رئيف الذي كان خارقاً في الحساب، وفي محبة الارض، وفي عمق احترامه للأجيال التي يحتضنها. اراد ان يكون لكلٍّ اجنحة، وكان يشعر بالعذاب حين لا يصغي الى نصيحته ولد جحود، او حين يعطّل الكسل وجهاً طيّباً لكنه يابس. حاولت ان ألملم العبارات المتطايرة في فضاء نابيه، ماذا كان يقول الاديب الكبير الذي طارح طه حسين وكتب كل الانواع، ومارس الشعر بمهارة، وحنت له الرواية والقصة عنقهما، ونظر اليه النقاد وآخرهم الصديق الدكتور سالم المعوش في كتابه "الادب العربي الحديث"، على انه طليعة رواد المقالة عندنا. يومذاك، حين ارتفع صوت رئيف، كان اهل نابيه متجمعين حول بوسطة المعلم يوسف لأنه لم يكن من راديو في القرية، وبينهم صديقه خازن.يبدو مما تناهى اليَّ ان رئيفاً كان في نابيه، يصغي الى اهلها، ولا يقول. فالحانوتي جرجس، والقصّاب بديع رحمه الله، والحلاّق جورج، رحمه الله، والمزارع سعدالله، رحمه الله، وغيرهم، كانوا له الزمان الآخر الحلو الذي يُنسيه ضجيج المدينة، وجولات الثقافة، وصولات السياسة، وهموم التعليم. وماذا كان المزارعون والناس العاديون يقولون للكاتب والشاعر والمناضل الجريء؟ كانت الحلاوة والأصالة والوداعة والروح الجبلية النبيلة تحدوه على النزول بلغته وبفصاحته وبفكره وبمشاعره الى ارض اهل بيئته. وما اكثر ما رأيته يبتسم لنكاتهم السمينة، ولحكمهم الثمينة، ولأخبارهم الساحرة. ولم يكن في ذلك،...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم