الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

تفكيك الترسانة الكيميائية السورية نظرية حاذقة ومهمة مستحيلة يكلّف مليارات ويستغرق عشرات السنين ونتائجه غير حاسمة

A+ A-

بقدر ما أثار الاقتراح الروسي وضع الترسانة الكيميائية السورية تحت رقابة دولية زخماً ديبلوماسياً غربياً، سادت أوساط الخبراء والمحللين شكوك في شأن صعوبة المهمة والمدة التي يمكن أن تستغرقها، وصولاً الى استحالتها في ظل الحرب الاهلية الدائرة في سوريا.


اكتسب الاقتراح الروسي تفكيك الترسانة الكيميائية السورية قوة جذب أمس، مع قول باريس إنها ستعرض مشروع قرار في مجلس الامن لبلورة الفكرة وابداء الصين وايران دعمهما له. ومع تنويه وزير الخارجية الاميركي جون كيري بـ"الطريقة المثلى" لتجريد قوات النظام السوري من الاسلحة الكيميائية، واعلان البيت الابيض أن واشنطن "ستستكشف جدياً جدوى الاقتراح"، تبدأ مرحلة اختبار النيات في الامم المتحدة حيث بدأت مناقشات في شأن قرار محتمل يتعلق بنزع الاسلحة الكيميائية للنظام السوري. ففي نيويورك، يبقى السؤال الاهم كيف ستتعامل روسيا والصين، اللتان أحبطتا طوال سنتين ونصف سنة كل الجهود لفرض عقوبات على النظام السوري، مع تفاصيل المشروع، ومنها آلية وضع الترسانة الكيميائية السورية تحت رقابة دولية في خضم حرب دموية.


إحدى كبرى الترسانات
والى الألغام السياسية التي تواجه الاقتراح الروسي المفاجئ الذي حرك عجلة الديبلوماسية مجدداً وقلص الزخم الحربي الذي ساد طوال أسبوعين، ثمة صعوبات تقنية جدية تدفع خبراء الى القول إن الفكرة غير قابلة للتنفيذ.
في المبدأ، ليست ثمة معلومات كثيرة متداولة عما يعتقد أنه واحدة من كبرى ترسانات الأسلحة الكيميائية في الشرق الأوسط والعالم، مع عدم توقيع دمشق معاهدة حظر الاسلحة الكيميائية وقلة المعلومات الاستخبارية عنها.
في 23 تموز 2003، اعترفت سوريا للمرة الاولى بامتلاكها أسلحة كيميائية عندما هددت باستخدامها في حال حصول تدخل عسكري خارجي ضدها، وإن تكن طمأنت الى أنها لن تستعملها ضد شعبها.
وفي آذار، تبادل النظام والثوار السوريون الاتهامات باستخدام الاسلحة الكيميائية في الحرب الدائرة بينهما.
واستناداً الى مبادرة التهديد النووي، أطلق البرنامج السوري في السبعينات من القرن الماضي بمساعدة مصر ثم الاتحاد السوفياتي، قبل أن تنتقل المهمة إلى روسيا، وريثة الاتحاد السوفياتي، التي حافظت على دعم البرنامج السوري في التسعينات، قبل أن تنضم اليها ايران منذ 2005.
واستنادا الى هذه المنظمة المستقلة المعنية بجمع المعلومات عن أسلحة الدمار الشامل، يدير البرنامج السوري للأسلحة الكيميائية على ما يبدو مركز الدراسات والبحوث العلمية في دمشق. ويعتقد أن لدى دمشق مخزونات كبيرة من غاز السارين وغاز الخردل وغاز الاعصاب "في اكس". أما الوسائط الناقلة فتراوح بين صواريخ باليستية من نوع "سكود" والقنابل الجوية وقذائف المدفعية.
وتقدر أجهزة الاستخبارات الفرنسية حجم هذه الترسانة بـ"أكثر من ألف طن"، وهي تعتبر "الاكبر في الشرق الاوسط"، وأنشئت من أجل ايجاد توازن مع البرنامج النووي الاسرائيلي السري أيضا.


"مليارات وعشرات السنين"
في الشكل، يبدو الاقتراح الروسي بالنسبة الى الباحث في مؤسسة الابحاث الاستراتيجية في فرنسا أوليفييه لوبيك "متقنا"، وحتى "شيطانيا" لانه يكتسب مظهر الحس السليم والنية الحسنة. وقال في حديث الى صحيفة "الفيغارو": "من ليس مطلعا على الملف، يعتقد أن عملية التدمير ستكون فورية وأنه من السهل تنفيذها. الا أن هذا غير صحيح. بالتأكيد يمكن تقنياً مراقبة المواد الكيميائية وتدميرها، ولكن يستغرق تنفيذ هذا البرنامج عشرات السنين على الاقل". عملياً، يفترض في مرحلة أولى أن توقع سوريا معاهدة حظر الاسلحة الكيميائية التي دخلت حيز التنفيذ عام 1997 والتي تضم تقريباً كل دول العالم.
وفي مرحلة ثانية، يقول الناطق باسم منظمة مراقبة الاسلحة، وهي منظمة غير حكومية تسعى الى نزع السلاح، مايكل لوهان إنه على دمشق وضع لائحة بمخزونها وقبول وصول مفتشين الى أراضيها للتحقق من تصريحاتها "والتدقيق في كل كيلوغرام من المواد الكيميائية والذخائر"، كما يمكن تكليف مجموعة مفتشين من الامم المتحدة هذه المهمة كتلك التي حصلت أواخر آب في سوريا او التي عملت في العراق بعد حرب الخليج في 1991.
وهنا المشكلة. ففي رأيه، ان تحديد مواقع هذه الاسلحة وضمان أمنها وسط موقف ميداني متغير، يعتبران تحديا كبيرا.
ويوضح انه "يجب ضمان امن المفتشين وامن المخزون على المدى الطويل"، وهو ما يشكك في امكان توفيره، مبرزا "الصعوبة في تصور عملية تدمير مخزونات من الاسلحة الكيميائية السورية وسط حرب أهلية"، إذ "هذا ليس عملاً تريدون القيام به تحت تهديد وابل من القذائف في المنطقة".
ونقلت وكالة "رويترز" عن كبير مفتشي الامم المتحدة في العراق السابق ديفيد كاي ان "ذلك يتطلب، حتى في افضل الظروف، أعدادا كبيرة جدا" من فرق العمل لضمان مراقبة كل موقع على مدار الساعة ومنع دخول أي كان اليه.
وكان الامين العام للامم المتحدة بان كي مون دعا بعد الاقتراح الروسي الى انشاء مناطق خاضعة لاشراف الامم المتحدة في سوريا حيث يمكن "تأمين ثم تدمير" الاسلحة الكيميائية.
وهنا أيضا ستستغرق العملية سنوات وستكلف المليارات. فالولايات المتحدة انفقت نحو 35 مليار دولار في عقدين من الزمن للتخلص من 90 في المئة من مخزونها في عملية لن تنتهي قبل 2021.
وأفاد مايكل لوهان ان "صنع الاسلحة الكيميائية هو شأن ما. ولكن عندما يتعلق الامر بتدميرها، فان الامر يصير اكثر كلفة وحساسية بكثير على المستويين التقني والقانوني".
وتختلف عمليات ازالة الخطر بين العنصر المثبت في قذيفة او صاروخ على غرار الولايات المتحدة، او المخزن عشوائياً والذي يجمع قبل الاستخدام، كما هي الحال في روسيا. ففي الحال الاولى، تُتلف الاسلحة باحراقها في مصانع مخصصة لذلك، اما في الثانية فتعطّل فعاليتها بضخ مركّب كيميائي من اجل وقف فاعلية المادة.
وتشير معلومات الاستخبارات الفرنسية التي نشرت مطلع أيلول الى أن المخزون السوري "مخزن جزئياً بصيغة ثنائية، اي على شكل مادتين كيميائيتين تمزجان قبيل الاستخدام".
وتبدو هذه الطريقة قريبة من تلك المستخدمة في روسيا التي يشتبه في أنها ساعدت دمشق على وضع برنامجها للاسلحة الكيميائية في السبعينات.


تجربتا العراق وليبيا
وأعاد الاقتراح الروسي الى الاذهان تجربتي المجتمع الدولي مع ترسانتي النظامين السابقين في العراق وليبيا.
وقالت خبيرة الاسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية في مركز "جيمس مارتن لدراسات حظر الانتشار" في واشنطن إيمي سميسون إن نقص البيانات المؤكدة عن مخزون الاسلحة الكيميائية لدى سوريا سيعقد مسألة التحقق، مشيرة الى سنوات من المناورات بين مفتشي الاسلحة التابعين للامم المتحدة والرئيس العراقي الراحل صدام حسين كمثال على ما قد يحدث مع نظام الاسد. وأضافت أن "العراقيين كذبوا كثيرا. فعلوا كل ما في وسعهم لاخفاء برامج الاسلحة السرية هذه"، و"ليبيا لم تخرج نظيفة تماماً عندما سلمت برامجها لاسلحة الدمار الشامل".
وفي هذا الاطار، قال جوزف سرينسيوني من مؤسسة "بلاوشيرز فند" التي تعارض انتشار الاسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية: "ستكون هناك دائما مشكلة اخفاء قنبلة". وفي اشارة الى جهود سابقة للتأكد من المخزونات مقارنة بسجلات الانتاج، أضاف: "يمكن ان يحتفظ النظام ببعض الاسلحة التي لن تعرف عنها شيئا. لكن ثمة وسائل للتعامل مع هذا الامر".
لا شك في أن هذه الصعوبات التقنية، الى الشكوك في نيات الاسد وروسيا على السواء، دفعت الرئيس الاميركي باراك أوباما وزعماء غربيين آخرين الى التعامل بحذر مع الاقتراح الروسي.


[email protected]
Twitter: @monalisaf

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم