الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

حسين يوسف أيقونة الصبر والوجع... من قتل جنودنا مرتين؟

المصدر: "النهار"
سلوى أبو شقرا
حسين يوسف أيقونة الصبر والوجع... من قتل جنودنا مرتين؟
حسين يوسف أيقونة الصبر والوجع... من قتل جنودنا مرتين؟
A+ A-

خُطفوا في وطنهم، عذِّبوا، نُكِّل بهم واستُشهدوا. لم تكن التنظيمات الإرهابية لتتمكن من فرض قراراتها وأجندتها لولا علمها بأنَّ السياسة اللبنانية هشَّة، ورؤساء الأحزاب يربطون قراراتهم الداخلية بأخرى إقليمية أو دولية. ما يتيح للغريب نهش ابن الوطن، واحتلال أرضه، وخطفه وإنهاء حياته.  

دفع الجيش، ظلماً، ثمن الصراع المتأجّج في المنطقة بين "حزب الله" والتنظيمات السورية المسلّحة من "جبهة النصرة" (سابقاً) و"داعش"، فخطف الجنود في #غزوة_عرسال وعاش أهالي العسكريين 3 سنوات من الانتظار، ليعود الأسرى لدى "النصرة" سالمين إلى أهلهم ومنازلهم، فيما القدر كان أقسى على أهالي أسرى "داعش" فوصل الخبر الأليم: "الجنود استشهدوا في شباط 2015"!

بالعودة إلى 2 آب من عام 2014، لم يرفَّ جفن الدولة والسلطة السياسية يومها فوقفت متفرّجةً على عسكرٍ يساق إلى الجرود والمجهول، في أرضه مرتدياً بزَّته العسكرية. أيقونة الصبر حسين يوسف، والد العسكري محمد يوسف، حملَ الغصّة في قلبه، وتعالى على الوجع وكرَّس السنوات الثلاث من حياته لتقصّي المعلومات حول مصير ابنه ورفاقه الأسرى، فجاء الخبر المشؤوم.

في خيمة رياض الصلح، تجمَّع أهالي الأسرى المخطوفين والمحرّرين في انتظار زيارة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبرهيم. وقفت شقيقة الأسير المحرَّر لدى "جبهة النصرة" الجندي جورج خوري، ماري خوري، القوية والصابرة إلى جانب الأب المفجوع لمواساته في محنته. سألَت "النهار" ماري عن سبب وجودها في الخيمة على الرغم من إقفال ملفّ العسكريين المخطوفين لدى "النصرة"، وعودة شقيقها سالماً. فأجابت: "أنا معنيّة بهذا الملفّ، بعيداً من جزئية خطف شقيقي وتحريره، هؤلاء الجنود التسعة يمثّلون لبنان، هؤلاء جنود لبنانيّون. كيف نعبّر للآخرين عن محبّتنا لهم إذا لم نقف إلى جانبهم ونقدّم الدعم المعنويّ لهم. وجودي في الأمس كان لانتمائي إلى لبنان أولاً، ونظراً للعلاقات الإنسانية والشخصية التي جمعت أهالي عناصر الجيش بعضهم ببعض ثانياً. نحن عائلة واحدة، لا يمكنني الإفصاح عن الحديث الذي دار بيني وبين حسين يوسف، فهو ليس للنشر. أقول فقط لحسين يوسف: "أعزّي لبنان بك، أنتَ بتّ أيقونة للصبر والوجع، الله يرحم الوطن".

كنتِ معه طيلة اليوم، كيف تلقّى الخبر؟ "لن يصدِّق يوماً هذا الخبر، قد تصبح الصورة أكثر واقعية عندما يستقبل الرفاة. لا يُمكن لإنسان أن يتقبَّل وفاة شخص عزيز على قلبه، خصوصاً ابنه".

هل كنتم تعلمون باستشهادهم منذ مدَّة؟ "عندما يصل الإنسان إلى المجهول يضع الاحتمالات الأسوأ لئلا يُفاجأ، فكّرنا كثيراً بأن يكون الجنود قد استشهدوا، كنّا نأمل العكس. هذه مشيئة الله. نأسف للطريقة التي علمنا فيها بمصيرهم، إنها ليست في حجم تضحياتهم وحياتهم. ولم يكن هناك أيّة حُرمة للشهداء، إذ تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي خبر استشهاد العسكريين منذ فجر الأحد، فيما أعلن اللواء إبرهيم الخبر في الساعة الخامسة من عصر ذلك اليوم. هذا الخبر المفجع الذي يمسُّ الدولة اللبنانية كان يفترض أن يجتمع على إثره مجلس الوزراء، أو أقلّه أن تتم دعوة أهالي الجنود إلى القصر الحكومي لنعي الأسرى. لم يتواصل أحدٌ مع الأهالي، لا رئيس الجمهورية ولا رئيس الحكومة. اتصل بنا قائد الجيش جوزف عون وكنّا طيلة اليوم على اتصالٍ مع استخبارات الجيش ومكتب اللواء إبرهيم. لم يحترموا الشهداء وقتلوهم مرتين، الأهالي يستقبلون رفات أبنائهم وعلى الشاشات نشاهد في بثٍ مباشر عملية ترحيل الدواعش إلى المناطق السورية".

نسألها لمَ العتب على من يخرج اليوم، ألا يجب لوم من كانوا في السلطة عام 2014؟ تجيب: "عملية الخطف لعبة مدبّرة ضمن قرار سياسي أكبر من حجم لبنان، دول خططت لهذا الخطف بغية رهن لبنان ووضع قراره تحت سيطرة المنظّمات الإرهابية وجعله مشلولاً لفترة معيّنة. أحمِّل الحكومة، ورئيس الحكومة آنذاك تمام سلام وقائد الجيش جان قهوجي ورئيس الجمهورية ميشال سليمان مسؤولية مصير الجنود ".

ووجّهت في الختام سؤالاً إلى الدولة، قائلةً: "من يُحدّد متى نتفاوض مع منظمات إرهابية؟ يقولون إنَّ ما حصل لا يدخل في نطاق المفاوضات، فكّ أسر عناصر من "حزب الله" ويتم ترحيل الدواعش وملفّ العسكريين كان بنداً ثانوياً. المفاوضات حصلت، لمَ ينكرون ذلك؟ أقول لهم: "أنتم قتلتم عناصر الجيش اللبناني لا "داعش"".


في تشرين الأول من عام 2014 توجهت والدة محمد يوسف مع زوجة محمد وولده الصغير إلى جرود عرسال حين كان الموعد عند التاسعة والنصف صباحاً، رفض حسين يوسف يومها الذهاب لزيارة ابنه وسماع أحاديث ما بعدَ الزيارة، فـ"قلبه لا يحتمل سماع الكثير". ندم أبو محمد ولكنه كان يأمل خيراً. انهار حسين يوسف فوراً بعد كلام اللواء إبرهيم. لن يصدِّق قبل أن يرى محمد، إنه ينتظر اللقاء الأخير قبل الوداع الأبديّ.

[email protected]

Twitter: @Salwabouchacra


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم