الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"التوتّر العالي"... سرطان يهدد الأطفال والتجاذبات السياسية تعطل الحل؟

المصدر: "النهار"
سلوى أبو شقرا
"التوتّر العالي"... سرطان يهدد الأطفال والتجاذبات السياسية تعطل الحل؟
"التوتّر العالي"... سرطان يهدد الأطفال والتجاذبات السياسية تعطل الحل؟
A+ A-

عادت قضيّة خطوط التوتّر العالي إلى الواجهة من جديد، وسط استمرار اعتراض أهالي وقاطني المنصورية على عملية وصل خطوط التوتر العالي في المنطقة. هذه القضية ليست بجديدة بل تعود الخلافات العالقة فيها إلى أعوام غابرة. 5 أعوام مرَّت على إعادة تحريك الملف ولا تزال القضية "مكانك راوح"، فيما أهالي المنطقة خائفون من آثار هذه الخطوط على صحّتهم. 

من 2008 إلى 2017

في جولة لنا على أرشيف هذا الملف يتبيّن أنَّ الملف بات قيد التداول في عام 2008 حين طالب بعض النوّاب الدولة اللبنانية بضرورة اتخاذ تدابير احترازية تلغي الخطر المهدد لمنطقة يقطنها نحو 30 ألف نسمة. عام 2012، اتخذت الحكومة اللبنانية قراراً بمدّ خطوط التوتر فوق الأرض، وتحدثت عن آلية للتنفيذ عبر الاستملاك وكلِفته، فيما لم يقرّ مجلس النواب اقتراح قانون قدَّمه عشرة نواب من كتل مختلفة، يخصص اعتماد 60 مليار ليرة لأشغال كهربائية لنقل الطاقة الكهربائية بواسطة كابلات معزولة تمدّد تحت الأرض ضمن الأملاك العامّة، مباشرة بين محطات: بصاليم – المكلّس – عرمون. ومما يتبيّن في مقال كتبته الزميلة منال شعيا في 21 آذار من عام 2012، أنَّ الوزير جبران باسيل قال يومها: "إنَّ "المواطن يتعرَّض لـ2,2 ميكروتسلا، إذا كان واقفاً على جانب الشرفة، وهي نسبة أقل مما يتعرّض له من التلفزيون والخليوي والكومبيوتر"، ولفت يومها إلى أنه "إذا كان الخلاف على مدِّ الخطوط فوق الأرض فلتمدَّ إذاً تحت الأرض، شرط عدم عرقلة مشاريع الكهرباء رحمة بلبنان واللبنانيين". وجراء الخلاف يومها، فضَّل النائبان علي فياض وحسن فضل الله عودة الاقتراح إلى اللجان لمزيد من الدرس، فقرر يومها الرئيسان بري وميقاتي إعادة الاقتراح إلى الحكومة للدرس خلال مهلة عشرة أيام.

الكلمة الفصل للقضاء

في حديث لـ"النهار"، أوضح رئيس بلدية المنصورية وليم الخوري أنَّ "منطقة المنصورية لن تتأثر بخطوط التوتر العالي بل منطقتي عين سعادة وبيت مري، ولكننا نستغرب تغيُّر المواقف، إذ في السابق جاء بعض النواب إلى المنطقة وكانوا مقتنعين بأنَّ الخطوط مضرّة بالصحّة، والآن يقولون العكس. نحن طبعاً نريد الحصول على الكهرباء ولكن ليس على حساب الناس. لذلك، أطالب النواب بتقديم الاعتذار من الشعب لخطئهم، وموقفنا أنّ الكلمة الفصل للقضاء".

مستمرّون بالتصعيد

من جهة أخرى، لفت المنسّق بين الأهالي وقيادة حزب "الكتائب" فيكتور أبي سعد لـ"النهار" إلى أنَّ "الملف يرجع إلى عام 2003 لنكون أكثر دقّة والسلطة تقدم حججاً عدَّة، من بينها أنَّ هذه الخطوط ستؤمن الكهرباء 24/24 ساعة، إلاَّ أنَّ ما لا يعلمه كثر هو أنَّ هذه الخطوط لا تولد الكهرباء إنما تمرّرها أي لا تنتج كهرباء لأنه ليس لدينا إنتاج كاف. لذلك، سيصعِّد الأهالي مواقفهم وهم لم يسمحوا في عام 2003 بتركيب الخطوط ولن يسمحوا بها الآن، وخصوصاً أنَّ الدراسات بيَّنت خطر مدِّها فوق الأرض، وأخرى لم تبرهن ضررها. ولكن إن كان هناك احتمال خطرها على صحّة الناس ولو بنسبة 5% يجب أن يؤخذ ذلك في الاعتبار واعتبار صحّة الناس أولوية، إذ لهذه الخطوط أضرار منها مغناطيس الكهرباء، كما أن سقوط الكابل قد يتسبَّب بحرائق، ثالثاً الضرر الاقتصادي حيث سيضطر الناس للاختيار بين بيع منازلهم وخسارة المبالغ التي دفعوها أو خسارة صحّتهم. لذلك، يُعدّ الحل الأنسب هو الالتقاء بمنتصف الطريق، حيث يمكن للدولة مدَّ الكهرباء تحت الأرض لا فوقها ما يرضي الطرفين".

اعتماد حلول مقبولة

إلى ذلك، أكَّد النائب إبرهيم كنعان في بيانٍ تضامنَه مع أهالي المنصورية وعين سعادة، لافتاً إلى ضرورة ضمان عدم تمرير خط التوتر العالي من دون أخذ هواجسهم في الاعتبار، وأعرب عن تضامنه داعياً وزارة الطاقة إلى اعتماد حلول مقبولة من الأهالي، كخيار تمرير الخطوط تحت الأرض، الذي بُحثت سابقاً مع الوزارة ومجلس الإنماء والإعمار، حتى لو كانت الكلفة أكبر".

وقد أفادت مصادر مقرّبة من كنعان لـ"النهار" بأنَّ "موقف كنعان لم يتغير منذ 11 عاماً، وعلى الوزارة الاستجابة إلى هواجس الناس توازياً مع المصلحة العامة عبر تأمين الكهرباء ضمن أسس علمية سليمة لعدم الإضرار بصحّة المواطنين. ولفتت إلى أنّ هناك من يلجأ إلى الاستغلال السياسي ومحاولة تسييس الملفّ وتوجيه أصابع الاتهام إلى جهة واحدة".

على الدولة طمأنة المواطنين

بدوره، شدّد عضو المكتب السياسي في حزب "الكتائب" الياس حنكش في حديث لـ"النهار" على أنَّ "الأهالي لا يرفضون تمرير الخطوط لمجرد الرفض بل لما له من خطر على السلامة العامّة، وفي المنطقة 5 مدارس تضمُّ آلاف الطلاب. حين نرى تناقضات وتخبطاً داخل الحكومة، فهذه الدولة عوض أن تلجأ إلى الاستملاك الاختياري يمكنها رصد مبلغ لتمرير الكابلات تحت الأرض، بدلاً من الهدر والفساد واستجرار الكهرباء ببواخر تتخطى كلفتها كلفة مدِّ هذه الخطوط تحت الأرض. يجب على الدولة اعتماد حلّ أكثر أماناً بما يطمئن المواطنين".

يتهمونكم بالتسييس واستغلال القضية لأهداف انتخابية؟ فماذا تردّون: "وجَّهوا إلينا هذه التهمة تزامناً مع تحركنا ضد مكبّ برج حمود، واليوم يكررون ذلك. من السهل اتهامنا بالشعبوية ولكننا نقوم بما يمليه علينا ضميرنا كحزب، نحن نساند الناس لأننا مقتنعون بقضيتهم، وعندما نرى الأخطاء نتصدى لها، وهذا دور المعارضة".

التوتر العالي والسرطان

في الطبّ كما في السياسة، تتعدَّد وجهات النظر تبعاً لاختلاف الدراسات والأبحاث، لذلك، أجرت "النهار" حديثاً مع الدكتورة غريس أبي رزق اختصاصية في الطبّ العائلي فاعتبرت أنَّ "الدراسات غير واضحة حول هذا الموضوع، ولكنَّ المثبت هو أنَّ خطوط التوتر العالي يمكن أن تتسبب بسرطان الدم لدى الأولاد، أما الكبار فإصابتهم ضئيلة. ولكن هناك عوارض يشتكي منها الناس".

أما دكتور الصحة العامة راجي دقيق فيوضح لـ"النهار" أنَّ "حقول الكهرباء المغناطيسية الموجودة في الآلات الكهربائية في منازلنا مضرّة فكيف بخطوط التوتر العالي التي تؤثر على صحّة الإنسان، إضافةً إلى الحيوانات والمزروعات، والمياه التي تطالها الإشعاعات. هذه المسألة خطرة في بلادنا لأنَّ الإشعاعات تزداد مع ارتفاع نسبة الرطوبة في الجوّ. ويبرز سرطان الدم والأوعية اللمفاوية بخاصّة لدى الأطفال، وتبيّن في بعض الدول ارتفاع نسبة سرطان الثدي لدى النساء، والتشوه الخلقي وضعف الجسم. وقد تؤدي أيضاً خطوط التوتر العالي إلى قلق وخمول شديد وضعف في المناعة. في دولنا لا يتم الإضاءة على الأضرار لأنَّ الحكومات غالباً ما تبحث عن الإفادة المادّية عبر اعتماد وسائل ذات كلفة أقل. أما في دول العالم فإنْ كان لا بدَّ من تمرير الخطوط في الهواء وضعت معايير تفرض أن تكون الخطوط بعيدة ألف متر من المناطق السكنية، أو اعتماد خطوط (380 كيلوفولت) ذات نوعية باهظة ولا تصدر عنها إشعاعات كهرومغناطيسية. إذاً الوقاية تبدأ بتحسين ضرر الكابلات والابتعاد منها، فيما الإهمال يؤثر على الصحّة خاصّة الصغار وكبار السنّ".

[email protected]

Twitter: @Salwabouchacra

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم