الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

على أيّ وطنٍ نصبح؟

عبير شروف
على أيّ وطنٍ نصبح؟
على أيّ وطنٍ نصبح؟
A+ A-

عيدٌ وبأية حال عدتَ يا عيدُ؟ 

في واحد من هذا الآب سنة 2017، تجلّى الآب في الفيّاضيّة، ومن غيره الجيش اللبناني. أنبياؤه، شهداؤه، كتابه، نظامه، ورسالته حماية الوطن لبنان.

لا تستعين هذه المنظومة بآيات أو وصلاتٍ دينيّة لتفتتح أو تختتم مقطوعة من العرض أو الاستقبال. عوضاً عنها، يصدح صوت العريف قائلاً: "فلتُقرع الطبول". فتُقرع الطبول ليعلو صوتها الفضاء ويخاطب السماء. أمّا الصلاة لدى منظومة الجيش فتكون بتذكّر الشهداء والوفاء لهم حين يعلو صوت العريف أمام الفرقة: "فلنتذكّر شهداءَنا"، فيهتفون وراءَه: "لن ننساهم أبداً". جميعهم أبناء هذه الحياة الدّنيا. لا ماضٍ سحيق يأسرهم بمعاناته ولا نبيّ يكلّفهم وزر الدّفاع عنه ولا لحليف إلى ما بعد الصّحارى والبحار يتبعون. جنّتهم ليست مبهمة يعجزون عن وصفها، لأنها أمامهم أرض الوطن لبنان.

يعيدني هذا المنطق ويذكّرني ببطولات القبائل والفانتازيا التي يكتبها الرّوائيّون عن شعوبٍ لا يحتكمون إلا لقاضي القبيلة أو سيّدها الذّي يثبت لهم حسن رعايته وسياسته. أمّا في ما يخصّ الماورائيّات والإيمان فهم يعوّلون على السّماء بأن تُنصف البريء وتلعن الظّالم. تنقلك تلك المشاهد إلى أجواء تعيشها في عالمٍ متقدّمٍ آخر. عالمٌ لم يصل إليه طويل لحيةٍ ولا متعمّمٍ ولا موزّع قربان. عالمٌ نقيٌّ كنقاء الأطفال ترغب، وإن كفرت، في ألا يكبرون مخافة الوقوع في شبكة الأديان والانجرار إلى جيوش التعبئة الطّائفيّة البغيضة التي تودي بهم ضحايا في ربيع العمر والشباب.

في واحد من هذا الآب وبعد سنتين من الفراغ الرئاسي، كانت حماسة فخامة الرّئيس بإحياء عيد الجيش تفوق حماسة الجيش، لأن هذا الأخير لم يسدّ الفراغ الذي عشّش في جدران ثكناته هو الآخر، من حيث تولّي المهمات التي تحيي وتجدّد له بيعة الدّولة والشّعب. وكان الاحتفال. احتفالٌ يليق بما يُفترض أن يتحلّى به الجيش اللبناني. هذا الجيش الذي خاض معارك مخيمات نهر البارد؛ وما أدراك ما هي المخيّمات؟ الجيش الذي أوشك أن يقتلع "داعش" من جرود عرسال ويحسم المعركة لصالحه، ولكنّه أوقف عمليّته بأمرٍ سياسيّ وأعلن وقف إطلاق النّار بعد تدخّل "العلماء المسلمين". الجيش الّذي خطف "داعش" و"النصرة" جنوده تحت مرأى منه وصمت مُكرَهاً مجروح الفؤاد ومنكّس السنابل، الجيش الذي حُرِم من شرف القتال والانتصار على "النّصرة" في جرود عرسال ليستحقّ عن جدارة شرف التّكريم في عيده في هذا الآب، فتحمّل المهمّة فريق وقام بها على اكمل وجه. ونحن لا نتنكّر لتضحياته بل نجلّها، ولكن لم ولن نستعيض به عن جيشنا. مع فجر انتصار حزب الله على النّصرة والجيش اللبناني يتفرّج بغصّة وحرقة، احتفل الجميع بعيد الجيش. ولعمري لو كنت في موقع قائد الجيش لرفضت إقامة هذا الاحتفال واعتذرت من رئيس الجمهوريّة لتلبية رغبته في منح السّيوف للمتخرّجين الضبّاط. وهل تعطى شهادة تقدير لمن لم يخُض غبار الامتحان ولم يعِش نشوة النّصر، لا بل كان يتفرّج على من يحرز الهدف في ملعبه، وهو اللاعب الأصيل وقد مُنع من اللعب وبقي يراقب كباقي المشاهدين! أهذا هو الجيش الذي تهتفون له يتظلل علمه بعلم حزب الله ويحتفل بانتصارات حزب الله ولا تقوم معادلة الوطن إلا بثلاثية يثلثها ـ لا بل يبدأها حزب الله ألا وهي: مقاومة - شعب - جيش؟

جيشٌ رسالته حماية حدود الوطن تراه بنفسه وعلى لسان ضابطٍ متقاعد برتبة عميد، يوكل ويسلّم هذه المهمّة الرّسالة إلى جيشٍ آخر مستذرعاً، بالقول: "في النهاية هؤلاء الذين قاتلوا لبنانيّون، والمهمّ أن الإرهابيّين انكفأوا وإن كان على غير يد الجيش اللبناني". بربّكم هل يُعقل هذا الكلام؟ ألم يكن من الأجدى على العميد شامل روكز أن يعتذر من مقدّم برنامج "بلا حصانة" عن الإجابة على سؤاله المحرج؟ ويتابع العميد معلّلاً بشكل عسكريّ بأن النّصرة كانوا متغلغلين في مقلبي جرود عرسال اللبنانيّة والسّوريّة. وهذا ما يؤهّل حزب الله ويعزّز دوره في تحرير المقلبين بما أنّه موجود أيضاً في سوريا مما يمكّنه من محاصرة النّصرة. لو اعتذر العميد روكز عن الإجابة لما كان أحد ليلومه، لأن قرار إسناد العمليّة في الجيش أو في الحزب تأتي من الحكومة اللبنانيّة وليس بقرار من قائد الجيش وهو الذي تابع خلال المقابلة معه: "الوقت نحنا"، وأنه جال في جرود عرسال مسبقاً وأعطى تقريره وجزء من فوجه كان بإمكانه الإطاحة بالنّصرة، ولكن الظّروف السياسيّة لم تكن تسمح له!

العميد بجوابه مع كلِّ حماسه الواضح وعطشه الواضح للقتال، أغاظ اللبنانيّين الموالين للجيش وأحرجهم. ماذا يقول المواطن اللبنانيّ لمَن دافع عن أرضه وحرّرها من دنس الإرهاب؟ ماذا يقول لأهالي الشّهداء الّذين كانوا يَزفّون الشّهيد تلو الآخر إلى ضاحية بيروت الجنوبيّة والجنوب اللبناني وبعلبك والهرمل؟ ماذا يقول للإعلام الحربيّ الذي لم يبخل بنقل تفاصيل المعارك؟ لا يسع هذا اللبنانيّ إلا أن يقبّل نعوش هؤلاء الأبطال وأن يضع أيادي أهاليهم على رأسه، لا يسعه إلاّ أن تدمع عيناه خجلاً من تقاعسه هو ومن بأسهم هم! سيقول لسيّد المقاومة لولاك لَمُتْنا، سيقول مباركةٌ لك العزّة. ولكن أيتها الدّولة المحترمة هل تعلمين أين سيحطّ هذا المواطن برحاله بعد زيارة أبطال المقاومة؟ سيكون له موعدٌ مباشر مع قادة وطنه الأساس، مع رئيس جمهوريته، مع حكومته، وسأقول أكثر سيكون له موعدٌ مع جيشه الباسل. سيسألهم جميعاً، سينزع شرعيّتهم عنهم وولاءه لهم، كيف لا وقد خذلوه وجعلوه صغيراً لا يقوى إلا على قول جملة: "شكراً حزب الله".

أحيا الجيش عيدَه شكلياً، ولكن حزب الله عاشه فعلياً، وهو يدحر أتباع "النّصرة" ويرحّلهم بالباصات الخضر التي خصّصها لإذلالهم وكشعار لهزيمتهم بهمّة سواعد المقاومين، رجال الله كما هتف المذيع على قناة "المنار" الذي قال أيضاً: "يغادرون ويعبرون من تحت راية المقاومة، وردّد مراراً وتكراراً عبارة "من تحت"، وأضاف: "سيعود أهالي عرسال إلى أراضيهم وسيرون دماء الشهداء المقاومين على التراب... سيعلمون أن حزب الله هو البطل الذي حرّر أرضهم...". ومن حينها بدأت المعادلة الثلاثيّة تتكرّس وتتعزّز قولاً في أوساط الحكومة اللبنانيّة، فلم أفاجأ حين سمعت وزير الأشغال يوسف فنيانوس خلال إعلانه مشروع "مسارات مخصّصة حصراً للنّقل المشترك"، حيث بدأ تصريحه بالقول: "تحيّة مقاومة للمقاومة والجيش اللبناني". فعلاً يجب أن يُثنى على معاليه لأنّه لم ينس منح الجيش عطفه ومنيّته!

في نهاية هذا العيد الطويل، احتار اللبنانيّون في ولائهم وبهويّة أبطالهم، وأصيب بعضهم بمرض الفصام، فتارةً هم يدعمون الجيش ويعلنونه حامي الوطن الوحيد وطوراً يسمحون لعقولهم بأن تعتبر حزب الله جيشاً أعلى، ومن صلاحيّته حماية الوطن بامتياز.

بين جرود الجبال وجرود السّبياسة ضاع اللبناني، بين الجرود والجرود تاهت الأحلام، ولا ندري على أيّ وطنٍ نصبح!؟


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم