الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

نزلاء معجم القسوة

المصدر: "النهار"
أسعد الجبوري
نزلاء معجم القسوة
نزلاء معجم القسوة
A+ A-

على متن الريح 

دون كيشوت: كأنني بتّ أشعر بأن اللغة لم تعد تتحمل كل هذه القسوة يا سانشو!

سانشو: ربما لأن القسوة أصبحت أضخم من اللغة نفسها.

دون كيشوت: لا أدري. لكنني أبحث عمن يقف وراء قسوة أشد من الموت نفسه.

سانشو: قد تكون وراء ذلك كان وأخواتها!

دون كيشوت: تعني أن الحاضر لم يعد يتحمل كل أعباء الماضي ومعاركه وخصوماته يا سانشو؟

سانشو: ليس هذا وحده، فقد حلّ الغابر بالآني وبالمستقبلي، وأدخل عالميهما بكل الأدوات القديمة.

دون كيشوت: لذا بات الظهر أشبه بالعمود المكسور، أو ذاك الذي على وشك الانهيار.

سانشو: هكذا أرى اللغة هي الأخرى شبه منكسرة، وغير قادرة على استيعاب الآلام العظيمة.

دون كيشوت: أجل يا سانشو. فليست اللغة إلا مخلوقاً يحب ويتألم ويهاجر ويصمت وينكسر.

سانشو: وهذا ما يجري للغتنا الآن يا سيدي الدون، كأنها فاضت بالبلاغة الحمراء.

دون كيشوت: عندما تغرق اللغة بالحبر الأحمر، فكل ما ينمو في رحمها سيكون من الأجنة الخطرة.

سانشو: الكتابة باردة. هكذا أشعر بها الآن يا سيدي الدون!

دون كيشوت: باردة وتجلس القرفصاء على تلال من الظلمة والرمل.

سانشو: لماذا لا تكمل يا سيدي فتقول: وفوقها الجرادُ سحاباً؟

دون كيشوت: لم أظنك صاحب باع في الخيال يا سانشو؟

سانشو: هل المفردة "باع" هي كلمة يا سيدي الدون؟ أنا حتى الآن، لا أعرف مصدرها ولا معناها.

دون كيشوت: ثمة بشر يشبهون بعض الكلمات. ما إن تدقق في هوياتهم ومصادرهم، حتى تضيع.

سانشو: كل نفس معجم.

دون كيشوت: وليس أفظع هولاً من أن تنتمي إلى معجم، لا تعرف نزلاء غرفه.

***



آبار النصوص


ومن الإناث... 

من ينقبن عن خمور في أراضينا

وحتى اكتمال الموجز.

ومن النساء...

من يجلسن في مقدمة المورد

حتى تصدّع الصحارى في الخرائط.

ومنهن...

تجرّنا خلفها كنهرٍ فضفاضة ثيابه

وحوله خدمٌ بسيوفٍ وأجراس.

لم أنس بذرةً أسمعت جسدي

رنينه الشاق.

هي التي كلما راودتها

عن موجةٍ

تكسر في تربتي زجاجةَ

الطوفان.

***


غرفة للغرائز

ليس بالضرورة أن يحس كل شاعر بأنه حطب على مدار الزمن. حطبٌ يعطي ناراً، لا دخاناً فقط.

لكن بعض الشعراء، اكتسبوا من تجارب الدنيا، طرقاً في اللصوصيات الفضلى للاستيلاء على نيران شعراء آخرين، بعدما نفد حطبهم، ولم تعد أجسادهم تقدح ناراً تضيء أو تحرق أو تدفئ.

أنا شخصياً، وما إن بدأت أشعر بالضجر من الحطب ودخانه، حتى قررت تزويد اللغة طاقات بديلة أخرى، فعملت مجازياً على أن تعمل لغتي بطاقة الوقود الجاف.

فالأورانيوم الذي بات طاقة ملزمة لتحريك كل شيء، بما في ذلك الكهرباء والرؤوس النووية وجينات البكتيريا وأعصاب البشر، ليس محصوراً بتلك الأجهزة وحدها. لقد قمت باستجراره إلى الشعر، لتنهض به اللغة من تختها البالي العقيم، فتطرد نعاس العصور عنها، ونغادر أنا وإياها موقد الحطب إلى ميادين النانو الأكثر زحمة بشياطين الفضاءات التي لا تضيق بنص أو تنهار من هول فكرة.

بعض الشعراء دخانٌ مع الأسف. يعملون على الحطب، لأنه تراث وعادة ووقود أحفوري، لا يستحق الخيانة.

***


بنك الخيال

وأما العقلُ

فليس من منازل الطير.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم