الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

ميتران كان متحمسا للدفاع عن السعودية أكثر من حماية الكويت

المصدر: "النهار"
Bookmark
ميتران كان متحمسا للدفاع عن السعودية أكثر من حماية الكويت
ميتران كان متحمسا للدفاع عن السعودية أكثر من حماية الكويت
A+ A-
بعد ذلك امضيت تسعين دقيقة في قاعة الشرف في مطار القاهرة محاولا التأثير على تشيان تشي شنغ وزير خارجية الصين الذي كان ذاهبا للقاء صدام حسين. وكان اجتماعنا قد اعد له قبل ايام، وذلك عندما علمت مصادفة انني وتشيان، سنكون في المنطقة في الوقت نفسه. ومما شجعني ان تشيان اخبرني بعزمه على ابلاغ صدام ان الصين كانت ملتزمة ضرورة تطبيق جميع قرارات الامم المتحدة، وان الانسحاب غير المشروط هو السبيل الوحيد لتجنب اراقة الدماء. وبعدما شرحت له القرار المتعلق باستخدام القوة اضفت قائلا: "ان افضل ما تفعله من اجل المساعدة على الوصول الى حل سلمي لهذه الازمة هو ان تبلغ الى صدام ان الصين تؤيد هذا القرار". لم يكن تشيان مستعدا لالتزام اي شيء، ففي رأي الصين ان العقوبات بدأت تفعل فعلها. وطالما ان الامر كذلك فان الحديث عن استعمال القوة سابق لاوانه، كما ان الحرب قمينة بالاخلال بميزان القوى في الخليج، ويتعين تجنبها بأي ثمن. قال: "طالما ان ثمة شعاع امل في امكان السلام فان الصين ستبذل جهدها من اجل التوصل الى تسوية سلمية". حاولت مرة اخرى ان اضغط عليه في ما يتعلق بالقرار. قلت له: "ما لم نقنع صدام باننا جادون فثمة فرصة ضئيلة، او ربما لا فرصة بالمرة، في ان ينسحب من الكويت بطريقة سلمية". كان الصينيون لا يزالون غاضبين لانني لا انا ولا الرئيس قمنا بزيارة بكين. اوضحت ان زيارة من هذا القبيل لا بد ان تثير نقدا داخليا من المحقق انه سيؤثر سلبا على علاقاتنا الثنائية. ورغبة مني في تأكيد هذه الفكرة قرأت له مقاطع من رسائل حديثة العهد ارسلها اعضاء في الكونغرس، معربين عن غضبهم ازاء ما اعتبروه مثابة تدليل جورج بوش للصينيين. والحال ان تشيان كان مستعدا للحوار. فقد اراد ان يربط مسألة التأييد الصيني للقرار بتعهد حول استعداد الرئيس لزيارة بكين، فابلغت اليه انني موافق على ارسال بوب كيميت الى بكين في نهاية السنة ليناقش زيارة محتملة اقوم بها شخصيا في عام 1991. ويخيل الي ان تشيان فهم ان استعمال الصين حق النقض "الفيتو" سيكون من قبيل الكارثة بالنسبة الى العلاقات الصينية - الاميركية التي كانت تتحسن باستمرار. غير انني احببت التأكد من انه ادرك فحوى رسالتي فقلت: "لن يزعجنا عدم انضمام اصدقائنا الينا. ولكننا نطلب بوضوح الا يقفوا حجر عثرة في طريقنا". لم يصدر عن تشيان رد فعل، الا ان تعابير وجهه، فضلا عن اللهجة التي اتسمت بها ملاحظاته، جعلتني متأكدا ان الصين لن تكون عقبة. وهكذا ارسلت الى الرئيس التقرير الآتي: "اشعر انه بمجرد عودة تشيان سيدرك الصينيون ان مصلحتهم تقضي اما بتأييد القرار او بالاستنكاف عن التصويت على ابعد تقدير، ولا اعتقد ان الحصول على موافقتهم على قرار الامم المتحدة سيتطلب قيامي بزيارة". في اليوم التالي 7 تشرين الثاني التقيت الرئيس اوزال مدة ساعتين، وكان يعتقد، شأنه في ذلك شأن تشيان، ان العقوبات الاقتصادية بدأت تفعل فعلها. ونظرا الى انه اقتصادي متمرس فقد كان يتابع اسعار السلع في بغداد. ولاحظ ان ثمن كيس الرز الذي يبلغ وزنه 50 كيلوغراما ارتفع من ستة دنانير يوم الغزو، الى اكثر من 200 دينار. كما ان كيس طحين وزنه 80 كيلوغراما اصبح ثمنه يربو على ما يتقاضاه الموظفون العراقيون الكبار في شهر. قلت: "اعرف انك تعتقد ان العقوبات مؤثرة، شيفاردنادزه كان يعتقد انها ستؤثر خلال شهرين. ونحن الآن في الشهر الرابع". وافق اوزال على تأييد القرار ودراسة طلبي ارسال فيلق مدرع الى المملكة العربية السعودية. كما وافق على رفع عدد الطائرات الاميركية المقاتلة في القواعد التركية من 48 الى 130 طائرة، ولكنه قال انه غير متأكد مما اذا كان سيسمح لهذه الطائرات بقصف العراق. وكما هو شأن الرئيس حسني مبارك، كنت واثقا من ان دعم اوزال مضمون في حال نشوب الحرب، وكان هذا الاحتمال قائما الى حد كبير. قلت لاوزال كمن يبوح بسر: "نحن شديدو التشاؤم بالنسبة الى حل هذه الازمة سلميا، وليس ثمة مؤشر يدل على اعتزام صدام حسين الانسحاب". من انقرة توجهت الى موسكو المكللة بالثلوج في 7 تشرين الثاني، ذكرى الثورة البولشفية حيث امضيت 13 ساعة في محادثات متواصلة مع شيفاردنادزه وغورباتشيوف، استهلت في التاسعة من صباح اليوم التالي. كنت على علم بأن الرئيس سيعلن خلال ساعات زيادة عدد قواتنا. ولهذا بدأت كلامي بسرد التفاصيل على مسامع شيفاردنادزه، على سبيل المجاملة. وشرحت له الاسباب التي تدعو الى اتخاذ قرار باستعمال القوة. غير ان شيفاردنادزه لم يكن يعتقد ان الوقت قد حان لذلك، بل ان التهديد بالقوة كان في رأيه قمينا بتحويل صدام الى بطل. قال شيفاردنادزه: "ربما كان من الافضل الاكتفاء بالتشديد على العقوبات". اجبت: "ان تشديد العقوبات ليس هو المشكلة يا ادوارد، هذا الرجل سيجعل كل من في البلد يجوع قبل ان يتخلى عن الكويت". ذكرت شيفاردنادزه بأن شركاءنا العرب مصرون على ان العمليات القتالية لا يمكن ان تبدأ بعد منتصف شهر اذار موعد بدء شهر رمضان المبارك. ولهذا فسنكون مقيدين بعد هذا التاريخ، بعوامل تتصل بالحرارة الشديدة في الصيف، وقد يرغمنا الارجاء، من الناحية العملية، على تأجيل موعد القيام بعمل عسكري الى فصل الخريف. واضفت: "ان احتمال نجاحنا في المحافظة على استمرار التحالف طوال هذه الفترة يصبح مشكوكا فيه". وما ان انهيت كلامي حتى سارع شيفاردنادزه الى القول: "افهم ما تعنيه". وكان امضى اشهرا في صراع مع المستعربين في وزارة الخارجية، ويدرك مدى شبه التحالف، في واقع الامر، بحيوان رخو. وسرعان ما تغير موقفه بالكامل. وقال: "لعل الامر الوحيد المهم اذاً هو انك اذا ما قررت استعمال القوة فان عليك ان تكون موقنا من النجاح. لقد تعلمنا من افغانستان: لا تستمع الى العسكريين الذين يدلون امامك بالآراء المبسطة حول امكانات النجاح. ان عليك ان تعلم حق العلم انك ستنجح، هل انت متأكد من انك فكرت بالامر مليا؟". من الواضح ان السوفيات كانوا آنذاك يعانون حالة المرض المزمن التي اعقبت فيتنامهم في افغانستان. اجبت: "اريدك ان تسمع من خبرائنا العسكريين، اريد ان اجيء بهاوارد غريفز. وكعربون على صداقتنا سأدعوه الآن الى الدخول والتحدث اليك. اننا نقوم بعمل لم يسبق ان قمنا به من قبل". أخليت الغرفة من الجميع، باستثناء المترجمين، وشرع الجنرال غريفز في تقديم عرض منظم لخطتنا العسكرية، وقد كان غريفز حريصا على الا يكون دقيقا جدا في ما يتعلق بما يمكن ان تفعله اسلحتنا في المعركة. الا ان عرضه لمفهومنا التكتيكي الكامن وراء ادارة الحرب كان مع ذلك، مثابة عملية غير عادية من...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم