الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هيّا بنا نقع في الحُب!

المصدر: "النهار"
هنادي الديري
هنادي الديري https://twitter.com/Hanadieldiri
هيّا بنا نقع في الحُب!
هيّا بنا نقع في الحُب!
A+ A-

أمور كثيرة تقف عائقاً أمام وقوعنا في الحُب، حُب الحياة، مُجدداً، بعد انقِطاع وبعض عزلة. عبثاً نُحاول أن نَستعيد تلك "الشرقطة" التي شعرنا بها ذات يوم تجاه هذه الهديّة التي تُدعى الحياة، أو تلك العاشقة المُعتدّة بنفسها، التي تتغندر دلالاً وزهواً. وكأنها تعرف سلفاً أنها المُنتصرة علينا والمُتحكّمة بأهوائنا.  

وكأنها تتعالى علينا لأن كلينا يَعرف أننا راحلون.

وهي باقية.

عبثاً نُحاول أن نستعيد ذاك البريق الذي نحتفظ به عادةً للبدايات.

وكلانا يعرف أننا راحلون.

وهي باقية.

الرتابة، الفواتير المُتراكمة، الخيبات المحتومة، الأخبار السيّئة التي "تَنهمر" علينا من كل الاتجاهات، أحكام الناس المُسبقة علينا وعلى أسلوب حياتنا، والمُحاولات المُتكرّرة الفاشلة التي نعيشها قدرنا المحتوم أحياناً، من التفاصيل التي تجعل البعض منّا يتعامل مع الحياة وكأنها واجب فُرض علينا، ولا بدّ من أن نتحمله إلى أن يحين موعد الرحيل.

ومن جهة أخرى، ثمة "أبطال" نُصادفهم أو ربما كانوا ضمن دائرة أصدقائنا، يعيشون حُب الحياة قدرهم الجميل، ويستيقظون يوميّاً، وكأنهم وُلدوا لتوهم، على الرغم من كونهم واجهوا "رُعب" الخيبة تماماً مثلنا، كما فهموا، بدورهم، بأن السعادة (هذا الوهم الجميل تماماً كالحياة) ربما تجسّدت بلحظات هاربة. ولكنهم لا يَسمحون لهذا الواقع من أن يقف عائقاً أمام عشقهم المُستمر والمُتجدّد للحياة التي يُقال بأننا نعيشها لمرّة واحدة فقط. هم مُنهمكون في ترجمة هذا العُشق واقعهم، فيما نحن الذين سمحنا للخيبات أن تهزمنا وأن تحوّلنا قُساة نعيش المرارة خُبزنا اليوميّ، مُنهمكون في إيجاد عشرات الأسباب لكي نمنع حُب الحياة من أن يُزهر ويُبرعم، "هيك هيك هالدني محسوبة علينا".

ذات يوم بعيد، وفي وقت كنت أبحث فيه عن عشرات السُبل لأقع في حُب حياة منعني صغر سنّي آنذاك من أن أستوعب قواعد لُعبتها، قال لي الشاعر الراحل الكبير، أنسي الحاج، "ستفهمين مع مرور الوقت، ومع تكرّر الخيبات المحتومة، بأن عُشق الحياة يبدأ حين نتعامل مع الأمور العاديّة المفروغ منها وكأنها في الواقع استثنائيّة وتجاور المعجزات".

كما أكدّ لي "أب" عُلم النفس الإيجابي، الأميركي مارتين سليغمان، في مقابلة أجريتها معه عبر الهاتف إلى بنسيلفانيا، قبل سنوات طويلة، أن حُب الحياة والسعادة يولدان حين لا نُعير أهميّة كُبرى إلى كل السلبيّات التي واجهناها، وحين نتجاهل الماضي ولا نضيّع الوقت في التحدّث عنه. آنذاك، قال لي بصوته الجهوريّ الهادئ، "الماضي والخيبات، تفاصيل لا تؤثّر في حاضرنا إلا إذا سمحنا لها بذلك. لا تضيعي وقتك في التعمّق بما حصل. حُب الحياة يولد عندما نُمارس يوميّاً ما نبرع به. وأنصحك بألا تتحدثي عن الأمور التي تُزعجك للآخرين. هذا لا يعني أن تكظميها، بل إفهمي بأن كل الأفكار السلبيّة تتبدّد عندما لا نُعيرها الاهتمام الكافي لتتطوّر".

واليوم، بعدما خُضتُ مئات الحُروب مع الحياة، و"قفزتُ" فوق صغر سنّي، وإنتقلت إلى الشق الثاني (والأخير) من حياة فهمتها أخيراً وأعترف أنني أعشقها وأحترم كل دقيقة منها، أقول بصوت عالٍ بأن عُشقي للحياة تألّق وأشرق شمساً في يوميّاتي عندما اعترفتُ لنفسي بأنني أسيرُ في خطى ثابتة نحو الموت. وعندما اتخذت القرار الصعب (ربما كان الاكثر صعوبةً) بأن أتعامل مع أحكام الناس السلبيّة على أنها الانعكاس الطبيعي لمخاوفهم، وتالياً لا علاقة لها بي إطلاقاً.

وعندما كثفتُ بحوثي في الموضوع، إن كان عبر الإنترنت أو من خلال إجراء مقابلات مع "أبطال" يعشقون الحياة ويحترمون تاريخ إنتهاء صلاحيتها الذي لا مفرّ منه، عدتُ مراراً إلى نقطة محوريّة، هي الامتنان.

 مَن يُحبون الحياة، يشكرون الرب يوميّاً على كل ما حصل وكل ما لم يحصل معهم بعد. وهم يتعاملون مع الماضي وكأنه مؤلف من عشرات الدروس التي أوصلتهم إلى هذه اللحظة من حياتهم. وهم لا يخشون تقدّم العمر ولا يسمحون للأرقام التي "تُسيّج" أجسادهم بأن تُمارس سلطتها عليهم، ويسعون ليتحوّلوا مع مرور الوقت أفضل نُسخة من أنفسهم. وهنا تُصبح الخيبات جسر العبور لحياة أكثر حكمةً وأكثر حنكة. هم لا يعيرون الماضي اهتماماً. تزوجوا، لم يتزوجوا، أنجبوا، لم ينجبوا، صفعتهم الحياة بكفّ الخيبات، لم تصفعهم...هي مُجرّد تفاصيل اجتمعت لتصنع حياة زاخرة بالمواقف واللحظات. يضحكون ولا يخافون من الاستمتاع بوقتهم، أو في مُمارسة الهوايات، وفي "زخرفة" أحلام ستتحقّق حتماً وإن بعد حين. يرتدون حُب الحياة ثوب أيامهم ولا يأخذون "المصائب" على محمل الجدّ، ليس لأنهم لا يحترمون الحياة...بل لأنهم، في الحقيقة، يُحبونها أكثر من مخاوفهم.

والأهم أنهم يرفضون فكرة أنهم ضحيّة لنزوات الحياة.

هؤلاء "الأبطال" الذين يُحبون الحياة، أو الذين وقعوا في حُبها مُجدداً بعد سوء تفاهم مُزمن، يتعاملون مع حياتهم وكأنهم الشخصيات المحورية فيها. وعندما سيحين وقت الرحيل، سيلقون حتماً نظرة جانبيّة إلى الخلف، قائلين لهذا اللغز الكبير الذي يُدعى الحياة، وقد زيّنت وجوههم ابتسامة مُشرقة، "لقد سُررت بمعرفتك. إلى اللقاء".

[email protected]


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم