السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

من ناشطة للسلام إلى محاربة شرسة... كيف انتصرت فانيسا على الورم السحائي؟

المصدر: "النهار"
ليلي جرجس
ليلي جرجس
من ناشطة للسلام إلى محاربة شرسة... كيف انتصرت فانيسا على الورم السحائي؟
من ناشطة للسلام إلى محاربة شرسة... كيف انتصرت فانيسا على الورم السحائي؟
A+ A-


هل تساءلت يوماً كيف يمكن أن ينقلب سلامك إلى حرب داخلية عليك أن تخوضها بشراسة مع جسدك مهما كلّف الأمر؟ وبينما تخوض معارك الحياة تجد نفسك فجأة في خضمّ معركة صحّية لا تعرف كيف بدأت وكيف ستنتهي. تدور في دوّامة طويلة تجعلك مرهقاً، متعباً، وضعيفاً جداً، فكل تلك الأدوية ترهقك، وهي غريبة عنك حتى إنّ بعضها يجعلك مسلوب القوّة والتركيز. هل يعقل أن نكون أضعف مما كنا نظن أم أنّ المرض يسلب منّا كل شيء لبعض الوقت قبل أن نستردّه بالقوة وبحبنا للحياة.

كانت فانيسا باسيل (مواليد 1988) منغمسة في حياتها وانشغالاتها المهنية التي تستنزف وقتها بشكل كبير، قبل أن تتغيّر حياتها رأساً على عقب ودون سابق إنذار. فجأة سقطت أرضاً أثناء ممارستها الرياضة في أحد النوادي الرياضية وبقيت مغمىً عليها لمدة 4 ساعات. لم تكن فانيسا تشكو شيئاً قبل هذه الحادثة، لكن ما حصل معها كان أزمة صرع أو ما يُعرف بـ"crise d’épilepsie" رغم أنها كشفت ما هو أخطر من ذلك وأبعد من مجرّد نوبة.

شخصية قويّة تخفي خلفها ندوباً وانكسارات وأوجاعاً لا يعرف بها أحد. حبّها للحياة أكبر من أي شيء وطموحها أقوى من أن يتحطم أمام "ورم" أراد النيل منها فقضت عليه دون رحمة. تروي فانيسا وهي مؤسسة ورئيسة منظمة "إعلام للسلام" (MAP) قصّتها مع الورم السحائي( méningiome) ومعاناتها والمتغيرات التي طرأت على حياتها ووضعتها ضمن "أطر خاصّة" لا يمكن الخروج منها موقتاً. تستهلّ حديثها بالقول: "كان كل شيء سريعاً، لم يكن هناك أيّ مقدّمات، فجأة أًغمي عليّ في أحد النوادي الرياضية لأكثر من 4 ساعات ونقلني إلى المستشفى الصليب الأحمر. هناك أُجريت لي صورة شعاعية كشفت عن وجود ورم ليتم تحويلي إلى اختصاصيّ في أمراض الرأس والجهاز العصبيّ لإجراء تصوير الرنين المغناطيسي للتأكد من حقيقة الوضع".


ورم حميد... إنه méningiome

تعود فانيسا بالذاكرة إلى تلك اللحظات التي تقرر مصيرها المستقبلي، لم يكن سهلاً عليها الانتظار. أسئلة كثيرة تدور في رأسها بعد زيارة اختصاصي الأمراض العصبية الذي وصف لها دواءً لنوبة الصرع في انتظار نتيجة الرنين المغناطيسي. وجاءت النتيجة إنه ورم حميد اسمه Meningiome، وتكون عوارضه وعلاجاته شبيهة بالسرطان، لكنه ليس خبيثاً وقاتلا كالسرطان. بهذه الكلمات تتابع فانيسا سرد قصتها: "لم يتسنَّ لي التفكير كثيراً، كان عليّ أن أخضع لعملية جراحية سريعاً لأن الورم أصبح كبيراً ويجب استئصاله بسرعة لأنه يهدد حياتي. هكذا اتضحت الصورة وعلمت بحقيقة وضعي الصحّي وبأنّ هذه النوبة كانت تخفي ورما أخطر يفتك برأسي دون علمي. عندما أطلعني الطبيب كنت هادئة وطبيعية، لم أفاجأ ربما لأنني لم أسمع بهذا الورم من قبل وتفاصيله. لم أكن أعي حقيقة حجم هذا الخبر ومدى خطورته، لم أنهَر أو أيأس، كنتُ فقط أقول لنفسي إنه عليّ استئصال هذا الورم لا أكثر ولا أقلّ".

لم تكن مشكلتها مع المرض بقدر ما كانت مشكلتها مع الأدوية التي تتناولها من أجل الصرع. كانت تشعر بالتعب والإرهاق والدوران طيلة الوقت، لم يعد باستطاعتها القيام بشيء وهذا ما كان يؤلمها حقاً.

برأي فانيسا: "حدث كل شيء بسرعة كبيرة، مرّ الأسبوعان بلمح البصر، لم يكن لديّ الوقت لاستيعاب ما يجري، كانت مشكلتي الوحيدة مع هذه الأدوية التي ترهقني نفسياً وجسدياً. هكذا انتقلت من طبيب في الأمراض العصبية إلى اختصاصيّ في جراحة الأعصاب الذي كان داعماً ومتفهماً لطبيعة عملي. كنتُ في ذلك الوقت أنظم ورشة عمل، لكني اضطررتُ لتأجيلها بسبب مضاعفات الأدوية على حياتي. كان الطبيب في انتظار اتصالي لأعلمه بأني جاهزة للعملية، وهذا ما حصل فعلاً بعدما أجريت أبحاثي على الإنترنت للاطلاع على كل تفاصيل هذا الورم ومضاعفات العملية وغيرها من التغييرات."

مضاعفات العمليّة والخسارات

كان على فانيسا أن تستحمّ بالـ betadine صباحاً ومساءً قبل يوم من العملية. تكشف عن مشاعرها في تلك المرحلة معترفةً بأنها لم تنم في تلك الليلة، "ليس سهلاً أن تجري عملية في رأسك. لكن أصعب لحظة كانت لدى دخولي إلى غرفة العمليات، هذه اللحظة التي تجهلين فيها ما قد سيحدث في حياتك، لا تعرفين ما إذا كنتِ ستخرجين من هذه الغرفة أم لا. مضاعفات خطيرة تحملها هذه العملية، هناك احتمال أن أفقد أحد حواسّي أو الشلل أو حتى الموت، كانت كل الاحتمالات موجودة وواردة، فلا أحد يعرف كيف يمكن لجسمك أن يتفاعل مع هذه العملية لاسيما أنها في الرأس".

"عندما استلقيت في غرفة العمليات شعرتُ وقتها باستحقاق أنّ قدري سيتحكّم بحياتي وأنا عاجزة عن التحكّم بمصيري ولو بنسبة 1%" وفق قول فانيسا التي أضافت: "عندما ذهبت بالعربة شعرتُ كأني أودّع أهلي وأصدقائي. هذه اللحظات يصعب وصفها بكلمات لكني أخفيتُ مشاعري عنهم كي لا يضعفوا أكثر. بقيتُ متماسكة حتى وصولي إلى غرفة العمليات ثم لم أعد أشعر بشيء بعدما خدّروني، حان وقت الاستحقاق الكبير!".

استغرقت عملية فانيسا 5 ساعات تقريباً، لكنها احتاجت إلى وقت طويل للاستيقاظ بعدها. وتشير إلى أنّ "رأسها كان ملفوفاً وكنتُ أشعر بشيء غريب أعجز عن تفسيره. مضاعفات العملية بدأت تظهر جليّة عليّ؛ تقيّؤ ورجفة وغيرهما من الأمور الطبيعية نتيجة التخدير. نمتُ ليلة في غرفة العناية الفائقة قبل نقلي إلى غرفة عادية، لكني كنتُ أحاول جاهدة أن أُشعر أهلي بأني قويّة وكلّ شيء على ما يرام. 3 حالات مشابهة لحالتي في أسبوع واحد في مستشفى واحد. حالات كثيرة لا نسمع عنها، وعندما مررت بهذه التجربة بدأتُ أبحث عن مجموعة داعمة مرّت بنفس الحالة لمعرفة كيفية تخطي كل ذلك."

وتستكمل الحديث عن تجربتها بالقول: "بقيت 5 أيام في المستشفى وكنت ممنوعة من رؤية الضوء وأنزعج من الأصوات مهما كانت خافتة، كنت أشعر بأن رأسي أشبه بقنبلة. كانت معنوياتي عالية جداً، لم أكن أعرف من أين أتيتُ بهذه القوّة والقدرة على التحكّم مع حالتي النفسية والمعنوية. لم أكن قادرة على المشي، وكان عليّ أن أتعلّم المشي من جديد من خلال القيام بتمارين مع الطاقم الطبي لإسترجاع قدرتي على المشي بمفردي. وبما ان العملية كانت على جهة اليمين، فكانت اطراف اليسرى ضعيفة جدا لاسيما قدمي اليسرى. كنت اشعر بتنميل قوي فيها وما زلت حتى اليوم، يحتاج الجسم الى وقت طويل لإسترجاع قوته وعافيته. " 

لا تنسى فانيسا ذلك اليوم التي إنتزعت فيه bondage والإستحمام لأول مرة. كان لا يزال الجرح طرياً وكان هناك éponge خصوصي مع الـ Betadine لتطهير الجرح اثناء الحمام. "لكن بمجرد لمس الجرح كنت اتألم واصرخ بقوة. كانت المرة الاولى التي ابكي فيها من شدة ألمي.ان التجربة التي عشتها كشفت لي محبة الناس، لقد ساعدتني عائلتي وأصحابي لتخطي هذه الأزمة. منزلي كانت بمثابة عناية فائقة أخرى وكأنه قصاص بالنسبة اليّ كوني انسانة حيوية ومفعمة بالنشاطات والحركة الدائمة. إنزعجتُ كثيراً من مكوثي في المنزل لفترة طويلة لكن كان علي ان اتقبل ذلك، ليس لدي حل آخر."

حياتي تغيّرت رغما عني

كانت مضاعفات العملية تظهر جلياً يوما بعد يوم، كانت فانيسا تشعر بتنميل في قدمها وثقل كبير في رأسها. لم توقف الأدوية لمدة شهر، كان ممنوع عليها مشاهدة التلفاز او سماع أصوات او الجلوس على الحاسوب او حتى رؤية الضوء. كانت فترة صعبة عليها، لم يكن امامها سوى الرسم والتلوين لمساعدة دماغها على الإلتحام بسرعة.

تضيف فانيسا قائلة "مرّت 6 اشهر واصبح تاريخ 23 ( تاريخ اجراء العملية) يوما جديدا في حياتي. كان الدواء الذي اتناوله يمنعني من قيادة السيارة طوال 6 اشهر، وكان ذلك يزعجي لأني كنتُ اعيش حياة مستقلة وحرة وفجأة شعرتُ بأنني مقيدة ومأسورة. إنعكست العملية الجراحية على نمط حياتي، أصبحت بحاجة للنوم أكثر من 8 ساعات. تغيّر نمط حياتي ما دفعني الى تعديل دوام العمل مع فريقي. كان الدواء الذي اتناوله يمنع تكرار ازمة الصرع ولقد قمت بتغيير 3 ادوية بسبب مضاعفاته القوية على صحتي النفسية والجسدية. "

لا تأخذ المرض بطريقة شخصية

أكثر من 47 قطبة في رأسها وبرغيين وثقل وتعب دائم وحاجة للنوم وضعف في الذاكرة. هذه الحصيلة النهائية للعملية وكان على فانيسا التعايش مع كل هذه المتغييرات واستكمال حياتها. تؤكد فانيسا ان "قصصا كثيرة تغيّرت في حياتي بعد هذه التجربة لكن اعتبرها فرصة جديدة لبدء حياتي من جديد. من الصعب جدا ان نواجه الموت في هذا العمر الصغير او نعايش ورما فجائياً لكن الايجابية تكمن في ان جسدنا قابل لمحاربته وقابل ليجدد نفسه. هذه التجربة جعلتني أكثر قوة وأكثر تقديرا للحياة، لذلك اقول لكل من يمر بمثل هذه التجربة ان لا يدعوا شيئا يحطمهم وان لا يشكوا بقدراتهم وما"ياخذو المرض بطريقة شخصية، يجب ان نكون اقوى من المحنة الصحية لنتغلب عليها. علينا ان ندمر المرض مهما كان ولا ندعه يأكلنا من الداخل بل علينا ان ندمره."

وتختم بالقول "المحنة الصحية والورم الذي تمّ إستئصاله هما بمثابة درس معنوي في كتب الحياة، قد تكون التجربة قاسية وظالمة لكنها تعلمنا كثيرا، فلكل تجربة دروسها الخاصة. تمسكوا بالحياة هذه فرصة لمعرفة قيمة الحياة والاشخاص والاقارب وقيمة نفسك وقدراتك الشخصية. ان الحديث عن مرضك يساعدك على تخطي هذه المرحلة كما يساعد غيرك على تخطي تجربته ومحنته مع المرض."


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم