الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

"موسترا" البندقية بعد الختام: تكريم عمل دل تورو لفتة جميلة لسينما الـ"جانر"

المصدر: "النهار"
"موسترا" البندقية بعد الختام: تكريم عمل دل تورو لفتة جميلة لسينما الـ"جانر"
"موسترا" البندقية بعد الختام: تكريم عمل دل تورو لفتة جميلة لسينما الـ"جانر"
A+ A-

الأميركية أنيت بينينغ وأعضاء لجنة تحكيمها كرّموا مساء السبت الماضي في ختام الدورة الرابعة والسبعين لـ #مهرجان_البندقية السينمائي (٣٠ آب - ٩ أيلول)، موهبة دل تورو الاستثنائية التي تستحقّ التقدير. فالمخرج المكسيكي استطاع خلق عالم سينمائي موازٍ في “شكل المياه” (إنتاج أميركي)، فبلغ المرتبة الفنية التي رست عليها رائعته “متاهة بان”.  

أُعطي الفيلم إذاً “الأسد الذهب”، أرفع جائزة في هذه التظاهرة التي تُعتبر الأبعد زمنياً في العالم، بعد ١١ يوماً من المشاهدة التي جمعت خيبات ولحظات غبطة وكل أصناف المشاعر المختلطة.

غييرمو دل تورو اثناء تسلّمه "الأسد الذهب".

قرار إسنادها لدل تورو ينسجم إلى حدّ كبير مع رأي عدد مهم من النقّاد الذين “باركوا” الفيلم الفانتازي المعروض في بداية المهرجان والذي أخرجنا من مزاج الأفلام ذات الصلة بالهمّ الاجتماعي. يروي “شكل المياه”، باختصار، علاقة غرائبية تربط كائناً برمائياً بموظفة بكماء (سالي هوكينز). تجري الحوادث في أميركا خلال الحرب الباردة. يكمن جمال الفيلم في رشاقته الإخراجية وإتقان الممثلين أدوارهم، يُضاف إليهما نصٌّ أوريجينال ومونتاج متداخل لا يترك مساحة لبرهة تائهة. القصة تأتي بجرعة انفعالات غير قليلة تتضمّن إيحالات سينيفيلية. ثمة مقاربة لتيمة التوحّش في السينما، مع شيء من الفيتيشية الجنسية المحبّبة التي تجعل فتاة طيبة القلب تقع في حبّ مخلوق برمائي. على الرغم من حرفته الكبيرة وجرأته، فالفيلم لا يناقش قضية ملحّة، إلا أنّ إسناده جائزة يُعتبر لفتة جميلة لسينما الـ”جانر” الذكية، التي تقع أحياناً ضحية سطوة “سينما المؤلف”، أقله في المهرجانات. ما نتابعه على الشاشة حكاية بالمفهوم التقليدي. يقول الخلاّق الكبير دل تودو إنّه يتصدّى للسينيكية من خلالها. البطولة التي تتولاها شخصية نسائية، هي ما زاد ربما من حظوظ الفيلم في البندقية. فاللجنة المؤلفة من ٩ أعضاء أكثر من نصفهم نساء (٥)، وبعضهن من النسويات المتعصبات.  

اقرأ أيضاً: زياد دويري لـ"النهار": فهمتُ تدريجاً أنّ الآخر حارب من أجل الوطن كما حاربنا (فيديو)

يستحق الفيلم “الأسد”، لولا وجود تفصيل صغير: فيلم كبير انقسم حوله الرأي العام الفينيسي كان أحق بها. أتحدث عن “مكتوب، حبي” للفرنسي التونسي عبد اللطيف كشيش. أظهر الفيلم الفارق الكبير في مقاربة #السينما بين الصحافتين السينمائية الفرنسية والأنغلوساكسونية. الأولى أعادت الاعتبار إلى فنان معذّب وهب المسابقة أجمل عناوينها. أما الصحافة الناطقة بلغة شكسبير فسارعت إلى محاكمة الفيلم أخلاقياً، وهذا تبدى جلياً في المؤتمر الصحافي عندما تم رشق كشيش بنعوت مضحكة من عصور خلت. وعلى غرار الصحافة، لم تُستفزّ مشاعر اللجنة تجاه عمل كشيش، بل يمكن القول إنّها اتجهت إلى نوع آخر من السينما، يُعتبر شكلياً نقيض ما قدّمه مخرج “حياة أديل”: هي أيضاً سينما مشغولة بعناية وحبّ واقتناع وصدق، على نحو يترك آثراً بالغة في النفوس، وتحمل فكراً هادفاً يحاول المخرج من خلاله إصلاح عتب ما ومناقشة قضية. لا يعني أنّ الأفلام التي وردت في لجنة بينينغ ليست قوية، ولكن الصواب السياسي هو الذي ساد في خيارات اللجنة، وكأنّ الأمر يعني بالنسبة إليها عبور حقل ألغام.

في “فوكستروت”، الفائز بالجائزة الكبرى، يفتح المخرج الإسرائيلي سامويل ماوز النار على المؤسسة العسكرية، هو الذي يتحدّر منها، وقد سبق أن فاز بـ”الأسد الذهب” قبل ٧ سنوات عن فيلمه “ليفانون” المعادي للحرب. “فوكستروت” ثاني أفلامه الروائية، وهو مصنوع باقتان شديد يتحكّم بكلّ المفاصل الدرامية، خصوصاً في الجزء الأول عندما يتلقّى أب عائلة (ليور اشكينازي) مقتل ابنه المجنّد خلال خدمته العسكرية، ليتّضح بعد لحظات وجود خطأ. تعرية الفكر العسكري في فيلم كابوسي ليست جديدة على ماوز الذي سبق أن صوّر جانباً كبيراً من عبثية الحرب في “ليفانون”. الفيلم كاد أن يشارك في مسابقة كانّ الفائتة قبل العدول عن الفكرة في اللحظة الأخيرة، وفق بعض المقربين من الفيلم.  

“حضانة” للفرنسي كزافييه لوغران (نال أيضاً جائزة العمل الأول) هو الآخر يستند إلى ملفّ مهم: العنف الأسري. جائزة الإخراج التي نالها مستحقّة. فهذا فيلم إخراجي في المقام الأول يتّبع مدرسة الـ”ناتورالية” السينمائية. زوجان (ليا دروكير ودوني مينوشيه) يخوضان معركة الحصول على حضانة ابنهما. يبدأ الفيلم بجلسة عند القاضية. منذ اللحظة الأولى يخربط المخرج الأوراق. ترى مَن منهما يكذب أكثر؟ هل صحيحة الإدعاءات في حق الزوج، والتي تصوّره وحشاً كاسراً يتصرّف مع عائلته ببطش؟ هذه الأسئلة تبقى معلقة في سياق الفيلم حتى نشهد بأم عينينا كلّ التفاصيل المُحكمة. السيناريو يتيح تصعيداً بالتدرج حتى بلوغ الحقيقة. إنّه “فيلم ملف” آخر، وهذا ما أوضحه في أي حال المخرج كزافييه لوغران عندما اعتلى خشبة المسرح لاستلام جائزته.

سامويل مواز مع ممثليه.

البريطانية الكبيرة شارلوت رامبلينغ فازت بجائزة التمثيل عن دورها في “هانا” لأندريا بالاورو، فيلم إيطالي ناطق بالفرنسية، لم تتح لنا فرصة مشاهدته. في أيّ حال، الأصداء التي تردّدت حول الأفلام الإيطالية لم تكن طيّبة. وهذه حال التشكيلة الإيطالية المختارة في الـ”موسترا” منذ سنوات. أكثر جائزة شكّلت مفاجأة عندي، هي التي فاز بها الممثل الفلسطيني كامل الباشا عن دوره في “قضية رقم ٢٣” لـ #زياد_دويري، وهو دور محدود لا يُمكن اعتباره رئيسياً. إلى درجة أنّنا نسأل إذا أُعطيت الجائزة بالأحرى للشخصية التي يضطلع بها، لا للأداء: لاجئ فلسطيني يتعرّض لمهانة فيردّ عليها بشتيمة. في لائحة جوائز أعادت الاعتبار إلى قضايا اجتماعية وسياسية تكشف حجم المأزق الذي نحن فيه، ليس مستبعداً أن تكون خلفيات الشخصية (ضحية ظلم تاريخي) هي التي سهّلت مروره إلى منصّة التكريم. فحتى في الفيلم نفسه، هناك في رأينا أداءات أفضل، هذا إذا أسقطنا من حسابنا ممثلين آخرين في أفلام أخرى. يبقى أنّه شيء مبهج أن ينال ممثل مسرح فلسطيني يمثل للمرة الأولى في فيلم بشكل محترف جائزة بهذا البرستجيج بفضل مخرج لبناني، وهذا، يا للغرابة، ما يعطي شرعية لرسالة الفيلم. 

"حضانة" لكزافييه لوغران. 

جائزة السيناريو كانت من نصيب “٣ لوحات إعلانية خارج ايبينغ، ميسوري” للبريطاني مارتن ماكدوناغ. معركة سيدة (فرانسز ماكدورماند) لإيجاد قاتل ابنتها التي ستضعها في مواجهة رئيس شرطة المنطقة (وودي هارلسون). فيلم قاتم حبس أنفاس النقّاد، وعرفت اللجنة الاستدلال إلى نقطة قوته: السيناريو. علماً أنّ ماكدوناغ ابن المسرح، ولكن هنا يذكّرنا بنمط شغل الأخوين كووين. أخيراً: جائزة لجنة التحكيم ذهبت إلى “وطن جميل” لوارويك تورنتون، مخرج أوسترالي ذاع صيته في المهرجانات بعدما فاز بـ”الكاميرا الذهب” عن فيلمه “شمشون ودليلة” العام ٢٠٠٩. الفيلم وسترن مستوحى من أحداث حقيقية.  

كامل الباشا، جائزة التمثيل. 

الخاسر الأكبر كان فريدريك وايزمان، معلّم السينما الوثائقية. فيلمه الجميل “مكتبة نيويورك العامة” ذو الـ١٩٥ دقيقة لم يُقدَّر، إلا من لجنة الـ”فيبريسي”. في المشاركة الأولى له داخل مسابقة مهرجان كبير، رغم سنواته الـ87، كان يمكن مدّه بجائزة، وإن بالمفعول الرجعي. هذا ينسحب أيضاً على روبير غيديغيان وفيلمه الرقيق “الفيللا”. كلاهما أهل لمصير فينيسي أفضل. أمّا “الملائكة تلبس الأبيض” للصينية فيفيان كو، فكان يستحق التفاتة أيضاً. هذه القصة لموظفة فندق تحاول الإفادة من جريمة اغتصاب وقعت في إحدى غرف ذلك الفندق بسيطة وصادقة وتشي بموهبة معينة في التقاط الواقع الصيني اليوم. وعلى الرغم من أنّ نحو ثلث المسابقة كانت أفلاماً أميركية، فهي لم تكسح لائحة الجوائز كما كنا نخشى. 

شارلوت رامبلينغ، جائزة التمثيل. 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم