الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

بين المبدئيّة والواقعيّة ... هل يمكن لأوروبّا حلّ النزاع السوري؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
بين المبدئيّة والواقعيّة ... هل يمكن لأوروبّا حلّ النزاع السوري؟
بين المبدئيّة والواقعيّة ... هل يمكن لأوروبّا حلّ النزاع السوري؟
A+ A-

وطالب التقرير الأوروبيين باعتماد مقاربة تحفّز على إعادة اندماجٍ "أنعم" للمناطق التي لا يسيطر عليها النظام، بما يترك استقلالاً ذاتياً ومحلياً للبلدات التي تسيطر عليها المعارضة. ومن ضمن التوصيات، أورد التقرير في النشرة الصادرة أمس الثلاثاء، ضرورة إلحاق أجندة وطنية للانتقال السياسي بمقرّرات مجموعة الدعم وإقناع المعارضة بأهمية هذه المقاربة.  


مطالب مثيرة للجدل

ومع ذلك، لم تخلُ التوصيات بما يمكن أن يثير الجدل أو التحفّظات الداخليّة والخارجيّة، مثل تشجيع الأميركيين على عدم محاربة الإيرانيين في شرق سوريا والعمل على ضمان موافقة #إيران على مسار مناطق خفض التوتر. كما دعت إلى مساعدة #أنقرة في فهم أنّ هذا المسار يمكن أن يحتوي طموحات الأكراد وإلى إقامة شراكة مع أنقرة في شمال سوريا. وكان هنالك تطرّق إلى ضرورة إعادة الخدمات الأساسيّة والقدرات المؤسّساتية لسوريا، وإلى ضرورة تأمين بعض المساعدة في الحفاظ على استقرار المناطق التي يسيطر عليها النظام.

لقد حاول التقرير السير بين ألغام كثيرة، خصوصاً أنّه ركّز في العديد من الأماكن على ما هو عمليّ لا على ما هو مبدئيّ. ومع اعترافه بأنّ ما يطرحه معقدّ، يستبعد إمكانيّة وجود خيارات أخرى. لكنّ عمليّة خلق مكان للأوروبّيّين كي يتدخّلوا لبناء سلام في سوريا، خلال وقت يبدو فيه الروس والأميركيّون هم من يرسمون الخريطة السياسيّة من جديد قد يحمل تفاؤلاً مفرطاً. حتى الأميركيّون غير قادرين على المساهمة بشكل مبالغ به في المسار السياسي المقبل داخل سوريا بحسب ما رآه البعض.

فالكاتب فالي نصر في مجلّة "بوليتيكو" الأميركيّة توقّع منذ بداية التدخّل العسكريّ الروسي في سوريا أن يكون #بوتين هو باب الحلّ الديبلوماسيّ للأزمة السوريّة: "إنّها روسيا، لا الولايات المتّحدة، هي التي ترسم الواقع على الأرض" من أجل إطلاق المحادثات الديبلوماسيّة في ما بعد على أساسها. وكرّر ترامب خلاصة شبيهة بهذه الرؤية حين ألقى الاتّهام على باراك #أوباما بالتقاعس عن فرض نفوذ #واشنطن في سوريا، حين أتيح له ذلك قبل التدخّل الروسي.


توافق على الصعوبات

وافق عدد من المحلّلين على هذا الواقع السياسيّ والعسكريّ. السفير الفرنسيّ الأسبق إلى سوريا ميشال دوكلو كتب مقالاً في مجلّة "زينيث" الألمانيّة ملقياً اللوم أيضاً على إدارة أوباما لفشلها بالتعاطي مع الأزمة ولمساهمتها غير المباشرة في انتشار ظاهرة الإرهاب من خلال امتناعها عن دعم المعارضة المعتدلة بالسلاح. لذلك، وعلى غرار تقرير المجلس الأوروبي، دعا السفير الدول الأوروبيّة إلى الانخراط أكثر في دفع مسار التهدئة قدماً، علماً أنّه اعترف أيضاً بالصعوبة الكبيرة التي ستواجهها أوروبّا في هذا المجال. ويلقي دوكلو الضوء على الأهمّية التي اكتسبها بعض الديبلوماسيّين الأوروبّيّين بعد انتخاب الرئيس الفرنسيّ إيمانويل #ماكرون.


محاذير أمام ماكرون

لكن هنا يبدأ الاختلاف في التقييم بين المجلّة والمجلس. فالأخير يتخوّف من أن يكون ماكرون في إطار رؤية سوريا كبوّابة لاستعادة الهيبة الفرنسيّة فقط، لا مشروعاً لإعادة أوروبّا إلى الخريطة العالميّة. لذلك يحذّر المجلس ماكرون من الانخراط في مجموعات جديدة أكانت مع الأميركيّين أو غيرهم لحلّ الأزمة السوريّة، منبّهاً من أنّ النفوذ الفرنسيّ وحده ليس كافياً ليحجز مقعداً للمصالح الباريسيّة في اتّفاق دولي محتمل حول سوريا.

ودعت "زينيث" الأوروبّيين لدفع واشنطن إلى دراسة استراتيجيّة أبعد من مجرّد تحرير الرقّة. وهذا سيساعد الغربيّين في ضمان فرض ضغط واضح المعالم على #الأسد من أجل تقديم المزيد من التنازلات. ويجب على الاستراتيجيّة أن تكون شاملة لأمن الشرق الأوسط بأكمله خصوصاً تجاه إيران، بحسب رؤية السفير.


إشكاليّة التعاطي مع إيران

أمّا بارنز-دايسي، البارز في المشروع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضمن المجلس، فينطلق في مقاربته من أنّ إيران تتمتّع بالقدرة على تقويض أي اتفاق حول سوريا لا يرضيها. لذلك يجب إقناع واشنطن في عدم الضغط على إيران، والاستماع إلى مقترحات وزير خارجيّتها الذي تحدّث عن خطّة من أربع نقاط تتضمّن تعديلات دستوريّة إلى جانب مقترحات أخرى. لكن كيف بالإمكان حثّ واشنطن على التغاضي عن توسع النفوذ الإيرانيّ بوجود إدارة إسرائيليّة متشدّدة وحكومة إسرائيليّة أكثر تشدّداً ضدّ إيران؟ إنّ مطلباً كهذا يمكن أن يجد إمكانيّة للتطبيق في حال استطاع الجنرالات الضغط على ترامب للتخفيف من التصعيد على طهران، الأمر الذي يبدو إلى الآن غير مضمون.


انحياز لصالح النظام

دعت كايت ألان في صحيفة "ذا غارديان" البريطانيّة الأوروبّيين والغربيّين إلى إحقاق العدالة في سوريا ومحاسبة الأسد لارتكابه جرائم حرب وقصف للمستشفيات، لأنّ "العدالة فقط يمكن أن تجلب سلاماً مستداماً إلى سوريا". لكنّ بارنز-دايسي يشدّد على أنّ الأسد سيبقى "اللاعب المسيطر" في "المستقبل المنظور" لذلك، هو لا يخفي أن تكون ورقته البحثيّة منحازة لصالح النظام بسبب تصاعد نفوذه العسكريّ مؤخّراً. لكن ما يمكن فعله في هذا المجال بحسب رأيه هو دفعه إلى القبول ب "انتصار أقلّ" من خلال وعده بالمساعدة الأمنيّة والماليّة – من دون التطبيع معه – بشرط ان يقبل ببعض الحكم الذاتي للمعارضين والمحصور ببعض المهام الأمنيّة والإنسانيّة في مناطقهم. ويكون في مقابل ذلك، بحسب الكاتب، الاعتراف بسيادة الحكومة المركزيّة على كامل الأراضي السوريّة.


جواب مؤجّل

تواجه أوروبّا معضلة حقيقيّة في التحرّك لإنهاء النزاع السوريّ. فهي عرضة لتداعيات أزمة اللاجئين الإنسانيّة التي غيّرت الكثير في المشهد السياسيّ الداخليّ لدولها. وعلى الرغم من ذلك، لا يملك الاتحاد الأوروبّي اليد الطولى في معالجة النزاع، على عكس الروس والأميركيّين. وحتى مع افتراض توحّد مختلف الرؤى الأوروبّيّة خلف سياسة سوريّة واحدة، يبقى من الصعب تأكيد طبيعة الورقة التي سيلعبها الاتّحاد الأوروبي للتخفيف من وهج النزاع والانطلاق في مسار التسوية. هل هي الورقة المبدئيّة أم الواقعيّة؟ يمكن أن يتوضّح الجواب في الفترة التي تلي الانتخابات الألمانيّة المقبلة.





الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم