الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

الإرهاب المعولم

المصدر: "النهار"
هشام ملحم
هشام ملحم
الإرهاب المعولم
الإرهاب المعولم
A+ A-

في الذكرى السادسة عشرة لهجمات أيلول الإرهابية، لا يزال من الصعب استيعاب المعنى الكامل لبعض الحقائق والتغييرات التي طرأت على الحياة والاقتصاد والسياسة في أميركا وعلاقاتها الدولية. لم يحدث منذ نهاية حرب فييتنام أن شهدت أميركا يوماً دموياً غيّرها بشكل جذري كما حدث في صباح ذلك اليوم الأيلولي المشمس والجميل. قطعاً ليس اليوم الأكثر دموية في تاريخ البلاد، هذا حدث في 17 أيلول 1862 في معركة أنتيتوم في الحرب الأهلية التي نجم منها نحو 23 ألف ضحية بين قتيل وجريح ومفقود. ولكنه اليوم الثاني بعدد ضحاياه الذين قاربوا ثلاثة آلاف مدني، أي أكثر من 2403 عسكريين قتلوا خلال الغارات اليابانية ضد بيرل هاربر، في 7 كانون الأول 1941. 

تسعة عشر إرهابياً أنفقوا أقلّ من نصف مليون دولار لتمويل هجوم أدى إلى قتل الآلاف وجرحهم، وتسبب بأطول حربين في تاريخ أميركا لم تنتهيا حتى الآن، سقط فيهما أكثر من 6800 عسكري، وأدّى إلى أكبر عملية إعادة هيكلة حكومية خلال أكثر من قرن أدّت لإنشاء ثالثة أكبر وزارة: وزارة الأمن الوطني. وحتى الآن لا يوجد هناك رقم مؤكد وثابت للكلفة الاقتصادية لهجمات أيلول، لأنه من الصعب حساب بعض التكاليف مثل خسارة الإنتاج، ولأنّ كلفة الحربين مستمرة، ولأنّ كلفة علاج الجرحى جسدياً ونفسياً لا تزال تحسب بالمليارات سنوياً. ولكن الرقم المقبول بشكل عام هو 3.3 ترليون دولار (أي 33 ألف مليار دولار) وفقاً لدراسة مفصّلة لصحيفة "نيويورك تايمس".

الإرهاب قديم قدم الحضارة وقدم المجتمعات المنظّمة. كان دائماً سلاح الضعيف، وكانت كلفته محدودة للغاية، إلّا إذا نجح خنجر حادّ، أو رصاصة صائبة أو قنبلة في المكان الصحيح في قتل شخصية سياسية هامّة، وهذا ما حصل في أكثر من حقبة. الهجمات التي شنّها إرهابيو داعش والقاعدة ضد المدنيين في عواصم ومدن أوروبية في السنوات الماضية، تذكّر بالهجمات التي شنّها الفوضويون في القرن التاسع عشر. الفارق أنّ هجوماً إرهابياً في حيّ باريسيّ عام 1890 على سبيل المثال، يبقى حدثاً محدوداً يكتشفه سكّان المدينة في اليوم التالي. مثل هذا الهجوم اليوم، يبثّ مباشرة عبر الفضائيّات والإنترنت ويصوّر بالهواتف الذكية ويشاهده الملايين في العالم، ويشلّ عاصمة أو دولة لأكثر من يوم. الإرهاب المعولم أو إرهاب العصر الرقمي أظهر ضعفاً عضوياً في المجتمعات الديموقراطية المفتوحة، التي عليها التصدّي له بالقوة، في مجتمعاتها بعد تحصينها، وفي منابعه الإيديولوجية الخارجية. هذا وباء قديم يضرب مجتمعات تنقصها المناعة. استعادة المناعة تتطلب حلولاً خلّاقة ومراجعة شاملة لمسلّمات وقناعات كثيرة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم